أكد الدكتور نبيل العربى الامين العام لجامعة الدول العربيه فى كلمته اليوم في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيسه على دورالمركز في تعزيز الحوار الرصين والهادف والنقدي وتعميق ونشر المعرفة حول أهم المسائل والقضايا التي تهم منطقة الخليج وتهم العالم العربي بصفة عامة. وقال إنه قبل التعرض للتحديات التي تواجه العالم العربي في هذه المرحلة الحساسة لابد أن ألقي نظرة سريعة على خصائص النظام الدولى المعاصر التى تتضمن لثلاثة أبعاد أولهانظام الامن الجماعىوالفجوة بين القانون والتطبيق وضعف تجمعات العالم الثالث.
وأشار العربى إلى أن نظام الأمن الجماعي غداة الحرب العالمية الثانية قامت بإنشائه الامم المتحدة بغية إنقاذ العالم من ويلات الحروب وتم ابرام ميثاق الأممالمتحدة الذي بمقتضاه تنازلت جميع الدول عن جزء من سيادتها لإضفاء صلاحيات واسعة غير مسبوقة على نظام جديد للأمن الجماعي يتولى فيه مجلس الامن المسئولية الاولى لحفظ السلم والامن الدولى وأعطى المجلس سلطة اتخاذ التدابير الفعالة واللازمة لقمع اعمال العدوان وإزالة الاسباب التى تهدد السلم. ولكن سرعان ما تبين ان المجلس عاجز عن الاضطلاع بمسئولياته والسبب الرئيسى فى هذا العجز هو سوء استخدام الفيتو بواسطة الدول الخمس دائمة العضوية فى المجلس مما ادى إلى عجز النظام الدولى المعاصر عن ضمان توفير الامن والسلم للدول وكان المفروض طبقا لما اتفق عليه في مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945 أن يصبح ميثاق الأممالمتحدة هو الإطار الذي تتفاعل العلاقات الدولية طبقا لأحكامه.
وأوضح أنه مع ذلك استمرت العلاقات بين الدول قائمة على استخدام القوة وأصبح مسار النظام العالمي يتحدد على أساس توازنات القوى واستقرت سياسات الكيل بمكيالين ومنطق العدالة الانتقائية في التعامل مع مختلف القضايا الدولية وخير مثال على ذلك تاريخ تعامل مجلس الامن مع القضايا الحيوية الهامة التى تمس العالم العربي مثل مأساة فلسطين على مدى ستة عقود ومثل المأساة فى سوريا الآن والتى تعانى المنطقة بل العالم كله بشدة من تداعياتها وآثارها الآن.
وأضاف أن النظام الدولى المعاصريشهد فجوة كبيرة بين قواعد القانون الدولي ومبادئه والاتفاقيات الدولية من جهة وبين تطبيق هذه القواعد والمبادئ من جهة اخرى ومع مرور الزمن زادت هذه الفجوة من حدة الفوضى في العالم وانتشرت مختلف أنواع النزاعات القاتلة والمخيفة في ظل التهميش الفعلي "للعقد الاجتماعي" الذي اتفق عليه عام 1945 عند انشاء الامم المتحدة والذي كان يفترض أن يؤسس ويرعى وينظم لعلاقات دولية جديدة لافتا الى ان والسبب الرئيسي يرجع إلى ان تطبيق فى القواعد القانونية الدولية يخضع لرضاء الدول وقبولها وهذا هو الفارق بين قواعد القانون الدولى وقواعد القانون الداخلى حيث ان الدولة التى تخالف قاعدة قانونية دولية لا يوجد من يرغمها على الخضوع للقانون الدولى الا بقبولها بعكس الوضع فى قواعد القانون الداخلي الذى يمتلك فيه الفرد حق التقاضى رغماً عن خصمه وعلى سبيل المثال هناك 194 دولة فى الامم المتحدة ولكن هناك 70 دولة فقط تقبل الاختصاص الالزامى لمحكمة العدل الدولية وكثيراً ما يكون هذا القبول مقيداً بشروط (امثلة). وبفرض قبلت دولة ما اختصاص المحكمة وصدر ضدها حكم لأنها خالفت قاعدة قانونية فان إجبار هذه الدولة على تنفيذ حكم المحكمة لا يتم إلا عن طريق الالتجاء الى مجلس الامن الذي كما نعلم جميعا هو جهاز سياسي وليس جهازا قضائيا. وأوضح أن المجتمع الدولى لم ينجح فى انشاء آلية دولية لتنفيذ القانون الدولى enforcement mechanism. وبالتالى يمكن القول إن عالمنا المعاصر انتقل من مرحلة قانون الغاب التى كانت سائدة منذ بدء الخليقة ولكنه لم ينجح بعد فى الوصول إلى نظام يسود فيه القانون وتتحقق فيه العدالة لافتا الى اننا اليوم كمجموعة عربية نعانى كثيراً من نظام الفوضى الدولي ونظام الثنائية القطبية أو نظام الحرب الباردة وتلاه النظام الذي أخذ يتشكل فيما بعد الحرب الباردة وعلينا أن نعمل مع المجموعات والقوى الدولية الأخرى المعنية بإصلاح الأممالمتحدة وجعل مجلس الأمن المسئول الأول عن الأمن والسلم الدولي أكثر شرعية وأكثر عدالة.
