وزير الاتصالات والنائب العام يوقعان بروتوكول تعاون لتنفيذ 10 مشروعات لتطوير وتحديث منظومة التحول الرقمى بالنيابة العامة    نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعا لمتابعة الاحتياجات من الطلمبات لشركات مياه الشرب والصرف الصحي    إعلام إسرائيلي: إيطاليا أعربت عن استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار بغزة    جوتيريش يطالب بمعاقبة المسؤولين عن الهجوم على قوات حفظ السلام في السودان    السعودية.. السماح للأجانب بتملك العقار وتطبيق النظام المحدث ينطلق قريبا    محمد علي خير: الأجور في مصر تحتاج إلى ثورة.. لا يمكن فتح بيت بأقل من 15 ألف جنيه    بعد مقتل 3 أمريكيين، قوات أمريكية وسورية تشن حملة تفتيش موسعة في "تدمر"    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    استشهاد طفل برصاص الاحتلال فى السيلة الحارثية غرب جنين    حبس مدير كيان تعليمي بدون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين    إحالة ربة منزل للمحاكمة بتهمة تعذيب وقتل طفليها بالعمرانية    لميس الحديدي: اتفرجت على "الست" مرتين.. الناس بتصفق بعد كل مشهد    ستار بوست| عبلة كامل تتحدث بعد غياب.. وقرار غير حياة عمرو يوسف    مصدر أمني ينفي ادعاءات إخواني هارب بوجود دعوات لتجمعات بالمحافظات    في دورته الثالثة.. محافظ المنيا يشهد ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح    رئيس الإنجيلية يبدأ جولته الرعوية بمحافظة المنيا    حفاظًا على صحة الأم والطفل.. الصحة تدعو للمباعدة «بين كل مولود وآخر»    نائبة بالأقصر تزور مصابي حادث انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    فيلم فلسطين 36 يفتتح الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية بحضور مخرجته وكامل الباشا    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    الصحة: لقاح الإنفلونزا يقلل الإصابة بنسبة 60% ويخفف شدة الأعراض    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    باريس سان جيرمان يفوز على ميتز في الدوري الفرنسي    الكتب المخفضة تستقطب زوار معرض جدة للكتاب 2025    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    أوروبا.. تعاون مشروط وتحمل مسئولية الحماية    توروب: الشناوي وشوبير؟ لست هنا لأصنف الحراس.. وهذا موقفي من عبد الكريم وديانج    رئيس هيئة المتحف الكبير بعد تسرب مياه الأمطار للبهو العظيم: تمثال رمسيس فقط الموجود في المنطقة المفتوحة    نائب وزير الصحة: نسبة الإصابات بكورونا لا تتجاوز ال 2% والإنفلونزا الأعلى 60%    طفل يلقي مصرعه خنقًاً.. ويُكشف عنه أثناء لعب أصدقائه بقرية اللوزي بالداقهلية    مصرع شاب تناول حبه غله سامة لمرورة بضائقة ماليه في العدوة بالمنيا    محامي عروس المنوفية: إحالة القضية للجنايات.. ووصف الجريمة قتل مقترن بالإجهاض    وزراء رحلوا وسيرتهم العطرة تسبقهم    أخبار مصر اليوم: الاحتياطي الاستراتيجي من زيت الطعام يكفي 5.6 أشهر، بدء الصمت الانتخابي في 55 دائرة بجولة إعادة المرحلة الثانية من انتخابات النواب غدا، الصحة تكشف حقيقة انتشار متحور جديد    توروب عن إمام عاشور: عودته من الإصابة تمنح الأهلي قوة إضافية    إسلام عيسى: على ماهر أفضل من حلمى طولان ولو كان مدربا للمنتخب لتغيرت النتائج    خلال ساعات نتيجة كلية الشرطة 2025    رئيس أريتريا يزور ميناء جدة الإسلامي ويطّلع على أحدث التقنيات والخدمات التشغيلية    الزراعة: التوعية وتغيير سلوكيات المجتمع مفتاح حل أزمة كلاب الشوارع    خالد لطيف ل ستوديو إكسترا: الكل مسئول عن تراجع الكرة المصرية    تراجع حاد في صادرات النفط الفنزويلية بعد مصادرة الناقلة والعقوبات الأمريكية    أخبار 24 ساعة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة عن شهر ديسمبر    العثور على جثمان تاجر مواشي داخل سيارته بالشرقية    المصل واللقاح: الإنفلونزا هذا الموسم أكثر شراسة    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    الداخلية تعلن نتيجة القبول بكلية الشرطة غدًا    "الإسكان" تناقش استراتيجية التنقل النشط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومعهد سياسات النقل والتنمية    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    استعدادات مكثفة بمستشفى أبو النمرس تمهيداً لافتتاحه    الليجا على نار.. برشلونة يواجه أوساسونا في مواجهة حاسمة اليوم    بيراميدز أمام اختبار برازيلي ناري في كأس القارات للأندية.. تفاصيل المواجهة المرتقبة    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات عن الحب والفن والألم فى حياة أسطورة السينما
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 03 - 2015

غدا الجمعة تمر 10 سنوات على رحيل أسطورة السينما المصرية النجم والإنسان والصديق (أحمد زكى - 27 مارس 2005)، والذى جعل من اسمه عنوانا كبيرا فى عالم التشخيص، فأصحبت له مكانته الدائمة فى قلوب ووجدان الجماهير قبل صناع الفن السابع، بفضل أدائه الاستثنائى واختياراته المتميزة.
