جرى العرف أن يتم الاحتفاء بالمبادرات الشعبية خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية لكن يبدو ان المزيد من المضحكات المبكيات التى تحدث عنها ابو الطيب المتنبى فى الزمن البعيد لا تزال تتفاعل لتهدينا الجديد من الكوميديات السوداء فى المحروسة. فعندما بادر بعض عشاق تاريخ وتراث الوطن بالتطوع للحفاظ على ما تبقى من آثارنا وإنقاذ بعض البيوت والزوايا الاثرية غير المسجلة أثريا التى تم اخراجها من قائمة الآثار المسجلة - بسبب الجهل بقيمتها الأثرية أولغرض فى نفس يعقوب-باتوا أشبه بمن يطارد خيط دخان(!!)، بعد أن أوشكت مبادرتهم أن تتحطم على صخرة اللامبالاة والبيروقراطية الحكومية وتفرق المسئولية من وزارتى الاوقاف والآثار والمجلس الأعلى للآثار والمحليات. فقبل أكثر من عشر سنوات تعرضت لمشكلة البيوت والزوايا القديمة فى منطقة الدرب الاحمر غير المسجلة اثريا التى يتم هدمها نظرا لارتفاع قيمة الاراضى فى المنطقة رغم أن عددا من المراجع والأثريين المعاصرين والأهالى يؤكدون أن ما يعتبره البعض مبانى خربة تراث أثرى يرجع تاريخ انشائه الحقيقى للعصر المملوكى والعثمانى وليس القرن التاسع عشر كما يتصور البعض نتيجة لتاريخ التجديد المنقوش على أحجارها . ومن بين ما تناولته آنذاك زاوية عارف باشا الاثرية التى تنتظر اليوم صدور قرار رسمى بهدمها!!. فزاوية عارف باشا التى يؤكد المتخصصون أنها تعود للعصر المملوكى وبها تربة منشأها الأمير مقبل الأشقتمرى والكثير من الاسرار التى لن يكشفها سوى التنقيب الأثرى توشك أن تصبح أثرا بعد عين إذ لم يتم تسجيلها اثريا برغم أن بعض البناء الخارجى الحالى يرجع تاريخه لعهد الخديو إسماعيل (!!)،ونظرا لتبعيتها لأكثر من جهة كغيرها من الزوايا والمساجد الاثرية والمبانى الموقوفة فقد اكتفت وزارة الاوقاف بصلبها خارجيا عقب زلزال التسعينيات مما أسفر عن انهيار سلم المنزل الراكب فوق الجامع من الداخل وظهور شروخ بالمسجد شكلت خطرا على حياة سكان المنطقة،الأمر الذى اتخذه بعض ورثة عارف باشا- مثل كثيرين غيرهم- ذريعة لهدم الأثر للاستفادة بالأرض المقام عليها.. ورغم أن مشكلة زاوية عارف باشا تنكأ جرح ضياع تراثنا العمرانى بسبب تعدد الجهات الموكلة بحمايته وضياع المسئولية بينها وقضية حدود الملكية الفردية والمنفعة العامة والتهاون فى تسجيل الأثر نتيجة للجهل بقيمته أو لتقليل الأعباء المادية التى تترتب على ادراجه فى قائمة التراث الأثري،فإنها تضيف جديدا لقائمة المتنبى يتلخص فى تعطيل المراكب «السايرة»وإجهاض المبادرات الشعبية. فنظرا لأهمية المنطقة التى تتعرض يوميا لانتهاكات كان آخرها هدم زاوية الشيخ مرشد المملوكية الاثرية بمحرابها الرائع وإيوانها الحجرى وما نُقش على سقفها من كتابات- لم يتم تصويرها مع الاسف- وسبيلين ملحقين بها تم تسجيلهما برقمى ( 374 ، 594)، ليحل مكانها مسجد لا علاقة له بطراز سور القاهرة القديم ،فقد طالب عدد من الأثريين وأهل الدرب الأحمر من خلال جمعية التراث والفنون التقليدية المشهرة برقم 9621 لعام 2014 وزارة الاوقاف بالتصريح لهم بترميم الجامع بالجهود الذاتية. وبدورها حولت الاوقاف الطلب لقطاع الآثار بالعباسية الذى لم يبت فى الامر حتى اللحظة انتظارا لانعقاد جلسة المجلس الأعلى للآثار الذى لا يعلم سوى الله متى ستنظر الطلب(!!)، فيما أوشكت محافظة القاهرة على اصدار قرارها بهدم الزاوية!! ورغم أن كثيرا من مشاكل تراثنا العمراني( مياه جوفية تهدد الآثار الفرعونية والقاهرة القديمة ومنطقة الامام الشافعى ومدافن الاسرة العلوية وسرقات لمساجد أثرية وصلت لاثنتى عشرة سرقة فى ثلاث سنوات منها السلطان حسن والصالح طلائع والرفاعى ومنبر مسجد قايتباى الرماح ومسجد ألجاى اليوسفى بشارع سوق السلاح وقجماس الاسحاقى بمصر القديمة ومنبر مسجد الطنبغا المردانى والتعدى على حرمة المقابر أثرية كمقبرة فاروق فى مسجد الرفاعى وحوش الدرمللي)، عادة ما يتم تبريرها بحالة الفوضى التى مرت بها الدولة وغياب الحس التاريخى لمرتكبى هذه السرقات أو لتعذر الوصول لحلول جذرية لمشكلة المياه الجوفية لدواع اقتصادية،إلا أن حالة اللامبالاة التى تعكسها حكاية زاوية عارف وما يماثلها والتى تبدو أقرب للتواطؤ (!!)، إضافة للتقاعس عن السماح لجهة مُشهرة تضم متخصصين مشهودا لهم بترميم الجامع وإعادته لشكله التاريخى وفتحه للصلاة ،أظنها ترجمة عملية لمقولة «لا بيرحم ولا ..»ونموذجا لجديد من مضحكات مبكيات المحروسة .. لمزيد من مقالات سناء صليحة