أكتب هذا المقال عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب كمقدمة للقمة العربية السادسة والعشرين.. وفى ضوء أزمات المنطقة المتزايدة كميا ونوعيا، نحتاج أكثر من أى شيء للمصارحة والمكاشفة. الجامعة العربية من أول وأعرق المنظمات الإقليمية، بل إن إنشاءها يسبق وجود منظمة الأممالمتحدة نفسها كمنظمة عالمية فى 1945، الجامعة تخطو هذا العام فى عامها السبعين. هل هى ذكرى يجب التنويه بها أم شيخوخة يجب التحذير منها؟ أميل إلى هذا الرأى الأخير. خلال السبعين عاما هذه تغير العالم جد تغيير مثلا انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة النازية، ولكن التحالف الدولى الذى قاد هذا النصر انقسم نفسه بين «الكتلة الشرقية» بزعامة الاتحاد السوفيتي، و«الكتلة الغربية» بزعامة الولاياتالمتحدة فى »حرب باردة« وأحيانا فى حرب ساخنة بالوكالة ثم انتهت الحرب الباردة نفسها وتحطم حائط برلين الذى كان يرمز »للستار الحديدي« بين الكتلتين، بل اختفى الاتحاد السوفيتى نفسه. المنظمة العالمية نفسها تغيرت كثيرا، ليس فقط كميا بتضاعف عدد أعضائها أكثر من ثلاث مرات، بل كيفيا أيضا حيث إن الأغلبية الكبرى من الأعضاء هم من خارج الدائرة الأوروبية الأمريكية، وانعكس هذا أيضا فى أجندة الأممالمتحدة، حتى بالنسبة لمجلس الأمن، ولكن أيضا فى زيادة نشاط منظماتها المتخصصة لتتكيف مع عالم دائم التغير ومشاكل متجددة أيضا، على المستوى الإقليمى كان التغير وليست الاستمرارية هى السمة الرئيسية. لم تقم إسرائيل فقط، بل توسعت وسيطرت وأصبحت القوة العسكرية الرئيسية فى هذه المنطقة، مهما حاولنا تجاهل هذه النتيجة التى جاءت بها حروب المنطقة المتعددة بين الدولة العبرية ودول المنطقة، بل تغير نمط هذه الحروب نفسها، لتكون مع مايعرف »منظمات غير الدولة«، مثل حماس أو حزب الله. عضوية الجامعة نفسها تغيرت من السبعة أعضاء المؤسسين إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.. تطول القصة ولكن التغيير هو السمة الأساسية على كل من المستوى العالمى أو الإقليمي. السؤال: فى مواجهة هذا التغيير، كيف تكيفت الجامعة سواء فى استراتيجيتها العامة أو فى سلوكها الفعلي؟. مايكرره الإعلام الإقليمى والدولى عشية مؤتمر القمة السادسة والعشرين هو الدفاع عن »الأمن القومى العربي« ولكن ماذا يعنى هذا بالضبط؟ ما هو مصدر التهديد: هل لاتزال إسرائيل العدو الرئيسى التى تحتل أراضى عربية؟ أم تغيرت أولويات هذا التهديد لتصبح مشكلة إيران النووية فى المقدمة؟ هنا لايزال مصدر تهديد الأمن القومى العربى خارجيا أم أصبح تعثر أنظمة الحكم مايسمى فى المصطلحات الدولية الجديدة إشكالية »الحوكمة« governance هو التحدى الرئيسي؟ لماذا غياب الجامعة أمام مشكلات حادة لما يسمى الدولة الهشة أو الفاشلة، من الصومال إلى انفصال جنوب السودان، إلى زيادة القائمة من العراق إلى سوريا إلى اليمن؟ هل مواجهة تهديدات الأمن القومى العربى المتزايدة هو الاعتماد صراحة على الخارج، كما حدث فى تقنين الجامعة رسميا على تدخل حلف الأطلنطى عسكريا ضد نظام معمر القذافي؟. السؤال الرئيسى إذن: ماذا يعنى الأمن القومى العربى عملياتيا فى سنة 2015 وبعد سبعين عاما من إنشاء الجامعة؟ ماهى التهديدات التى تواجه هذا الأمن العربي، الذى هو فعلا مهدد؟ هل هذه التهديدات أساسا خارجية أم داخلية؟ هل لاتزال عسكرية وبالتالى تهتم بزيادة الجيوش وشراء مزيد من السلاح التقليدي؟ أم هى اقتصادية وثقافية واجتماعية تتطلب مزيدا من التفكير المتجدد وتحليل الواقع العربى على الأرض، هل لاتزال الحكومات العربية هى اللاعب السياسى الوحيد أو حتى الرئيسى فى الساحة العربية؟. إن ميثاق جامعة الدول العربية لايزال حتى هذه اللحظة يعكس مفهوم وفلسفة الجيل الأول من المنظمات الدولية الذى يمثله عهد عصبة الأمم.... وبناء عليه لابد للجامعة من مواكبة المتغيرات والتطورات الدولية للارتقاء بإمكانياتها وتأهيلها للاضطلاع بالمسئوليات الجديدة فى عالم عربى متغير. هذا ماقاله الأمين العام للجامعة، د. نبيل العربي، أمام القمة العربية فى بغداد. بعيدا عن شعارات »بيت العرب« وأكلشيهات تتردد على مر القمم، ماذا فعلت الجامعة إذن على الأقل منذ هذا الاعلان من رأس جهازها للإجابة على هذا المطلب، وحتى لايستمر الشارع العربى فى تجاهله لقمة بعد أخري؟. لمزيد من مقالات د.بهجت قرني