وأشار إلى أنه فى عالمنا المعاصر ونظراً للطبيعة العالمية للمشاكل global nature دأبت الدول المتشابهة الظروف إلى الدخول فى تجمعات للدفاع عن مصالحها وللاسهام فى رسم الخطوط العامة للسياسة الدولية وما يهمنا فى هذا المجال الإشارة إلى حركة عدم الانحياز التى تشمل عضويتها جميع الدول العربية والتى كان لها نشاط واضح وتأثير كبير فى العلاقات الدولية فى ستينات وسبعينات القرن الماضى وكانت تتخذ مواقف مبدأيه فى السياسة الدولية بحيث كان يطلق عليها بحق "ضمير الانساينة" وتتعامل وتتفاعل مع المجتمع الدولى من a high moral ground وكانت وراء قرار الجمعية العامة الشهير 1514 الذى نص على ضرورة انهاء الاستعمار الذى صدر فى دورة عام 1960 التى شارك فيها كبار قادة حركة عدم الانحياز وكان محور الحركة مجموعة دول من بينها الهند ويوغوسلافيا ومصر واندونيسيا وغانا ولكن بعد انفراط يوغوسلافيا فى بداية التسعينات وانتهاء الزعامات التاريخية للحركة من جهة مثل نهرو وتيتو وعبد الناصر وانهاء الحرب الباردة من جهة أخرى لم يعد للحركة نفس الدور أو نفس التأثير.
وأكد أن اضمحلال دور حركة عدم الانحياز فى الوقت الحالى حرم الكثير من الدول ومن بينها الدول العربية من تجمع كبير للدفاع عن مصالحها السياسية لافتا الى ان هناك أيضاً مجموعة ال77 التى تضم جميع الدول العربية والافريقية ودول من أمريكا اللاتينية وآسيا والصين وهى اكبر تجمع دولى ولكنها تتناول الموضوعات الاقتصادية والتنموية ولا تتعرض للموضوعات السياسية.
كما أكد إننا نواجه اليوم في العالم العربي في خضم التحولات الجارية عدداً غير قليل من التحديات بعضها رافق نشأة النظام الإقليمي العربي ومؤسسته جامعة الدول العربية رغم أن هذه التحديات اتخذت أشكالاً وصيغا مختلفة عبر الزمان وبعضها الآخر تحديات راهنة نشأت في خضم موجة التغيرات التي انطلقت مع الثورات العربية وحملتها رياح التغيير التي هبت على بعض الدول العربية في مشرقها وفي مغربها إلا إنها تحديات تحمل تأثيرات ودروس وعبر لكافة دول المنطقة وللعالم العربي بأجمله وعلينا التعامل معها برؤية إستراتيجية شاملة وحزم وإرادة حتى ننجح في التعامل معها.
وقال العربى إن أولى هذه التحديات تتمثل فى عدم حل قضية فلسطين التي تبقى القضية المركزية المحورية ليس فقط في الوجدان العربي ولكن على صعيد تأثيراتها وانعكاساتها على مستوى الإقليم ككل وعلى العلاقات مع الدول الفاعلة فى المجتمع الدولى أضف إلى ذلك أن استمرار الاحتلال الاسرائيلي له تداعيات متعددة أخلاقية وإنسانية وإستراتيجية وسياسية تطال مصالح الجميع وتتحدى صلب القواعد القانونية التى توافق عليها المجتمع الدولى ومع ذلك نجد-للأسف الشديد- أن المجتمع الدولى اكتفى فى السنوات الاخيرة بإدارة النزاع حول الاحتلال الاسرائيلى الغاشم بدلاً من انهاء النزاع وقد اتخذ مجلس الوزراء العرب قراراً هاماً فى 17/11/2012 بضرورة الضغط على المجتمع الدولى لينبذ منهج ادارة النزاع والعمل على انهاء النزاع فى فترة زمنية محددة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وكلفنى المجلس بإبلاغ هذا القرار إلى الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الامن وقمت بهذه المهمة ووجدت قبولاً تاماً وفى 4/3/2013 حضر جون كيرى إلى القاهرة وتعهد بالعمل على انهاء النزاع قبل نهاية عام 2013. وأشار الى أن القياده الفلسطينية قبلت وأيدتها في ذلك جامعة الدول العربية الدخول في المفاوضات الجارية برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية على أساس رفض الاستمرار في سياسة إدارة النزاع عن طريق تسويات مرحلية أو انتقالية مشيرا الى ان الأساس التي دخلت عليه القيادة الفلسطينية المفاوضات قام على التسوية الدائمة والشاملة لانهاء النزاع ضمن إطار زمني محدد وعلى أساس قواعد الشرعية الدولية وكذلك على أساس مبادرة السلام العربية التي أقرت في قيمة بيروت عام 2002 و هنالك مزيد من التعثر والعوائق أمام مسار المفاوضات نتيجة للسياسات الإسرائيلية الرافضة للسلام تنفيذاً لسياسة اسرائيل الثابتة للتسويف والمماطلة وكسب الوقت فاسرائيل كما هو معروف قد تكون الدولة الوحيدة فى العالم التى تعتبر عنصر كسب الوقت هدفاً استراتيجياً يتيح لها التوسع فيما تتطلع اليه من استيلاء على مزيد من الاراضى.
وقال العربى إنه يدور الحديث الآن عن اتفاق إطار غير ملزم تتقدم به الولاياتالمتحدة لطرفي المفاوضات قد لا يساهم كما أتصور في دفع الأمور إلى الأمام بسبب الشروط التعجيزية الجديدة التي تأتي بها إسرائيل إلى طاولة المفاوضات وأهمها دون شك المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة والتي لا يمكن القبول بها فلسطينياً وعربياً وهي خارج إطار الشرعية الدولية ومع ذلك لابد من القول إن فكرة الاطار غير الملزم يمكن أن تؤتى ثمارها إذا قررت الحكومة الامريكية ممارسة الضغط المطلوب على اسرائيل وهو ما سوف يتضح فى الأسابيع القادمة.
