فى واقعة بدت جديدة ومفاجئة وصادمة تمكن بعض الموقوفين الإسلاميين فى سجن روميه ببيروت من سرقة مفاتيح السجن من أحد الحراس ، واحتجاز11عسكرياً وضابطين طبيبين، وفتحوا كل أبواب السجن على بعضها البعض وحرقواالفرش والأغطية وذلك ردا على التأخير فى حل مشكلة الإفراج عن الموقوفين الإسلاميين مقابل الإفراج عن الجنود الأسرى لدى داعش والنصرة الذين أسروا خلال معركة عرسال بين الجيش اللبنانى والتنظيمين الإرهابيين مطلع أغسطس الماضي. والموقوفون الإسلاميون فى سجن رومية أشهر السجون اللبنانية معروفون للجميع بإجرامهم ماقبل التوقيف ،فمن بينهم الموقوفون بعد معركة نهر البارد بين الجيش اللبنانى وتنظيم فتح الإسلام الفلسطينى الذى إعتدى على الجيش فى 2010 وأوقع العديد من القتلى، وبعد معركة حامية بين الجيش والمتشددين الإسلاميين انتصر الجيش وأوقف المتهمين عن الواقعة وأودعهم المبنى «ب» بسجن رومية، ولكن الموقوفين استطاعوا بطريقة الإختراق والرشوة من توفير كل شئ لأنفسهم داخل السجن، من الهواتف المحمولة إلى المخدرات والوجبات الساخنة، وبعد حدوث معركة عرسال مطلع أغسطس الماضى بين الجيش وتنظيمى داعش والنصرة وأسر 23عسكريا لبنانيا، وذبح ثلاثة منهم للضغط على الحكومة اللبنانية لتقبل بمبدأ المقايضة بين العسكريين المخطوفين والموقوفين المتشددين الإسلاميين بسجن رومية، ومع الإضرابات التى شهدها السجن وقتها، قررت وزارة الداخلية اللبنانية بقيادة الوزير نهاد المشنوق نقل الموقوفين من المبنى «ب» إلى المبني «د» ليكونوا تحت السيطرة والرقابة الفعلية والقوية من طرف الحراس المسلحين، وفرض إجراءات مشددة بحقهم، وذلك منذ 4أشهر، ومنذ ذلك الحين، كانوا يعدّون العدة لاستعادة قوتهم وإمتيازاتهم. وبعد صلاة الجمعة الماضية، بدأ الإسلاميون الموقوفون بإثارة الشغب والسيطرة على المبنى «د» المكون من ثلاث طبقات انطلاقاً من الطابقين الأول والثانى اللذين يشغلونهما، حيث قاموا بتحطيم محتوياتهما واحتجاز الحراس، وسيطروا على مداخل المبنى ووصلوا حتى بواباته الرئيسية الأربع التى يفصل بينها وبين باحة السجن الخارجية باب واحد، وحطموا المراحيض وكاميرات المراقبة ومحتويات الزنازين وخلعوا أبوابها، واحتجزوا 11 عسكرياً من الحراس وضابطين من العسكريين، حيث اقتادوهم إلى النوافذ المطلة على الباحة بعدما نزعوا عنهم ملابسهم العسكرية وقام عدد من السجناء بارتدائها ثم وضعوا سكاكين صنعوها داخل السجن على رقابهم مهددين بذبحهم. ولكن لماذا فعل الموقوفون فعلتهم يوم الجمعة؟ يرجع ذلك إلى البرنامج المتعدد الذى تنفذه إدارة السجن يوم الجمعة ،حيث يوزع الحراس فى أكثر من اتجاه، وممنوع زيارة الأهل يوم الجمعة، وممنوع تجمع عدد كبير من الموقوفين معا، ومسموح فقط بالنزهة لثمانين سجيناً فى باحة السجن، بالإضافة للإستحمام والحلاقة،ولم يكن الموقوفون يحتاجون إلى تخطيط لينفذوا جريمتهم لأن الدولة نقلتهم من مبنى إلى آخر كما هم ،لم تفرق بينهم ولم تغير خطتها فى تسكينهم ،وبالتالى لم يتغير سوى الحوائط بالنسبة لهم. وحاولت الحكومة من خلال ممثليها بالداخلية التفاوض مع السجناء لإطلاق العسكريين، ولكنها فشلت ،بينما كان السجناء يصرخون من النوافذ، محذرين القوى الأمنية