يقدم المسرح الحديث على مسرح بيرم التونسى بالإسكندرية مسرحية «باب الفتوح» للكاتب المسرحى محمود دياب. ومحمود دياب (1932 1983) اسم كبير فى المسرح المصرى المعاصر، لفت الأنظار إليه بمسرحية «الزوبعة» التى ظلت تعرض على المسرح الحديث سنة 1967 شهورا طويلة. ومع هذا فلم ينل محمود دياب ما يستحقه من اهتمام الحركة النقدية بأعماله التى قدمت فى القاهرة والأقاليم والأقطار العربية، ولاقت إعجاب المتفرجين من كل الطبقات. و«باب الفتوح» واحدة من هذه الأعمال التى عرضت على المسرح القومى فى 1971، بعد خمس سنوات من منع الرقابة، يعبر فيها محمود دياب عن أفكاره الإنسانية المناهضة لكل ما هو دارج ومبتذل. ولأن التاريخ الذى تعرض له المسرحية، ككل التواريخ العربية، مليء بالمغالطات والأكاذيب، تنسب فيه البطولات للقادة والحكام، لا للجنود البسطاء المجهولين الذين يخوضون المعارك دفاعا عن أهلهم ووطنهم، فإن المسرحية تقدم مجموعة من الشباب عددهم سبعة،. يتصدون للزحف الأوروبى الصليبي، وهم لا يحملون إلى الجماهير العريضة غير كتاب «باب الفتوح» أى لا يحملون إلا الفكر المعبر عن حب الحياة والثورة وأحلامها، التى تتمثل فى إزالة أسباب الخوف والظلم، ورد الحقوق والاعتبار والكرامة إلى أصحابها الحقيقيين، وعدم رفع السلاح على من لا يحمله. ولكيلا يتعرض هذا الكتاب للمحو أو للحرق، تحفظه صدور الشباب عن ظهر قلب، حتى لا تصل إليه الأيدى المعادية. وخطر هذا التشكيل الجديد للمباديء والحقائق أنه يعرى الحكام والقادة، ويهدد مكانتهم، ولا يعوق أحلام التحرير من الفقر والقهر. المؤلف لا يطرح فى مسرحه قضاياه فى أبعادها الواقعية المباشرة، أو الدرامية المتصاعدة، وإنما يطرحها فى أبعادها التجريدية ومساحاتها المحايدة، دون انفصال لحظة واحدة عن الحاضر الذى ارتبط به جيل كتاب هذه المرحلة، وفى إطار هذه الأبعاد التاريخية من القرن الثالث عشر، نطالع بوعى اجتماعى حاد العلاقات الظالمة، كما نطالع سقوط المدن فى الأندلس وتونس، ونقده اللاذع للفروق بين الريف والحضر، والفروق فى سلوك الأفراد. وبذلك تخرج القضايا من نطاقها المحلى الضيق، غير فاقدة خصائصها الذاتية، إلى النطاق الكلى العام الذى يخص الكثير من الأقطار الأخري، وتتحرك مشاهد المسرحية على صفحات التاريخ. وعلى الرغم من ثقافة محمود دياب العريضة التى تضرب فى التراث المسرحى العالمي، من شكسبير إلى بريخت، فقد كان فى إنتاجه المسرحى شخصية مستقلة، كما أن للمجتمع المصرى ببيئاته وعصوره شخصيته المستقلة التى نجدها فى حلقات السمر فى الريف، وفى حلقات التشخيص فى ليالى الحصاد، التى تفيض بالسخرية والمرح. أما وظيفة الفن أو رسالته، فواحدة فى كل الدنيا، لا تختلف من مكان إلى آخر. وإذا كان من الممكن تلخيص مضمون مسرحيات محمود دياب المحكمة البناء فى كلمات، فإنها تعيد تشكيل العالم ليس بفضح آثامه وخلل معتقداته، وإنما بمقاومة ما ينطوى عليه من أكاذيب، وقعت فى القرن الخامس عشر على أيدى الصليبيين فى فلسطين وبلاد الشام، ليقينه بأنه بغير هذه المقاومة لا جدوى من إصلاح الخلل أو الإجهاز على الآثام، ولن يكون هناك تغيير أو إمكانية للتغيير، سواء فى الداخل أو الخارج، ويعنى بها الرجعية والاستعمار. إنه يعيد تشكيل ما يرفضه فى الواقع والتاريخ والأساطير على النحو الذى تتحقق به صورة الدولة الفاضلة الطموحة، التى تدرك أن آنيتها القديمة ليست الآنية المثلى للنظم المعاصرة التى يخضع فيها الحكم لإرادة الشعب.