التشبيه الذي أطلقته بعض وسائل الإعلام المصرية بين قبائل سيناء وقبائل سنية في العراق بشأن محاربة المتطرفين لم يكن موفقا بالمرة، فقد اختزل أوجه الشبه في الدور الذي لعبته الثانية ضد تنظيم القاعدة، والدور الذي أعلنت عنه قبيلة الترابين ومعها عشرات القبائل ضد فلول داعش والمتطرفين عموما في سيناء، ولا أعلم هل من توقفوا عند هذه العلاقة قاموا بذلك عن قصد أم خبث ؟ في الحالتين هناك ظلم وقع علي قبائل سيناء، التي لعبت دورا وطنيا ولا تزال، في دعم أسس الدولة الوطنية، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم، بينما فكرة الصحوات في العراق نبتت أصلا من قبل الاحتلال الأمريكي، ولأغراض وحسابات خاصة به، وإذا كانت هناك نتائج إيجابية في البداية، ففي النهاية أفضت تصرفات قطاع، ليس هينا من الصحوات، إلي نتائج كارثية، تحولت بعدها إلي عبء علي القبائل العراقية الوطنية، وعنصر إضافة للمتطرفين، لأن لعبة تكوين الميليشيات استهوت كثيرين، حتي صارت تجارة رابحة، عصفت بجزء معتبر من مقومات الدولة العراقية. مع أن ما يسمي بقبائل الصحوة لها مكانة أدبية وأمنية في بعض المناطق العراقية، غير أن لعنة انحراف البعض عن جوهر الفكرة التي دفعت بعض القبائل للانخراط فيها أبعدتها عن الدور الوطني، الذي كان من المتصور أن تقوم به، حيث كادت في وقت من الأوقات تكون لصيقة بمصالح الاحتلال وخادمة لأهداف المتطرفين، لذلك يبدو التشبيه في غير محله، مع أصحاب النيات الحسنة قصدوا التحذير ودق جرس إنذار لعدم تكرار العوامل السلبية التي أساءت لدور للقبائل السنية، حيث هناك من اتخذها تكئة لتصفية حسابات سياسية. قبائل الترابين التي أصدرت إعلانا قبل أيام، أكدت فيه عزمها علي مقاومة المتشددين في سيناء، أثني علي مبادرتها البعض، باعتبارها محاولة جيدة في هذا التوقيت، وتتوافق مع الجهد الذي تبذله الأجهزة الأمنية، عسكرية وشرطية، وخطوة تعزز بها دورها مع القبائل الأخري في هذا الفضاء المليء بالألغام السياسية والأمنية، ربما تبدد الشكوك التي رددها البعض أحيانا، حيال اتهامات شاعت حول تورط عدد محدود من شباب قبائل سيناء في أعمال عنف وإرهاب، ارتكبت في الآونة الأخيرة. مقاومة المتطرفين في سيناء بدأت مبكرا، من خلال تعاون القبائل مع الأجهزة الأمنية، الأمر الذي أسهم في تخفيف الضغوط علي المؤسسات الرسمية، لكن الإعلان عن دخول المواجهة صراحة مع المتشددين، يعني أن هناك إجراءات أشد صرامة سوف تتخذ مع هؤلاء، وضد كل عنصر قبلي يتورط بأي وسيلة معهم، كما يؤكد تعاظم أهمية الدور الذي يجب أن يقوم به المجتمع المدني في الحرب علي الإرهاب، بعد أن طال انتظاره. وقد بدا هذا التحرك كأنه اعتراف ضمني بأن هناك مشكلة حقيقية تواجهها أجهزة الأمن في سيناء، بعد تكرار الحوادث خلال الفترة الماضية، بالتالي سيكون ميزة نسبية تدعم جهودها ميدانيا، حيث استغلت بعض العناصر الإرهابية السيولة الاجتماعية، ونجحت في الابتعاد عن أعين الأمن، أو وضعته في حرج بالغ، عندما لجأت للتخفي وسط الأهالي، واستندت إلي بعض الخيوط القبلية، لذلك فالخطوة التي اتخذت أخيرا، من الممكن أن تكون لها تأثيرات جيدة علي ضبط معدلات العنف، التي لاحقت بعض أفراد الجيش والشرطة بصورة مباغتة. السيناريو القبلي في سيناء، ربما جري التفكير فيه من قبل، وحالت بعض الظروف الأمنية والحساسيات الاجتماعية دون تطبيقه في سيناء، غير أن مقدماته كانت ظاهرة مع قبائل مرسي مطروح الوطنية، والتي أسهمت بدور كبير علي مدي العام الماضي، في ضبط الأمن داخل مناطقها، عندما تفاهمت مع أجهزة الدولة علي قطع دابر مهربي المجرمين عبر الحدود مع ليبيا، وأوقفت نزيف تهريب الأسلحة من خلال الدروب الجبلية الوعرة في الصحراء الغربية. وبعد مضي عام علي التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية وقبائل مطروح، جاءت النتيجة مرضية إلي حد كبير، فقد فرض منهج القبيلة كلمته علي شباب كانوا يجدون في التهريب وسيلة للكسب السريع، وتراجعت معدلاته السابقة، التي أدي ارتفاعها إلي حدوث اختلالات أمنية فاضحة في المنطقة الغربية، وساعد علي غلق غالبية المنافذ والأبواب التي كانت معبرا لمرور المجرمين والمهربين. الهدوء النسبي السائد حاليا علي الحدود الغربية، جاء عقب وقف الاختراقات التي سهلت ارتكاب بعض العمليات الإجرامية، الأمر الذي تأخر سده في سيناء، لكن مبادرة قبيلة الترابين وتكاتف القبائل المماثلة، يمكن أن يكون لها دور رئيسي لا يقل أهمية عن الحصيلة التي جري الوصول لها في الصحراء الغربية، وربما تكون الدوافع القبلية متقاربة، غير أن مكونات البيئة الاجتماعية الدقيقة، وعناصر الجغرافيا العميقة، مختلفتان نسبيا، ففي مرسي مطروح الأوضاع أشد تعقيدا، بحكم الحدود الطويلة مع ليبيا، بينما تبدو سيناء أسهل في السيطرة علي العناصر الإرهابية، التي أضحت موجودة في مناطق بعينها. المهم أن يكون الدور القبلي بالتنسيق مع أجهزة الدولة، للحصول علي نتيجة مرضية، ولا تتحول القوة القبلية التي يتم تشكيلها لحصار المتطرفين إلي قوة غاشمة، يجب أن تعمل ضمن شرعية رسمية، لتجنب حدوث انحرافات في الأهداف، وإبعادها عن التضخم المادي والمعنوي، أو الغرور الذي ربما يصيب البعض من وراء تحقيق نجاحات متتالية. في اعتقادي أن إطلاق فكرة المواجهة القبلية مع المتشددين نقطة غاية في الأهمية، ويمكن أن تقطع شوطا محوريا في المواجهة التي تخوضها مؤسسات الدولة، وتفتح باب الأمل لزيادة الدور الشعبي، لأن تفاعل القبائل يقتصر علي مناطق الأطراف، في حين أن مشاركة جميع المواطنين وبألوانهم السياسية المختلفة عملية ضرورية، تقصر من عمر المواجهة مع المتطرفين، ولعل توسيع نطاق هذا الدور الغائب يؤدي لمردودات إيجابية، تظهر معالمها خلال مدة قصيرة، بما يوفر الجهد والعرق والعناء الذي تتكبده الأجهزة الأمنية في الصراع مع أشباح المتشددين. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل