لم يقتصر أبدًا وجود المعتقدات الخرافية عند المصريين على الزمن البعيد, أو حيث الجهل و قلة الوعى .. وإنما قد نجدها اليوم متواجدة وبكل قوة على الساحة وبين الكثير من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية . فبالأمس البعيد كان لبعض أطياف الشعب المصرى العديد من المعتقدات الخرافية: كالأسياد , والأحجبة , اولزار والقرين .. واليوم ومع الأسف لا تزال تلك الخرافات منتشرة بل وامتدت إلى اوساط المتعلمين والفنانين والأطباء وغيرهم, فالإيمان بهذه ألأشياء هو الآن كما كان فى الماضى وأكثر, رغم مرور ما يقرب من ثمانين عاما على صدور “قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية” لأحمد أمين, الذى هو كنز نغترف منه كثيرا للتعرف على أحوال وأفكار ولغة أبناء الشعب البسطاء حتى النصف الأول من القرن الماضى, والذى يحتاج منا إلى مواصلة الجهد لتتبع تطور( أم انحدار؟) الأحوال العقلية واللغوية لعامة (وخاصة؟) المصريين فى العقود التى لم يسجلها ويصفها أحمد أمين. يقول العلامة الكبير قى كتابه إن أغلب المصريين يزعمون أن الجن يتعرض للإنسان إذا سار وحده بالليل , ويظهر فى صورة كلب أو قط والأغلب فى صورة قط أسود, ولذلك يتحاشون ضرب القطط والكلاب بالليل , ويعتقدون أيضًا أن بعض البيوت “مسكونة”, ومعنى مسكونة أن الجن سكنوها وخصوصا إذا حدثت فى البيت حادثة قتل, فهم أحيانا يسمعون أنينًا , وأحيانًا يضرب البيت بالحجارة ونحو ذلك . ويتصل بذلك اعتقاد الناس بأن الجن تتقمص الرجال والنساء فإذا تقمصتهم نطقت على ألسنتهم بأصوات غريبة وتنبأوا بتنبؤات مستقبلة . كما أشار أحمد أمين إلى أن البعض يعتقدون أن الجن تفعل كثيرًا مما يفعله الناس , وأيضًا أن للجن علاقة حميمة بالإنس , فقد يعشق الجنى امرأة , وقد تعشق الجنية رجلا. وذكر أنه كان يعرف رجلا شركسيا كثير الصمت قليل الكلام تبدو عليه كثرة التفكير, فكان يزعم أنه جنية تعشقه وأنها لذلك منعته من التزوج . ويزعم المصريون ان الجن يأكلون ويشربون, ولذلك اعتاد بعضهم إذا توهم أن مرضه جاء من غضب الجن عليه , أن ينيب عنه من يصعد به إلى سطح البيت وهو ساكت لا يتكلم ولا يلتفت وراءه وهو صاعد ويقلب الإناء بما فيه على الأرض ولا يذكر اسم الله وهو يريقه , ثم يترك الإناء وهو فى مكانه وينزل كما صعد, يزعمون بذلك أن الجن تشربه, ويكررون هذا الأمر ثلاثة أسابيع على الأقل فقد يرضى عنه الجن ويشفى . وحدث مرة أن ادعت امرأة أن الجن تقمصوها, وذلك فى عهد محمد على, فاستدعاها إلى قصره وكان الوقت ليلا فأمرت بإطفاء الأنوار وادعت أنها تحضر الجنى فحضر وتكلمت بكلام رجل كأن الصوت يخرج من بطنها فأطراها محمد على ّ على فعلها وأمرها أن تقترب منه حتى يقبل يدها , فلما مدت يدها قبض عليها وأمر بإضاءة الشموع فرأى أنها هى المرأة ولا جنى ولا غيره ثم أمر بإلقائها فى النيل , فجزع الجند الحاضرون وظنوا أنها ولية من الأولياء وأن هذا الأمر( أى إلقاؤها فى النيل) خارج عن الدين فقال لهم محمد على لا تجزعوا لو كان الجن معها لأخرجوها من النيل ولو كانت مدعية ادعاءً باطلا ً فقد استرحنا منها. فلما ألقيت غرقت واستراح الناس منها . كما يعتقد المصريون بقدرة بعض الناس على تسخير الجن لمصلحة من أراد , سواء فى ذلك خواصها وعوامها وأغنياؤها وفقراؤها ويرتزق كثير من الطوائف بهذه الدعوة. ويوجد كتب كثيرة تحتوى هذا الموضوع.فيحكى لنا أحمد أمين أن البعض يعتقد أن للحروف أسرارًا ويكتبونها صورًا مخالفة للحروف المألوفة ويسمونها حروفًا روحانية أو علوية, نظير هذه العلوم التى فى العالم السفلى , ويزعمون أن لكل حرف خدامًا يحافظون عليه , ويزعمون أن لكل يوم من أيام الأسبوع جنًا تغلب عليه ويعرفها من هو أهل لها . ففى كل ساعة من ساعات الأيام برج مخصوص له السلطان ولكل برج مواليد تتأثر به سعادة أو شقاء وهم يعملون الأحجبة على حساب هذه الطوالع وهذه صورة حجاب من الأحجبة : “بسم الله الرحمن الرحيم , شهد الله أنه لا إله إلا هو.. الآية . له معقبات من بين يديه ومن خلفه.. الآية .الله لا إله إلا هو الحى القيوم.. الآية . اللهم قنا سيئاتنا وسيئات أعمالنا وسيئات ما يمكرون ,إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون . 11511 عوج واعوج ياعوج ماعوج” وهكذا كثير من أنواع الأحجبة, لقضاء المصالح المختلفة , وعندهم لوح يسمى لوح الحياة ولوح الممات . ولحساب المريض أو الغائب أو الحاجة تقتضى : يُحسب اسم الشخص واسم أمه ومن هى عندهم ويزاد على الحاصل اسم اليوم المسئول فيه ويضاف إلى المجموع ما مضى من الشهر العربى , ويسقط من المجموع 30-30 وما بقى يُنظر فيه هل هو من لوح الموت أو من لوح الحياة . ومن أراد أن تخدمه الجن فإنه يصوم أربعين يومًا فى خلوة لا يأكل إلا خبز الشعير والزبيب الأسود ولا يأكل إلا كل أربع وعشرين ساعة , ثم يتلو العزائم ويستحضر بها الخدام , والخادم الأول عبد أسود فى يده حجر أحمر , وعزيمته “يا بنوح دردموخ أجيبوا بحق سمعاط شموع برهوت برهين اسحيم” . تقرأ ألف مرة وكذلك بقية الخدام الأربعين . أما “الأسياد” فهى كلمة تستعمل فى الغالب للأولياء من أهل عالم الغيب أو الجان وأحيانا يكون الأسياد من أشكال مختلفة: هذه عليها أسياد سودانية وهذه حجازية وهذه مغربية , ويتضح ذلك فى حفلات الزار , فربات الزار تضرب نغمات مختلفة على الدف , لكل نوع من الأسياد ضربة خاصة . وللشعب المصرى بعض التعبيرات المختلفة فيقولون “جتته مش خالصة” أى جسمه مشغول بالعفاريت , “ ركبه عفريت” و”عليه أسياد” . ويشير أحمد أمين إلى أن لكل سيد من هؤلاء الأسياد ملابس وأغانى ورقصات تناسب جنسه , فإذا كان الشيخ الذى على الست عربيًا لبست فى الزار لبسا عربيا ورقصت وغنت له باللهجة العربية , و كذلك إذا كان مغربيًا أو سودانيًا أو حبشيًا , أما إذا كان الشيخ لم يعرف بعد فإن الكدية تدق لها سبع دقات كل دقة على طريقة خاصة وعند كل دقة تلبس السيدة لباسًا من جنسها , فالنغمة التى تعجبها ترقص لها فتكون هذه هى الطريقة التى تعرف بها نوع الأسياد الذين يلبسون جسمها.. ولصنع الأحجبة تكون الكتابة بحبر أحمر وأخضر ثم يتم تطبيق الورقة وتوضع فى جلد أحمر وتعلق فى الرقبة أو يكون تحت الثياب , وهى أحجبة لشفاء المريض , لقضاء الحاجات وحجاب لتحبيب الزوج فى الزوجة وغير ذلك . ويقول أحمد أمين: أعرف رجلا انقطع لعمل الأحجبة , وكان مكارًا خبيثا تقصده النساء لعمل تلك الأشياء, فما مضت عليه سنة من هذه الحرفة إلا وأصبح معتوهًا وألزم نفسه بأن يقول كل ليلة يا لطيف خمسة الاف مرة , ومن الغريب أنه يعتقد أن هذه الأحجبة وأمثالها ضلال فى ضلال , ولكنه لا يمكنه أن يتركها بعد أن تعودها, وأحيانا تكون هذه الأحجبة مؤسسة على الوهم .كالذى حكى انه فتح حجابا فلم يجد إلا ورقة من قصاصات إحدى الجرائد . ويعتقد البعض أن كل إنسان يولد له قرين, إما ذكر أو أنثى.ويشير أحمد أمين إلى أن كثيرا من النساء يعتقدن أن أولادهن أحيانا يبدلن بولد آخر من أولاد الجن , وقد يكون نتيجة ذلك نفورهن من أولادهن , وأحيانا يشتد نفورهن إلى حد الفرار, وأحيانا يزيد نفورهن فيذهبن بالولد إلى مقبرة من المقابر فيضعنه فيها وهو حى ثم يذهبن فى الصبح للكشف عليه, وقد يجدنه أكله الذئب أو نحو ذلك فيعتقدن أن الجن اختطفته. استولى هذا الوهم مرة على بعض الرجال , فكان يعتقد أن الجن تريد أن تخطفه . فانتقل من بيت إلى بيت ومن حجرة إلى حجرة حتى لا يعرفوا مكانه وكان يضع على فراشه لحافا على شكل رجل نائم زاعما أنه يخدع الجن . هذه بعض أوهام بعض المصريين فى أوائل القرن الماضى, وللأسف لا يختلف الحال كثيرا الآن ونحن فى العقد الثانى من الألفية الثالثة!