وأكد انه بقدر تمسك الدول العربية بالمفاوضات السلمية بقدر ما ترفض استمرار منطق المفاوضات في إطار زمني مفتوح أو التفاوض للتفاوض وإضاعة الوقت وعلينا أن نبحث عن خطة بديلة في حال استمرار سياسة التسويف والمراوغة الإسرائيلية وبالتالى قد يكون من الضروري التفكير فى الالتجاء مرة أخرى إلى المجتمع الدولى وإلى الأممالمتحدة وإلى مجلس الأمن تحديداً لطرح تنفيذاً لقرار 242 أو الدعوة لعقد مؤتمر دولي قائم على أساس المرجعية الدولية المعروفة وضمن إطار زمني محدد وهذا تحد علينا أن نواجهه كمجموعة عربية قبل أن نطرحه على الآخرين تحدً يستدعي توظيف كافة الإمكانيات العربية لبلورة تحرك دبلوماسي عربي مشترك على أعلى المستوى يتجه نحو الأممالمتحدة وعواصم القرار الدولية المؤثرة بغية فرض هذا الهدف هدف التسوية الشاملة على اجندة الأممالمتحدة لاتخاذ القرار المناسب، ونجاح هذا المسعى يتطلب أن يكون واضحاً للجميع وعلى الأخص الولاياتالمتحدة أن اسرائيل هى التى أدت مواقفها إلى اخفاق مساعى الوزير جون كيرى.
وتسائل العربى ماذا لو فشل كيري في التوصل إلى إنهاء النزاع هل هناك خيارات أخرى تلجأ إليها فلسطين؟ والإجابة في نظري ..هي نعم.. هناك عدة خيارات أمام فلسطين منها التقليدي مثل الالتجاء إلى مجلس الأمن والأجهزة الدولية ولكن هناك أيضا أبواب أخرى لم تطرق من قبل ويجب طرقها الآن لإحكام الحصار حول اسرائيل وبالتركيز على أن الاحتلال الاسرائيلي يمثل آخر معاقل الأبارتايد والاستعمار في القرن الواحد والعشرين ونقطة الانطلاق هنا هي الحملة التي بدأت بالفعل في عدة دول اوروبية وفي الولاياتالمتحدة ويطلق عليها BDS (Boycott, Disinvestment and Sanctions) وهي تهدف إلى دفع الدول والمؤسسات إلى عدم الاقدام على اي استثمار في أي مشروع اسرائيلي يعمل في الأراضي المحتلة ومقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي تأتي من هذه الأراضي وقد بدأت هذه الحملة في التأثير على الاقتصاد الاسرائيلي مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي أقر مجموعة من القواعد أطلق عليها guidelines بعدم قبول بضائع من اسرائيل تأتي من منتجات الأراضي المحتلة وقد بدأ تطبيق هذه القواعد من أول يناير هذا العام. وطالب العربى بشن حملة قوية ومنظمة من القيادة الفلسطينية بتأييد ودعم كاملين من الدول العربية حتى تؤتي هذه الحملة ثمارها وتشعر اسرائيل بالضغط العالمي المتزايد عليهاكما أن هناك اسلوبا آخر تستطيع القيادة الفلسطينية الالتجاء اليه وهو اسلوب المقاومة السلمية على غرار ما قام به المهاتما غاندي في الهند ضد الامبراطورية البريطانية ونجح عن طريقه في الحصول على انسحاب بريطانيا واستقلال الهند وهذا الاسلوب يتطلب مقاطعة تامة للبضائع الاسرائيلية من داخل الأراضي المحتلة والاقدام على حملة عصيان مدني سلمية Civil Disobedience.
وأشار العربى الى أن التحدى الخطير الآخر الذى يواجهنا في العالم العربي اليوم يتمثل في الأزمة بل المأساة السورية التى قريباً تدخل عامها الرابع لافتا الى أن تعقيدات هذه الأزمة والتشابك بين العناصر الداخلية والخارجية نظرا للموقع الجيوسياسي الهام لسوريا يزيد من صعوبة التوصل إلى الحل السياسي المنشود الحل الذي يصنعه السوريون من كافة مكونات وأطياف الشعب السوري لسورية الغد الحل الذى يحقق تطلعات الشعب السورى فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لافتا الى ان هذه المأساة يمكن تحليل معالمها الرئيسية من أربعة زوايا تتضمن الأولى كيف يمكن ان تنتهي هذه المأساة؟ والإجابة في نظري تكون عن طريق حل سياسي- وهو ما تنص عليه قرارات جامعة الدول العربية- وطبقا لما تقرر في البيان الختامي لمؤتمر جنيف أو هو ما اكده مؤتمر جنيف أن يتم تشكيل هيئة حكم انتقالي بالتفاهم بين الحكومة والمعارضة.
وأوضح ان الزاويه الثانية تتضمن ضرورة صدور قرار من مجلس الأمن بوقف القتال وحقن الدماء بأسرع ما يمكن والثالثة تتضمن رفع المعاناة عن أكثر من ستة ملايين نازح داخل سوريا بأسرع ما يمكن وذلك بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2139) الذي صدر يوم السبت الماضي بينما تتضمن الرابعة بدء الاستعداد لمواجهة مشاكل الغد أو ما يطلق عليه The day after سواء بإعادة إعمار سوريا اقتصاديا واجتماعيا أو كيفية التعامل مع التوجهات الطائفية التي تمس السلامة الاقليمية.
واكد العربى أن من أهم دروس المأساة السورية التي انخرطت الجامعة العربية في العمل على تسويتها منذ أيامها الأولى منذ يوليو 2011 هو أنه لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة بل الحل الوحيد الممكن هو الحل السياسي ولكن كل تأخير في التوصل إلى الحل السياسي بسبب صراع الأجندات الخارجية والاستقطاب الحاد في الداخل يساهم في المزيد من عسكرة الصراع وارتفاع عدد القتلى من الجانبين بالاضافة إلى ما لحق سوريا من دمار.
وأشار الى أن إن البيان الختامي لمؤتمر جنيف (1) وضع اسس التسوية السياسية للنزاع فى سوريا عن طريق بدء مرحلة انتقالية وتشكيل هيئة حكم انتقالية تكون لها صلاحيات كاملة ويتم تشكيل هذه الهيئة بالرضاء المشترك للطرفين أما محاربة الإرهاب في سورية بما يشكله من مخاطر تتخطى الحدود السورية لا يجب ان يكون بديلا عن إعمال ما جاء في بيان جنيف الأول بل يجب ان يندرج فى تنفيذ بيان جنيف الاول فى كافة بنوده وبشكل شامل مما يسمح بخلق بيئة جديدة مختلفة مناهضة لكل تطرف فكرياً أو عملي يدفع نحو الإرهاب. ولفت الى أن محاربة الإرهاب في أي مكان يكون من خلال المعالجة الناجعة للبيئة التي تحتضنه وللاسباب الدفينة التى تدفع شخص إلى الاقدام على اعمال ارهابية، كما استقر الرأي على معالجة الظاهرة الإرهابية في العالم وبالتالي فإلى جانب العمل العسكري والأمني المباشر من الضروري معالجة المسببات العميقة والعديدة التي تؤدي إلى هذه الحالة الخطيرة، ويكون ذلك من خلال التسوية السياسية للنزاعات وإحقاق العدالة والأمن والاستقرار للجميع.
واكد أن لمجلس الأمن مسئولية خاصة في اتخاذ القرار الحازم الذى يؤدى إلى وقف الاقتتال وتوفير دخول المساعدات الإنسانية وكافة أنواع المساعدات إلى الشعب السوري ولا شك أن اصدار مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2139 بتاريخ 22/2/2014 الذي يطالب بضرورة إدخال مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية ورفع الحصار عن المدنيين وفتح ممرات داخل الأراضي السورية لهذا الغرض يشكل خطوة هامة ويحمل رسالة هامة للنظام السورى لأن روسيا والصين قد صوتا مع القرار (2139).
وأضاف أن قرار من هذا النوع له أهمية تتخطى الشأن الإنساني رغم ضرورة هذا الأمر لتشكل اجراءات بناء ثقة ضرورية تسمح بخلق مناخ يساهم في تسهيل عملية الحل السياسي وذلك في إطار مؤتمر جنيف 2 المؤتمر الذي هو في حقيقة الأمر عملية مستمرة بحاجة لرعاية دولية ودعم من الأطراف الفاعلة والمؤثرة مع طرفي النزاع الحكومة والمعارضة بغية إيصال سوريا إلى بر الأمان لافتا الى أن الجولات الأولى من مؤتمر جنيف لم تنجح فى التغلب على الصعاب ولم تنتج التقدم المطلوب وفى نطرى فإن موقف الوفد الحكومى الرافض لبحث تشكيل هيئة الحكم الانتقالي الذى على أساسه وجه سكرتير عام الامم المتحدة الدعوة إلى الأطراف لعقد المؤتمر هو السبب الرئيسى فى عدم احراز التقدم المطلوب ولكن على المعارضة أيضاً مسئولية توسيع قاعدتها بإدخال جميع أطياف المعارضة السورية فى الوفد المفاوض.
وأكد ان هناك التحديات على الصعيد الداخلى أو الاقليمى لابد من أخذها فى الاعتبار وتتعلق الموقع الجغرافى للدول العربية التى تحيط بها عدة دول قوية عسكرياً وتكنولوجيا ولكل منها طموحات وأطماع وسياسة نشطة وأقصد بها دول الجوار إيران وتركيا وبالطبع اسرائيل التى تمتلك ترسانة نويية كبيرة هذا يؤدى إلى أن أنظار الدول العربية يجب ان تركز دائماً على مطامع وأهداف هذه الدول الثلاث التى يعمل كل منها فى أطار مختلف. الأمر الذى يدفعنى إلى القول بأن طبيعة التحديات الاقليمية تقتضى العمل بجدية على النظر فى تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك وتطوير مجلس السلم والامن العربى بحيث يرقى إلى مستوى مجلس السلم والأمن الأفريقي.
وأوضح أن الدول العربية على الصعيد الوطنى في هذه المرحلة تواجه عدة تحديات وقوام جزء كبير منها الولوج على الصعيد العربي في بلورة سياسية عربية مشتركة للتعامل مع قضية التنمية الإنسانية الشاملة ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتكاملة والمتداخلة لافتا الى أن الفقر وسوء التعليم والإختلال الحاد بين القطاعات الاقتصادية وبين المناطق في عدد من الدول وازدياد تفشي البطالة وخاصة بين الشباب وتراجع دور الدولة كضامن وموازن في الرعاية الاجتماعية كلها عناصر يستدعي التعامل معها ضمن مفهوم التكامل المتعدد الأشكال والسرعات فالتكامل العربي كما علمتنا تجارب التكامل الاقليمي في العالم يوفر أفضل وسيلة وأنجعها للتعامل بنجاح مع هذه التحديات التي تمس امن ومصالح الجميع فى المنطقة. وطالب العربى بالعمل على توفير شبكة امان ودعم لانجاح العملية الانتقالية فى الدول العربية التي شهدت ثورات وذلك من خلال الاسهام فى توظيف الخبرات او توفيرها فى عملية اعادة بناء المؤسسات او من خلال المشاركة فى مراقبة العمليات الانتخابية بما يعزز مصداقية هذه العمليات او من خلال توفير الدعم النوعي والمادي والاستثماري للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول لافتا الى انه يسبق ذلك أهمية استيعاب دروس الأمس وذلك من خلال رفض محاولات الهيمنة والاقصاء تحت أى شعارات عقائدية أو عناوين ومسميات سياسية أخرى والعمل على تأسيس حوار وطنى واسع وشامل تشارك فيه مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأكد ان الديمقراطية ليست موعداً انتخابياً فقط كما قد يتصور البعض ولا يقتصر تحقيقها على نتيجة صندوق الانتخابات بحيث يسمح للفائز أياً كانت نسبة فوزه بالسيطرة الكاملة على السلطة دون أى مراقبة أو مساءلة، بل تقوم على تعزيز المعايير والسلوكيات التى أشرنا إليها سابقاً وإلى تعزيز واحترام دور المؤسسات الوطنية الرقابية بمختلف أنواعها وأدوارها على العملية السياسية، واحترام القواعد الدستورية القانونية السارية. وأشار الى أن هنالك قواعد ومعايير عامة معروفة ومتعارف عليها لعملية بناء الدولة الديمقراطية والحكم الرشيد أهمها دون شك بناء دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وسيادة القانون وإقامة نظام المساءلة وتعزيز مفهوم المواطنة وكذلك تعزيز ونشر ثقافة الحوار والقبول بالرأى والرأى الآخر وعدم إدعاء التفوق الفكرى والعقائدى أو امتلاك الحقيقة المطلقة تحت مسميات مختلفة دينية كانت أم مدنية والعمل على بناء اقتصاد وطنى منتج ومتوازن وتوفير شبكة الضمانات الاجتماعية الضرورية لكل مجتمع بغية الحفاظ على كرامة أبناءه وكذلك الاستثمار فى رفع مستوى التعليم فى كافة مراحله وفى التعليم النوعى بشكل خاص فالتنمية الانسانية الشاملة المترابطة الاهداف والمتكاملة الابعاد يجب ان تبقى الهدف الاساسى، لا بل عنوان المرحلة الانتقالية لبناء مجتمع العدالة والكرامة والتقدم والحرية.
وقال إن النجاح فى مواجهة هذه التحديات يقوم دائماً على مبدأ المشاركة واحترام التنوع والاختلاف فى إطار الوطن الواحد وإن تجربة الدول التى مرت بمراحل انتقالية مثل شرق اوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتى عام 1989 وغيرها من الدول تؤكد ان المراحل الانتقالية تستغرق سنوات عديدة وتتطلب اجراء تغيرات جوهرية فى مفهوم وفلسفة الوعى لدى الجماهير كماتواجه الدول العربية والعالم بأسره تحديات ذات طابع خاص وهى تتمحور حول كيفية الحفاظ على مصدر وأسس الحياة على هذا الكوكب وهو حماية البيئة والحصول على مصادر طاقة بديلة وكيفية حسن استغلال الموارد الطبيعية المهددة بالفناء وتتسم المنطقة العربية بثروة طبيعية وموارد ان احسن استغلالها وتعاونت الدول العربية معاً وعملت على تفعيل مشاريع كبرى فى مجال الطاقة المتجددة وغيرها سيساهم ذلك فى حفاظ تراث الارض للأجيال القادمة.
وأوضح العربى أنه قبل التحدث عن كيفية التعامل بفعالية مع التحديات التى تواجه المنطقة العربية ودور الجامعة فى ذلك أود أن أبدى بعض الملاحظات حول مقتضيات اصلاح ميثاق الأممالمتحدة العقد الاجتماعى الدولى القائم وعلى وجه الخصوص نظام الامن الجماعى collective security system. وقال ان تجارب السنوات الماضية تشير بوضوح الى ان "العقد الإجتماعى" الذى اتفق عليه عام 1945 لانقاذ العالم من ويلات الحروب لم يتم تنفيذه تنفيذاً أميناً أى أن الإجابة في نظرى تكمن في عدم احترام نص وروح احكام ميثاق الأممالمتحدة: فالميثاق ينص بكل وضوح على المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات، وعلى ضرورة احترام اجهزة الامم المتحدة لقواعد القانون الدولى ومقاصد ومبادئ الأممالمتحدة ولكن صياغة الميثاق من جهة أخرى سمحت بوجود ثغرة فتحت الأبواب فى التوسع في تفسير ما ينطبق عليه الفيتو وتم استغلال هذه الثغرة بواسطة الدول الخمس دائمة العضوية فتستطيع احدى هذه الدول الخمس إذا أرادت منع اصدار أى قرار يتعارض مع ما تعتبره مصلحة حيوية من خلال التلويح باستخدام الفيتو او استخدامه بالفعل كما تفعل الولاياتالمتحدة لحماية إسرائيل وكما تفعل روسيا الآن لحماية النظام السورى. وأشار الى أن المجتمع الدولى قد قام باجراء جزئى فى هذا الصدد من خلال اصدار القرار رقم 377 عام 1950 الذى يطلق عليه "الاتحاد من اجل السلام" والذى يسمح للجمعية العامة تخطى مجلس الامن إذا لم يكن قادراً على اتخاذ اية قرارات فى ضوء استخدام الدول دائمة العضوية الفيتو بشكل متكرر فى المسألة ذاتها، مما يمنعه من تنفيذ دوره ومع ذلك فإن هذا القرار الصادر من الجمعية العامة لا يعدو أن يكون توصية غير ملزمة ولا يرقى إلى مستوى تعديل الميثاق ولا يضفى على قرارات الجمعية العامة صفة الالزام. وبالتالى تبقى صلاحية اصدار قرارات ملزمة طبقاً للفصل السابع لدى مجلس الامن فقط، ويبقى الفيتو سيفا مسلطا على رقبة المجتمع الدولى يشل التنفيذ السليم لاحكام الميثاق. نعم صدرت قرارات من الجمعية العامة عام 1956 انسحبت بمقتضاها اسرائيل من سيناء ولكن هذه القرارات كانت مؤيدة من كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي وبالتالى لم تجرؤ اسرائيل على تحديتها.
