كثر الحديث عن الأزمة اليمينية وتحديدا مع بدء عاصفة الحزم التى انطلقت فى الخامس والعشرين من مارس الماضى (2015)، بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة تسع دول عربية شملت مصر والامارات والكويت والبحرين وقطر والمغرب والأردن والسودان، ودولة باكستان. وقد حظيت هذه العملية بتأييد واسع النطاق دوليا وإقليميا وصل إلى تقديم بعض الأطراف المؤيدة دعما لوجستيا واستخباراتيا لها.ومن دون الغوص فى تفاصيل العملية العسكرية وقدراتها وتطوراتها وتحليل مواقف الأطراف المختلفة حيالها، تظل ثمة ملاحظات جوهرية واجب الأخذ بها عند قراءة هذه العملية بعيدا عن الصخب الإعلامى العربى سواء المؤيد أو المعارض والذى كشف فى جزء كبير منه ضعف المعرفة العربية بالأوضاع اليمينية وتشابكاتها وتعقيدات المشهد السياسى بها. وفى محاولة لاستقراء هذا الوضع، تبرز هذه الملاحظات الأربع والتى تجيب فى مضمونها عن تساؤلات تبحث عن إجابات فى هذه الازمة: الاولى، لم يكن اللجوء إلى عاصفة الحزم مفاجئا للجميع، بل عكست الممارسات التى قامت بها جماعة الحوثى بدءا من خروجها عن التوافق الوطنى ونكوصها عن الاتفاقات المبرمة ومماطلتها فى الجلوس إلى طاولة الحوار، مرورا باحتلالها للعاصمة اليمينية «صنعاء» ومحاولتها المستمرة فى التمدد إلى بقية المدن اليمينية، وصولا الى توجيه ضربات عسكرية إلى عدن مقر الرئيس الشرعى بعد هروبه من الحصار الذى فرض عليه - واقع سياسى لم يعد من الممكن تحمله فى ظل حالة التداخل والتناحر والصراع الذى تشهده البلاد بين جماعة الحوثى التى تريد أن تفرض نفسها على الأرض بقوة السلاح، ويتواطأ معها الرئيس اليمنى السابق «على عبد الله صالح» الذى يحاول أن يعود إلى المشهد السياسى ولو على حساب وحدة البلاد واستقرارها، فى مواجهة ميليشيات القاعدة وتنظيماتها الإرهابية، فضلاً عن جماعات النظام الحاكم وتحالفاته، إضافة إلى التدخلات الخارجية إقليميا ودوليا، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه على حساب الآخرين. ولذا، جاء الموقف السعودى المؤيد عربيا ودوليا لإنقاذ اليمن من واقع مأسوى. الثانية، كشفت الأزمة عن واقع سياسى حاولت بعض الأطراف وتحديدا ايران أن تصدره للرأى العام العالمى بأن التطرف والإرهاب فى المنطقة تقوم به جماعات وتنظيمات تنتمى الى الإسلام السنى دون الشيعى وهى مغالطة يرفضها الواقع. فصحيح أن هناك تنظيمات مثل القاعدة وداعش وغيرهما تنتمى الى المذهب السنى وتنتهج الإرهاب والعنف والتطرف ليس فقط ضد المخالفين فى العقيدة والمذهب وإنما توجه أدواتها الإرهابية الى المنتمين الى المذهب ذاته، ولعل ما يجرى فى العراقسوريا ضد المواطنين المنتمين الى المذهب السنى يؤكد على ذلك، إلا أنه من الصحيح كذلك أن المنطقة أيضا تعج بتنظيمات إرهابية تنتمى الى المذهب الشيعي، حيث تنتشر الميليشيات الشيعية فى بعض الدول العربية التى توجد بها جماعات شيعية وتمارس الإرهاب بحق الجميع كما هو الحال فى لبنان ممثلة فى حزب الله، وكذلك فى العراقوسوريا والبحرين والسعودية. الثالثة، رغم ما قد يثار بشأن البحث عن شرعية عملية عاصفة الحزم ومدى قانونيتها فى اطار قواعد القانون الدولى، حيث يرى البعض أنها مثلت حالة من حالات التدخل فى الشئون الداخلية بالمخالفة للقواعد القانونية وتحديدا ميثاق الأممالمتحدة الذى يحظر مثل هذا التدخل، وهى حجة يثيرها أطراف دولية وإقليمية تحمل أجندات مصلحية فى الأزمة اليمينية، إلا أن قواعد القانون الدولى مليئة بالنصوص والممارسات الدولية التى تؤكد المشروعية القانونية للقيام بمثل هذه العملية، انطلاقا من بعدين: الأول، أن هذا التدخل جاء بناء على وجود اتفاقية دولية وهى اتفاقية الدفاع العربى المشترك وهو ما لا يتعارض مع مبدأ الحظر وفقا لما نص عليه ميثاق الأممالمتحدة ذاته. الثانى، أنها جاءت بناء على طلب رسمى من الحكومة الشرعية أو تحديدا الرئيس الشرعى للدولة. الرابعة، من المهم أن يدرك الجميع أن انتهاء عملية عاصفة الحزم بغض النظر عن توقيت ذلك، يطرح تساؤلا مهما بشأن مستقبل اليمن، خاصة إذا ما أخذنا فى الاعتبار أن الانتصار فى هذه المعركة سيكون لصالح الشرعية اليمينية التى يمثلها الرئيس «عبد ربه منصور». ولكن، ما هو الدور المنتظر من الدول سواء تلك التى شاركت أو أيدت هذه العملية فى اعادة بناء اليمن؟ فهل الدور سيقتصر على إعادة الشرعية السياسية وترك اليمن يعانى من تصدعات وأزمات يعود فى ظلها إلى النفق المظلم الذى شهده خلال الفترة الماضية أم سيكون هناك دور سياسى وتنموى يساعد الدولة اليمينية على محاربة الإرهاب عبر مشروع تنموى شامل يعيد للشعب اليمن حقوقه فى العيش الكريم؟ واذا كان هذا الامر مطلوب وضرورى بحيث يكون هناك مشروع على غرار مشروع مارشال، فما هى الأطراف المعنية بتقديم مثل هذا المشروع؟ هل الدول الخليجية باعتبار أن الازمة تهدد أمنها القومى فى الأساس أم هى مسئولية الدول العربية فى عمومها أم أنه من المهم أن يكون هناك وجود دولى ينتشل اليمن من المستقبل المجهول الذى ينتظرها؟ . لمزيد من مقالات عماد المهدى