مصر ولادة دائما، هكذا عهدناها ، بل هي مفرخة لنجوم صنعوا تاريخها وشاركوا في تقدم العالم كله في مجالات متعددة وحفروا أسماءهم بحروف من نور لتتصدر قوائم عالمية حتي حصل بعضهم علي أرفع الجوائز العالمية. لكن الآن يبدو أن الوضع اختلف فقد قل ظهور النجوم، ولكن لم يقل وجودهم، فمن منا لا يعرف شخصا متميزا في مجال ما في حدود منطقته أو الاقليم الذي نشأ فيه ولكنه لم يجد الفرصة الحقيقية لتصل ابداعاته الي النور ، وتلك الابداعات طريقها الوحيد هو وسائل الاعلام التي تناست دورها الاساسي في اكتشاف النجوم واتخذت الطريق الاسهل بالتواصل فقط مع النجوم الموجودة فعلا في المجالات المتعددة. بداية تقول الدكتورة هويدا مصطفي، استاذة الاذاعة والتليفزيون بكلية الاعلام جامعة القاهرة. عميد المعهد الدولي للاعلام، ان هناك دورا غاية في الاهمية والخطورة يقع علي عاتق الاعلام يتمثل في القاء الضوء علي المواهب والنماذج المبدعة والكفاءات في كل المجالات وهو دور رئيسي بل وتعد مسئوليته الاولي، ولكن ما يحدث الآن ان الاعلام لا يركز الا علي نماذج محددة لها شهرتها فعلا في المجالات المتعددة سواء كانت الثقافية او العلمية، وخاصة ان فكرة النجم مرتبطة بالفن، ولكن لابد ان نعلم جميعا ان فكرة النجومية موجودة في كل المجالات والاعلام لا يعمل علي تلك النماذج المتعددة مثلهم في ذلك مثل اختيار قيادات الوظائف العامة فيتهمون من فيها دائما انهم يفتقرون الي الكفاءات، فعملية الاختيار وصناعة النجم في السياسة أو الفن او غيرها من المجالات تتجاهلها وسائل الاعلام رغم ان هذا هو الدور الاهم لأجهزة الاعلام وخاصة أن صناعة النجم تحتاج الي تكاتف ودفعة حقيقية ليصل ابداعاته الي النور من خلال تسليط الاضواء عليه ولكن اعلامنا مقصر، لأن هناك فكرة الاستسهال باستضافة النجوم فعلا دون البحث عن نجوم جديدة وحقيقية ايضا. وتضيف الدكتورة هويدا انه حتي في البرامج الحوارية يتم اختيار ذات الضيوف وفقا لنجوميتهم وشهرتهم السياسية مثلا تجد ان النتيجة هي تشابه في المعالجات لعدم وجود رغبة في البحث عن الجديد وبذل مجهود اكبر في البحث في الاعلام وقنواته مما لا يتيح الفرصة للابتكارات والتجارب الجديدة فهناك شباب صنعوا ثورة في شكل النجم، وهناك نجوم فعلا لم تعد تنطبق عليهم المواصفات التقليدية للنجم لذلك لابد من ان يوسع الاعلام من اختياراته ليلتقط النماذج المنتجة والمبدعة. وتشير الي مواهب الاقاليم المنسية التي يتجاهلها الاعلام بكل وسائله، حيث ان لدينا مركزية شديدة في الاعلام حيث يكون التركيز علي العاصمة بما فيها ومن فيها ولا اهتمام بالاقاليم ومواهبها رغم ان عظماء النجوم خرجوا من احضان الاقاليم ومع ذلك لا يوجد اهتمام بها فهي مليئة بالمواهب ولم يسلط عليها الاضواء، لذلك يصبح طريقها صعبا ويؤدي الي تراجع معظمهم عن استكمال المشوار ودفن موهبته. دفن المواهب وتري الدكتورة هويدا ان الحل من وجهة نظرها ان اكتشاف النجوم والمواهب الحقيقية لابد