واقترح العربى ضرورة النظر فى تحديد نطاق استخدام الفيتو وتوسيع عضوية مجلس الامن بما يتفق مع تمثيل ديمغرافى عادل فضلاً عن توطيد التعاون بين الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية خاصة وأن معظم النزاعات اصبحت ذات طابع اقليمي وكذلك توسيع دور وسلطات الجمعية العامة لتضطلع بمهام تمكنها من القيام بدور اكثر فاعلية فى مسألة الحفاظ على السلم والامن خاصة وانه سبق أن أكدت محكمة العدل الدولية فى رأى استشارى صدر فى الستينات ان الميثاق اضفى على مجلس الامن المسئولية الاولية ولكن المجلس لا يملك طبقا لاحكام الميثاق مسئولية حصرية.
وأعتبر العربى أن تحديد نطاق استخدام الفيتو من أهم النقاط التى يجب بحثها والنظر إليها بموضوعية وواقعية فليس من المتوقع أن تتنازل الدول عن حقها في الفيتو كما ان تعديل الميثاق يخضع مع الاسف الشديد فى نهاية المطاف لموافقة الدول الخمس دائمة العضوية التى انتصرت فى الحرب العالمية الثانية والتى قررت اقامة نظام دولي تتحكم فى مساراته ولكن ادعو ان يتم وضع بعض الأمور التى يتفق عليها خارج اطار تطبيق الفيتو. كما اقترح العربى النظر فى الاجراءات ذات الطابع الانسانى مثل اصدار قرارات بوقف اطلاق النار ومطالبة الاطراف بوقف الاعمال العدائية وتطبيق اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 فى المنازعات المسلحة بالسماح بتوفير المواد الانسانية ومواد الاغاثة للمدنيين وعمل جراءات خاصة بامداد مجلس الأمن بالمعلومات الضرورية لقيامه بدوره، مثل ايفاد مراقبين بموافقة الدولة المضيفة لمراقبة واصدار تقارير مستقلة وموضوعية وتقديمها إلى المجلس،التهديد باستخدام احدى أسلحة الدمار الشامل ضد دولة.ويتطلب هذا الامر تضافر جهود أعضاء مجلس الأمن لوقف استخدام هذه الاسلحة كما حدث مؤخرا عند استخدام السلاح الكيماوى في سوريا ضد المدنيين.
وقال إنه فى حالة وضع هذه المعايير لاستخدام الفيتو سنضمن وجود نظام أمن جماعى له مصداقية وسنعمل على انهاء النزاعات واعادة السلم والامن الدوليين بفاعلية وفى ضوء ما تقدم رحبت بشدة بالموقف غير المسبوق الذى اعلنته المملكة العربية السعودية بالاعتذار عن عضوية مجلس الامن لاسباب تتعلق بازدواجية المعايير والفشل فى حل المشاكل جوهرية التى تتعلق بالدول العربية وعلى رأسها قضية فلسطين والمأساة السورية وعدم العمل على اخلاء منطقة الشرق الاوسط من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل بالرغم من التعهدات الدولية ذات الصلة. واشار الى ان الموقف المبدئى الذى اقدمت عليه المملكة العربية السعودية بعتبر فى نظرى ناقوس انذار للمجتمع الدولى لاصلاح وتطوير المجلس لافتا الى ان مجلس الأمن فى حاجة إلى "إصلاح شامل" يتضمن تحديد نطاق استخدام أو التلويح باستخدام الفيتو، من قبل الدول الخمس دائمة العضوية فى المجلس.
واشار العربى الى دور الجامعة العربية فى مواجهة هذه التحديات حيث وضعت التطورات التى شهدها الوطن العربى خلال الأعوام الماضية الامانة العامة لجامعة الدول العربية ومؤسساتها المختلفة أمام العديد من التحديات والتساؤلات التى تتعلق بدور الجامعة وقدرتها على تحقيق الاهداف المرجوة منها. ويحتم علينا واجبنا، بل ومسئوليتنا التاريخية أن نبحث عن اجابات موضوعية لهذه التساؤلات، دون تجميل أو مبالغة من أجل الحفاظ على دور الجامعة وتعزيزه فى عالم عربى يتغير بسرعة وبعمق. واوضح ان المادة الثانية من الميثاق حددت أربعة أهداف للجامعة تتضمن توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية، وصيانة استقلال الدول العربية وسيادتها من كل اعتداء، والنظر بصفة عامة إلى شئون البلاد العربية ومصالحها، والتعاون الوثيق بين الدول العربية فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا أنه من الجلى أن هناك مسافة كبيرة تفصل بين ما تم تحقيقه وبين طموحات المواطنين العرب.