من الاقتراب من المبنى واقتحامه، وبعدما حلّ الظلام، استخدمت القوى الأمنية كاشفات الضوء وسلطتها على المبنى، فى وقت كانت فيه قوة مكافحة الشغب تطوقه وتتجمع فى باحة النزهة،وعندما وجد السجناء أنفسهم محاصرين بالقوة خافوا من تكرار ما حصل قبل اربعة أشهر فى المبنى «ب»، فأضرموا النيران فى الطبقتين الثانية والأرضية بالمبنى «د». وبالرغم من أن الداخلية اللبنانية كانت تعلم بأن بعض السجناء قالوا للحراس منذ شهر بأن الإسلاميين يخططون لانتفاضة احتجاجاً على الإجراءات الخانقة التى لا تزال تطبق على 1100 سجين محتجز فى الطوابق الثلاثة فى المبنى الجديد، منهم 500 من الإسلاميين وتنتظيم فتح الإسلام والمتهمين بقضايا إرهاب،بالإضافة إلى السجناء الآخرين الذين ينتمون إلى بيئات حاضنة طائفياً وسياسيا،إلا أن الداخلية لم تحتط لما يمكن ان يفعله الموقوفون الإسلاميون الذين عبروا عن رغبتهم ونيتهم فى التمرد. ومما زاد من توتر الإسلاميين أن زيارات الأهل المسموح بها مرة واحدة إسبوعيا، وإستخدام الهاتف لمدة خمس دقائق أسبوعيا مرة واحدة ،مسموح بها للمحكومين والموقوفين العاديين اللبنانيين، كما أنه لا يزال ممنوعاً على الأهل إدخال الطعام لأبنائهم،وهذه الإجراءات دفعت بحوالى 800 سجين، من الإسلاميين وغيرهم، الى تنفيذ إضراب عن الطعام بدءاً من أواخر فبراير الماضى انتهى على نحو تدريجى ،وهدد الاسلاميون بتنفيذ تمردهم خلال أسبوعين وهذا ماحدث بالفعل. وكان سجن روميه خاصة المبنى «ب»الذى يعرف بفندق «الخمس نجوم» حيث كان يعيش فيه الموقوفون برفاهية من أكل وشرب، أسلحة، وهواتف وحتى انترنت، قد تحوّل الى سجن فعلي، بعد عمليّة اقتحام المبنى «ب» الخاص بالسجناء «الإسلاميين» فى سجن رومية فى يناير الماضى ، حيث قامت القوة الضاربة بمشاركة طائرات الهلكوبتر التابعة للجيش اللبناني، والتى ازاحت الستار عن نفق محصن بواسطة ألواح من الاسفنج عازلة للصوت ويبلغ ارتفاع النفق متر ونصف وعمقه حوالى الأربعة أمتار، وعثر بنتيجتها على معدات وآلات كان قد استعملها الاسلامييون فى عمليةالحفر. واستطاعت الداخلية بعد مفاوضات مضنية مع زعيم الموقوفين داخل السجن من تحرير العسكريين الأسرى لدى المساجين ،وبالرغم من ذلك تعد هذه الحادثة بحد ذاتها ضربة موجعة للدولة التى تباهت بعملية الاقتحام قبل عدة اشهر. وإذا كانت الدولة غير قادرة على الإفراج عن العسكريين المخطوفين لدى داعش والنصرة منذ أغسطس الماضى ،فإن مقتل الإرهابى أسامة منصور أحد قادة التمرد المسلح فى طرابلس قد أشعل التوتر بين المسجونين الإسلاميين فى سجن روميه وبين الدولة التى ترفض مبدأ مقايضة العسكريين المخطوفين بالموقوفين الإسلاميين داخل روميه،ومافعله الموقوفون من تمرد داخل السجن وسرقة مفاتيح الزنازين وحرق المبنى ماهو إلا ضغطا على الحكومة للتسريع بحل مشكلة المخطوفين من جنودها لدى داعش والنصرة مقابل الإفراج عن الموقوفين داخل روميه،فهل ينجح المساجين فى إطلاق سراح انفسهم وفرض شروطهم للتسوية وهم خلف الجدران ومتهمون بجرائم إرهابية وقتال الجيش اللبناني،أم أن ماحدث لن يكون إلا زوبعة فى فنجان قضت عليها الداخلية اللبنانية، وعقدت أكثر مفاضات إطلاق العسكريين المخطوفين لدى داعش والنصرة؟