ان يأخذ اتجاها اكبر من وسائل الاعلام فلابد من تغيير الافكار السائدة ولابد ان يشعر الجميع بمسئوليتهم اتجاه ابراز النجوم، اضافة الي تحديد طرق الانتشار والتوزيع للبحث عن هذه المواهب ولابد ان يبدأ اعلام الدولة بنفسه، لان المؤسسات الاعلامية التابعة للدولة لابد ان تقدم هذا للمواهب بشكل خدمي ليكون هذا هو الدور الرئيسي لاعلامنا القومي بابراز هذه النماذج وتقديمها للاجيال القادمة وكذلك توضيح النماذج الناجحة بطريقة لا تصيب المواهب بالاحباط حتي لا يؤدي هذا الاحباط الي دفن الموهبة التي لا تنمي بعد ذلك.. كما يجب علي المؤسسات التربوية والتعليمية العمل علي ابراز الموهبة من خلال الاهتمام بالنشاط الثقافي والتعليمي و القاء الضوء عليها. وتوضح الدكتورة هويدا ان السياسة قد تكون اخذت من اهتمامنا كثيرا بحكم الظروف والاحداث التي مر بها الوطن ولكن هذا لا ينفي عن الاعلام مركزيته المطلقة فلايوجد اهتمام بالشباب او حتي محاولات لتبني مواهبهم وهذا التجاهل للمواهب ليس وليد اللحظة او نتيجة للاحداث ولكنه فكر علي الاعلام فحتي برامج اكتشاف المواهب توضع علي القنوات في اوقات غير جاذبة لذلك نحتاج لاعادة النظر والشعور بالمسئولية والاهتمام بكل جوانب اظهار مواهبنا الموجودة فعلا. نجوم العاصمة ويشير الدكتور رامي عطا، استاذ الصحافة ورئيس قسم الانتاج الاخباري بالمعهد الدولي للاعلام، الي ان الاعلام يهتم بشكل اساسي بالتركيز علي النجوم المعروفة في العاصمة ولا يساهم في اكتشاف المواهب من الاقاليم وقد يصنع الاعلام نجوما من لا شيء وخاصة في المجال الابرز وهو مجال الفن فقد لا يساعد في خروج نجوم حقيقيين تحمل موهبة جادة فمثلا يفتقر الاعلام بشدة الي التنسيق مع قصور الثقافة التي تعد المكان الاول لتنمية واكتشاف المواهب بل وتعد مصانع انتاج الموهوبين بالاقاليم وخاصة ان وسائل الاعلام الاقليمية لديها اوجه قصور متعددة سواء قصورا ماديا بقلة الامكانات او قصورا بشريا، لان معظم العاملين بها قدراتهم البشرية محدودة . ويضيف دكتور رامي انه رغم كل ما سبق لا يمكننا ان نقول ان اعلامنا المصري مدان في المطلق ولكن ذلك بمثابة همسة عاتبة لان مصر ولادة والمواهب موجودة باستمرار فمثلا تجد الصعيد زاخرا بهذه المواهب ولكن أبتعاد الاعلام عنهم واهتمامه بالعاصمة فقط جعل تلك المواهب مغمورة والضوء غير مسلط عليها اضافة الي ان الاعلام لا يوزع اهتماماته علي كل المجالات مما يؤدي الي نوع من انواع غياب العدالة الاعلامية رغم العلم بان هناك موضوعات تفرض نفسها علي الساحة ولكن علينا الا نغفل باقي الموضوعات المهمة وخاصة ان الجمهور اليوم اصبح لديه الوعي الكافي ليدقق ويختار ويعبر عن نفسه بطريقة او باخري من خلال المدونات وغيرها علي مواقع التواصل الاجتماعي. واوضح الدكتور رامي ان الموهوب هو الاخر قد يكون مقصرا، حيث يتواري عن الاعلام، لان كثيرا من الموهوبين الحق لا يسعون خلف الاعلام ولكن يرون ان حقهم ان يسعي اليهم الاعلام.