وأكد ان هذه الفجوة بين الواقع والطموح وكذلك بين القرار الجماعي ووضعه موضع التنفيذ، هى ما يراه المواطن العربى اليوم حين يقوم بتقويم عمل الجامعة هذا المواطن الذى أعياه الحديث الرسمى عن نجاحات لا يرى لها أثرا فعليا فى حياته. هذا المواطن الذى ينظر الى مؤسسات واجتماعات وتقارير الجامعة العربية ويسأل عن حق: أين العمل السياسى العربى المشترك بينما الدول العربية تختلف – بل احيانا تتناحر- فيما بينها حول القضايا العربية الكبرى؟ أين اتفاقية الدفاع المشترك، أين مجلس الأمن والسلم العربي حين تعرضت دول عربية مستقلة للغزو والتقسيم والاحتلال؟ وكيف لم تفلح كل هذه المؤسسات فى تحقيق تقدم ملموس فى القضية الفلسطينية؟ وأين صوت الشعوب فى عمل الجامعة العربية؟ وأين هى محكمة العدل العربية؟ أين التعاون الوثيق بين الدول العربية فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: هل يسافر المواطن العربى ويقيم بحرية فى أرجاء وطنه العربى الواحد؟ هل يتنقل رأس المال بحرية وأمان بين الدول العربية؟ هل تنتقل الموارد الاقتصادية بحرية؟ هل نظم التعليم متناسقة؟ هل هناك عمل ثقافى عربى موحد أو حتى متكامل؟ هل هناك معاهد ومؤسسات للبحث العلمى المشترك؟ هل هناك مشروعات اقتصادية عملاقة تجمع الدول العربية؟ وأين الخطوات التى اتخذت لبناء الوحدة العربية المنشودة؟ هذه الاسئلة وغيرها أسئلة مشروعة. علينا ان نواجهها ونحاول الاجابة عليها إن اردنا للجامعة أن تواكب العصر وتحمل راية العمل العربى المشترك فى المستقبل. وقال العربى إنه لابد من التوقف والنظر بحق إلى خلفية الجامعة وميثاقها الذى يحدد قدراتها جامعة الدول العربية بدأ التفكير فى انشائها قبل ان تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها وتم صياغة ميثاقها فى صيف عام 1944 إذن فهى تنتمى إلى الجيل الأول من المنظمات الدولية مثل عصبة الأمم التى قامت بعد الحرب العالمية الأولى، وبالتالى لا يتضمن الميثاق المفاهيم والآليات التى ظهرت ونمت وتطورت مع نشأة الامم المتحدة وكمثال يكفى أن أشير أن ميثاق الجامعة لا يحوى اشارة الى مفهوم حقوق الانسان الذى اكتسب مؤخراً أهمية متزايدة كما لا يحوى الميثاق الآليات الحديثة المطلوبة لقيام المنظمات الدولية بمسئولياتها فى القرن الواحد والعشرين وكذلك لا يحوى الميثاق آليات لضمان الالتزام بما يتفق عليه من قرارات.
وأضاف العربى أنه لابد من تطوير الجامعة وإدخال تعديلات على ميثاقها وتوفير آليات لمواجهة المسئوليات التى تكلف بالاضطلاع بها وهو ما وافقت القمة العربية الماضية فى الدوحة على ضرورة الإقدام عليه وأرجو أن توافق القمة القادمة التى سوف تعقد الشهر القادم فى الكويت على بدء تنفيذ بعض هذه الإصلاحات كما ان ترسخ ثقافة عدم الالتزام بتنفيذ ما اتفقت عليه الدول الأعضاء يستحق منا وقفة وبعض التأمل فقد يكون من المفهوم ألا تلتزم الدول باتفاقيات وقعت منذ عقود طويلة غالباً من قبل نظم حكم مختلفة وربما كانت بنودها أكثر طموحاً من قدرة الدول على التنفيذ أو كان عدم الالتزام مشتركاً بين عدد كبير من الدول الموقعة على الاتفاقية، أما الذى يستحق منا الوقفة والتأمل فهو توقيع الدول الأعضاء على اتفاقات جديدة أو تعديل الميثاق لانشاء هيئات وقواعد جديدة ثم عدم تفعيل هذه الهيئات والقواعد مطلقاً.
وقال إننا قد رأينا ذلك على سبيل المثال فيما يتعلق بانشاء مجلس الأمن والسلم العربي والذى بدا وكأن الدول الأعضاء قد فقدت الرغبة فى تفعيله بمجرد خروجه للنور وبرغم انعقاده عدة مرات على مستوى المندوبين فانه لم يقم حتى الآن بأى دور فعال فى معالجة أى من الازمات التى تتعرض لها الدول العربية ونحن في صدد البحث عن طرق لتفعيله وتطويره ليقوم بدوره المطلوب فى الدبلوماسية الاستباقية والوقائية فى احتواء النزاعات وتسويتها.
وقال إن النظرة المتعمقة تكشف عن حجم التغييرات داخل مجتمعاتنا العربية وعن الفارق بين العصر الذى نشأت فيه الجامعة العربية والعصر الذى نعيشه الآن (سيارة موديل 1944) فقد أصبح العالم العربى يموج بعديد من الافكار والمفاهيم والقضايا التى لم تكن مطروحة عند قيام الجامعة ففى كل أرجاء وطننا العربى يشكل المواطنون مؤسسات مدنية غير حكومية تسعى للمشاركة فى ادارة شئون المجتمع وحماية حقوق الأفرادلافتا الى انه لم يعد هذا المواطن فردا منعزلا بل أصبح لديه القدرة والرغبة فى الاتصال بنظرائه داخل وخارج مجتمعه دون التقيد بالحدود من أجل التعبير عن رأيه ومساءلة حكومته ومطالبتها بالحكم الرشيد وصارت قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية مطالباً لا يتنازل عنها المواطن العربى الا مكرهاً والى حين وأصبحت ظاهرة الرؤساء مدى الحياة في بعض الدول العربية مرفوضة تماماً لأنها تتعارض مع متطلبات العصر.
