تحت هذا الأسم الحركى المواطن رقم 4 أطلق إدوارد سنودن صفارة الإنذار للعالم كله بأن أمريكا وبالتحديد وكالة الأمن القومي للولايات المتحدةالأمريكية قد إجتاحت كل الحريات الشخصية فى جميع أنحاء العالم وأصبح كل إنسان مستباحا فى حريته الخاصة وفى مقابلاته واتصالاته وربما فى تفكيره. وترك إدوارد سنودن عمله فى وكالة الأمن القومى وترك شريكة حياته « ليندسى ميلز « فى منتصف الليل دون أن يخبرها وذهب بعيدا إلى الصين إلى هونج كونج ..وهناك جلس فى غرفته بفندق ميرا ليقوم باتصالاته.كان إدوارد سنودن يتخذ كل الأحتياطات عندما يكتب كلمة السر: فيغطى رأسه وجهاز الكمبيوتر بغطاء أسود مثلما يفعل المصوراتى القديم بجهاز الفوتوغرافيا. وهذا ما جعله يذهب إلى هونج كونج ويجلس فى حجرته بالفندق ليتصل بالصحفى الشهير «جلن جرين وولد» وقدم نفسه للصحفى تحت اسمه الحركى « المواطن رقم 4 « الذى وصل وبصحبته الفنانة المخرجة الشجاعة والعبقرية « لورا بواترس « . أطلع سنودن كل منهما على الأسرار التى حصل عليها من عمله فى وكالة الأمن القومى بالولاياتالمتحدة. واستطاعت لورا بواترس أن تقنع إدوارد سنودن أن يظهر فى فيلمها الوثائقى لكى ينذر كل إنسان فى العالم بما قد يحدث له... وبهذا أخرجت هذا الفيلم الذى هز العالم وحصل أخيرا على الأوسكار لأحسن فيلم وثائقى لعام 2015.ولورا بواترس هى المخرجة التى قدمت من قبل فى عامى 2006 و 2008 فيلمين وثائقيين، أحدهما عن جوانتنامو تحت عنوان « القسم» والثانى عن العراق تحت الأحتلال الأمريكى وبعنوان « وطنى ياوطنى» وقد شجبت فى حكيها الوحشية الأمريكية والأنتهاك الذى مارسته الولاياتالمتحدةالأمريكية فى كل من « أبو غريب « و» جوانتنامو «. ومنذ مقابلة إدوارد سنودن أصبحت لورا بواترس خائفة أكثر من أى وقت مضى وذلك لأن تعرض مصدر المعلومات أو المواطن رقم 4 للخطر. كانت تتحمل وحدها مسئولية جسيمة لتحمى هذا الرجل الذى يقف متحديا وكالة الأمن القومي الأمريكى، فهى تعلم أنه منذ أن أخرجت فيلميها عامى 2006 و 2008 «القسم « و» وطنى ياوطنى «...تم وضعها تحت المراقبة الدائمة، فكلما دخلت الولاياتالمتحدة، صعد رجال الأمن إلى الطائرة وطلبوا من جميع الركاب أن يخرجوا جوازات سفرهم، واقتادوها إلى حجرة خاصة ويتم تفتيشها، ثم استجوابها...ثم يستولون على كل أوراقها... وكل أجهزتها: من كومبيوتر أو كاميرا أو حتى كروت الصرف. كانت لورا بواترس تعرف هذا ولكنها أصبحت من الآن فصاعدا مسئوليتها مضاعفة لأنها وحدها تعرف مكان المواطن رقم 4 وتخشى أن تتسبب فى القضاء عليه. وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم داخل حجرة فندق ميرا بهونج كونج، إنفض السامروذهب كل فرد إلى سبيله ...فذهبت لورا بواترس إلى برلين لإعداد الفيلم حيث هناك احترام كامل للحرية الشخصية بسبب حساسية برلين لما كانت عليه عند خط المواجهة ما بين المعسكرين ولتاريخ النازى فى ألمانيا. أما إدوارد سنودن فلم يكن أمامه غير اللجوء السياسى، ولم يقبله أحد سوى روسيا الأتحادية حيث لحقت به شريكة حياته لندسى ميلز... وقام جلن جرين وولد بنشر كتابه الهام « لا مكان للأختباء «. وقد قامت الصحفية اللامعة كارول كادولادر بالسفر إلى برلين لعمل مقابلة مع لورا بواترس مخرجة فيلم إدوارد سنودن «المواطن رقم 4» وتحدثت عن فيلمها الوثائقى.... وقالت لها لورا بواترس «المشكلة ليست فقط فى كونك مراقبا أم لا.... المشكلة أنك لا تعرف إذا كنت مراقبا أم لا ....عدم المعرفة هى المشكلة.... لأنك تصبح عندئذ مرتبكا ...