قرأت مقالاته قبل أن أقرأ شعره. وسمعت عنه عبر الصديق الراحل الشاعر أحمد راشد ثانى والشاعر محمد المزروعى فقد كانا يكنان له محبة خاصة. وهذا حالى مع عدد من الأسماء الأدبية فى الإمارات التى ظهرت, وكتبت, طوال سنين غيابى الطويل عنها. سعد جمعة صدر له عدد من الكتب الشعرية: الراقص, ودون امرأة ولا قفص, سراط نقى قربك, وأخيرا إلى البيت. صدرت كلها فى الألفية الجديدة منذ عام 2000 وحتى عام 2013.أذهب معه «إلى البيت», ورهافة رحلته الوجدانية الشعرية تلك. قصائد حب, وفقد, وشوق, وضياع ,هامسة فى أغلبها بلغة نقية وصافية. «أعين البشرية نائمة لحظة شروقكووحدها عينا العاشقرأتك».يكتب سعد جمعة بقلب عاشق يتتبع أثر معشوقته, بارتباك, ووحدة, ورومانسية, وإصغاء, وحسرة أحيانا. يبدو الحب فى كلماته علاجا وجوديا لجسده وروحه وحضوره.. يقول: «معك تحسن النبضزالت تأوهات القلبأنى أجرىوسأعود جميلا إليك».يكتب عن البحر والشعر والأصدقاء ووهم الحياة. تتلبسه روح الزن اليابانية وصفائها فى الكتابة. يكتب بوحدة بينة ورومانتيكية منكسرة.. يقول: «أكتب قصيدتك وامض إنهم زبد البحر يتكسر ولا يلم». يكتب عن القصيدة, وبحثه عنها. «إنى أرتدى قميص التبت ولا أريد أن أخرج إلى الشارع العام». «كل هذه السنين وبوذا يسكن قلبك». هناك سعى روحى للصفاء والإنجلاء. دخل عدد من شعراء وكتاب الإمارات فيه مثل عادل خزام وخالد الراشد, وكان التأمل والروحانية الشرقية البعيدة هاديا فيه, ولعل سعد جمعة ينضم إليهم فى ذلك ويعبر عنه بطريقته فى كتابة الشعر.كما كان جليا فى الرسوم المصاحبة للكتاب للفنانة كلود حبيب بعنوان مكاشفة بصرية لديوان إلى البيت, والتى تشبه رسوم الحبر الصينية على ورق شفاف يكون الشجر والطبيعة أمثولته الفنية. لا يكتب سعد جمعة شعرا مدهشا, ولا قويا, ولا بليغا, لكنه يكتب قصيدة يستعير من أجلها روح متأمل بوذى لعواطفه المتأججة وبلغة بسيطة وسلسة لا تفتقر إلى الجمالية, لكنها لا تترك أثرا كبيرا فى الروح. إنها قصائد عزلة وتربيت على روح الشاعر.. يقول: «فى هذه الليلة غبت عن وجود ليس لى». «هو ما زال فى قلبه حلم لن يتحقق». «لقد مت فى التأمل.». «وحدك تعرف أنك مبتهج يسحرك ظلك وظل القلم وأصابعك تتمايل مع لحن يعزفه الفراغ». سعد جمعة هو موضوع شعره. يراقب مراقبته للعالم واحتياجه للحب, ووقع اللحظات والأيام, والخواء والأشواق. بلغة بسيطة وواضحة يسرد ذاته. يدخل فى عالم التأمل دون كشوفات ولا مقامات رؤية ولا إدعاء للصوفية. بل ربما بحكمة رجل جلس تحت شجرة فى آسيا ونظر إلى عينيه تراقبان الطريق. وهذه ذاتية مغايرة ربما لذاتية أخرى سادت فى مرحلة التسعينيات, ذاتية كانت تسعى لكشف التفاصيل, والقبح والمعاناة والهموم الوجودية لعدد من الشعراء. ذاتية سعد جمعة هى ذاتية فى الظلال, فى الهمس,فى الروح التى تستجلى وقع خطواتها فى الكلمات.