وقال إن هذه التطورات وغيرها تفرض على دولنا وضعها فى الاعتبار عند التخطيط لصيانة الأمن القومى العربى وعلاقات الدول العربية بدول الجوار والعالم الخارجي. كما أنها تضع الجامعة العربية- بل والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية عامة- على المحك. وما الثورات العربية الجارية في جزء منها إلا رد الشعوب على عجز المؤسسات القائمة على مواكبة هذه التغيرات بفاعلية.
وأشار الى ان هذه الثورات شكلت اختبارا لفعالية الجامعة العربية فبرغم أن المادة الثانية من الميثاق كما أشرت قد جعلت من أهداف الجامعة العربية النظر بصفة عامة فى شئون البلاد العربية ومصالحها الا أن هذه المهمة ظلت الأقل حظا فى الجهد العربى المشترك، لتناقضها مع الرؤية التقليدية لسيادة الدول الأعضاء ولمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية وهى الرؤية التى لا تأخذ بعين الاعتبار التطورات والتغيرات التى طرأت على هذين المبدأين خلال العقود الستة الأخيرة. ومن ثم، ونتيجة إحجامنا عن مواكبة هذا التطور، اضافة لعدم التزام الكثير من الدول الأعضاء بما يتم الاتفاق عليه، أصبحت الجامعة، فى حالات كثيرة بكل أسف وكل أمانة، عاجزة عن مواجهة أزمات تعصف بكيان بعض الدول العربية حتى لو هددت تلك الأزمة حياة الالاف من المدنيين الأبرياء أو سلامة واستقلال الدول مثلما رأينا على سبيل المثال وليس الحصر فى المأساة السورية وأحياناً فى بعض الدول التى هبت عليها رياح التغيير وتمر بمراحل انتقالية تتسم بالعنف وعدم الاستقرار.
وأكد ان الانتقادات التي توجه لفاعلية الجامعة العربية وأمانتها العامة كثيرا ما تكون قاسية وتقلل احيانا بغير حق من شأن الجهود التى بذلت عبر سنوات طويلة من العمل الشاق من جانب العاملين فى هذه المنظمة ومن جانب الدول الأعضاء الا أننا يجب أن نرى ما يكمن خلف قسوة هذه الانتقادات من رغبة عارمة لدى الشعوب العربية كافة فى تطوير دور الجامعة بشكل يرقى لطموحات الشعوب هذا هو التحدى الذى يواجهنا اليوم وسيحكم علينا أبناؤنا وسيحكم علينا التاريخ من بعدنا بقسوة ان لم نقبل التحدى ونرتفع لمستواه لافتا الى ان مشاكل العمل العربى المشترك والجامعة العربية كثيرة وكبيرة، ولكن لا مناص فى هذا المنعطف التاريخى الحاسم من التحلى بالجرأة والصدق اللازمين لمواجهتها بل واقتناص ظروف التحول الكبيرة التى يشهدها الوطن العربى واستثمار هذه الظروف للإقدام على الخطوات المطلوبة لتطوير العمل فى الجامعة.
وقال إن المرحلة الحالية تمثل منعطفا رئيسيا فى عالم عربى يتغير بسرعة وبعمق ولا شك لدى فى أن الجامعة ومؤسساتها يجب ان تكون جزءا من هذا التغيير إما بأن نجعل منها قناة للتغيير المسئول أو بأن نتركها للتيار العارم يجرفها فى طريقه فلا مناص أمام الجامعة من اعادة النظر فى أدائها وبنيتها ومؤسساتها ان أردنا لها مواكبة الظروف الجديدة والثقافة الجديدة التى تسود العالم العربى اليوم ومواجهة التحديات الكبرى التى تواجهها الشعوب العربية فإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان وتفعيلها وكذلك إعادة النظر في بنية ودور مجلس الأمن والسلم العربي أمران أساسيان لتفعيل دور الجامعة في مختلف القضايا العربية واعطائها المصداقية المطلوبة والضرورية.
وقال نحن قادرون إذا توفرت الرؤية والإرادة والعزم لدى المسئولين عن صنع السياسات العربية على تفعيل المنظمات والاتفاقات الجماعية العربية، ونستطيع أن نبنى انجازات ملموسة مثلما فعلت تجمعات ومنظمات إقليمية اخرى مثل الاتحاد الأوروبى بل ومثل الاتحاد الافريقي- وان نستخدم أساليب استخدمت فى رفع مستوى وتحقيق الأمن الاقليمي وأعتزم طرح مقترحات محددة حول هذه الموضوعات الهامة أمام القمة العربية القادمة فى الكويت نهاية الشهر القادم وأرجو أن تحظى هذه الأفكار بتأييد القادة العرب.
وأكد اننا أمام تحدي المشاركة الناجحة في صنع غد أفضل لشعوبنا ومجتمعاتنا ودولنا من خلال إرساء قواعد وآليات لتعاون فاعل قائم على المصالح المشتركة بين دولنا وإن النجاح في هذا المجال سوف يجعل من العرب قوة اسهام أساسية ليس فقط في صناعة المستقبل بل في صياغة عالم أكثر عدالة وأكثر أمناً وأكثر استقراراً.