مذعورا وأضافت لورا: « إننى إذا أردت أن أتحدث بحرية مع صديق فإننى أذهب إلى خارج المنزل!».... وأضافت «نحن جميعا تحت المجهر.» ،والنصيحة التي تقدمها لورا بواترس للناشطين والمكافحين أن يديروا الراديو أو يفتحوا صنبور المياه عندما يتحدثون معا. وقد كتب بيتر برادشو الناقد الفنى لجريدة الجارديان البريطانية وألمع ناقد سينمائى يقول: هنا يظهر هذا الرجل الشجاع إدوارد سنودن لأول مرة شارحا ما تقوم به الحكومات من إنتهاك لحريتنا الشخصية ... وفى الحقبقة فإن حريتنا الخاصة قد انتهت تماما.... لم تنقص فقط.... لم تتراجع.... وإنما محيت تماما ! إن الولاياتالمتحدةوبريطانيا تقومان بالتلصص على كل مانكتبه...كل ما نتحدث فيه... كل رسالة تصلنا عبر الإنترنت... كل ضربة حرف على الكمبيوتر! لقد قاموا ببناء أضخم سلاح للقهر عرفه تاريخ البشرية. إن المواطن رقم 4 يكشف بوضوح أن حكامنا أصبحوا مدمنين للسيطرة على كل حرياتنا الشخصية... وعلى مصيرنا... وذلك إذا نحن لم نتحرك ولم نقاوم. أما كتاب «لا مكان للاختباء » الذى كتبه جلن جرين وولد فهو يتكون من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول عن كيفية إتصال إدوارد سنودن به وسفرجلن جرين وولد ومعه المخرجة الفذة لورا بواترس إلى هونج كونج والجزء الثانى فهو عن مقابلتهم لإدوارد سنودن، وقد أثنى جلن جرين وولد على شجاعة إدوارد سنودن الفائقة ووضوح الرؤية الكامل فى كشف الحقائق ووصف التفاصيل لما تحتويه النشاطات التى تقوم بها وكالة الأمن الأمريكية فى التلصص على حياة الناس مع أجهزة الأمن البريطانية. أما الجزء الثالث فهو يحكى تعليقات جرين وولد وآراءه على الإعلام الأمريكى والبريطانى سواء فى الصحافة المنشورة أو فى الإذاعات والتلفزيونات على جانبى الأطلنطى. وذلك باستثناء جريدة الجارديان البريطانية التي احتضنت كل ما كشف عنه إدوارد سنودن. وعندما ظهر جلن جرين وولد على القناة الأولى « بى بى سى » للإذاعة البريطانية، ذهبت مقدمة برنامج « أخبار الليله « وهى كرست وورك إلى الحجرة الخضراء حيث يجلس ضمن المجموعة رئيسة المخابرات البريطانية السابقة « بولين نيفا جونز » التى علقت على الصحفى ووصفته بانه مجرد مرافق وناشط لإدوارد سنودن. ولكنه استطاع أن يضع كل من كرست وورك، و بولين نيفل جونز على صفيح ساخن بقدرة المحامي البارع وأظهرهم على انهم تافيهين وجهلاء. عندئذ تدرك أن سنودن قد نجح فى اختيار الرجل المناسب للمهمة الكبيرة والخطيرة. ويعلق « هنرى بورتر « الكاتب المعروف بكتاباته فى الدفاع عن الحريات الشخصية بأن كتاب جلن جرين وولد « لا يوجد مكان للأختباء « هو كتاب مهم ورائع وفى نفس الوقت من أهم كتب الدفاع عن الحريات كما استمر فى القول « وحيث أننى ولمدة ربع قرن أكتب عن الدفاع عن الحريات الشخصية وبالذات ضد المراقبة التى تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية... إلا أن ما ذكره جلن جرين وولد لم أتصوره طول حياتى ! وذلك لأن هذه الوكالة تقوم بمراقبة كل أفعال المواطنين العاديين فى العالم...تليفوناتهم، تاريخهم الصحى، أصدقائهم، علاقاتهم، ونشاطاتهم، وكل ما يفعلونه على خطوط الإنترنت. ورغم أننى قمت بكتابة رواية فى عام 2009 إسمها « الحقيقة العميقة « صورت فيها هذا التدخل فى حياة الناس، ألا أننى لم أعبر عن نصف ما جاء فى كتاب جلن جرين وولد « لامكان للاختباء». وأبلغ نموذج لوقاحة جهاز الأمن القومي الأمريكى قيامه بالتجسس على مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركيل وذلك برصد تليفونها، وعند إكتشاف هذه الرقابة السخيفة، إستشاطت المستشارة ميريكل غضبا، وحدثت أزمة دبلوماسية بين ألمانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية، وأضطر الرئيس أوباما أن يعتذر لها وأصدر تعليمات صارمة بوقف هذا التجسس الوقح. ومع كل هذه الضجة الإعلامية في أوروبا، انتظر المثقفون عرض هذا الفيلم الذى تم عرضه في بريطانيا على القناة الرابعة منذ أسابيع. أما فى أنحاء العالم فلا يزال الكثيرون ينتظرون طباعته بشغف كبير وذلك ليس لأن فيلم المواطن رقم 4 حائز على الأوسكار فقط، ولكن لأنه أهم وأخطر فيلم وثائقى ظهر في تاريخ السينما دفاعا عن الحرية.