10 سنوات ومازال يعيش داخلى بحبه وحكايته وشخوصه ووطنيته ومواقفه الراسخة، ونقاء قلبه " أنا خاويتك " .. هكذا قال لى ، وصارت تلك الجملة من أجمل وأرقى وأرق الكلمات التى كان قالها لي، ورغم مرور تلك السنوات مازلت أفتقد الأخ والصديق، وسأظل اليوم وغدا أشعر باعتزاز أننى كنت قريبا منه، بل كنت محظوظا بهذا القرب الذى امتد حتى أنفاسه الأخيرة، وأيضا شاهدا على كثير من التفاصيل والأحداث التى مر بها، آلامه ..أفراحه ..همومه الفنية، حتى رحله مرضه ورحيله.
خلال سنوات عمره استمتع المقربون منه بالعديد من الحكايات والمواقف التى تؤكد مكانته الفنية و الفكرية، وجعلت منه فنانا وطنيا يتمتع بقدرة خاصه على اختيار موضوعات لامست قضايا أمته، إنسانية كانت غارقة فى الواقعية، ورومانسية حالمة، وحياتية مفعمة بالأسى والحنين للجذور، ومن ثم قدم خلال مشواره أفلاما تناولت جميع الفئات والمهن، وزيرا وبوابا، رئيسا وضباطا، عاملا وجنديا، باختصار : كان مواطنا بدرجة إنسان .
عبر سنوات قربى منه شاهدت أحداثا كثيرة، وتحديدا آخر 10 سنوات من حياته، ومن حسن حظى آن كنت شاهدا أيضا على حكايات طريفة ومواقف مؤلمة، أحداث كثيرة أتذكر بعضها عن ظهر قلب، ونسيت بعضها فى زحمة التفاصيل، لكن لا أنسى يوم أن ودعته قبل ساعات من رحيله، خاصة لحظة أن دخلت غرفة العناية المركزة وهو فى كامل الغيبوبة، دخلت عليه وهو لايملك فى هذه الدنيا إلا أن يتنفس بصعوبة، أتذكر تلك اللحظة التى لم تغب يوما عن ذاكرتى، فهى الأشد قسوة فى سنواتى الاخيرة.
نعم هى كذلك وأكثر، فهل هناك قسوة وألم من أن تعرف أن صديق بحجمه عبقريته الفنية سيرحل بعد ساعات، لقد رحل أحمد زكى بعد رحلة معاناة، استراح للأبد تاركا ميراثا سينمائيا رائعا للشاشة، وخلف لأهله ومحبيه قيم فنية كبيرة، وعلى قدر عذابه كان إنسانا الكرم عنوانه والبحث عن الصدق غايته وإسعاد الآخرين أسمى غاياته.
والمتابع لمشوار آحمد زكى لابد أن يلمس أنه أحد الفنانين القلائل الذى استطاع أن يوازن بين النوعية التجارية والفنية، وبحسب قوله لى فى حواراته الممتدة معى فإنه كان يقصد هذا التنوع: " أنا عندما أوافق على فيلم أدرك تماما قيمته، فعندما قدمت "الراعى والنساء" كنت أعرف أنه لايحقق نفس النجاح الجماهيرى الذى يحققة "كابوريا" أو "الأمبراطور"، وعندما قدمت "زوجة رجل مهم" و"البرئ" كنت أدرك أنهما لا يحققان نفس النجاح الجماهيرى لأفلام مثل "شادر السمك" و"البيه البواب". أحيانا اشعر بأن هذا العمل أو غيره "هيعجب" الناس، واضاف: ولهذا كنت أحرص أن يكون العمل الذى يليه لابد أن " يعجب " الفنان الموجود داخلي، ولذل سعدت دوما بكل أعمالى التى حققت النجاح الجماهيري، وحتى تلك الأفلام التى حققت النجاح البسيط لأنها أسعدتنى كفنان .. ببساطة لأن هذه الأفلام عملت لى تاريخ، وأما الأخرى التى حققت النجاح الكبير فقد صنعت نجوميتى ."
تفرد "زكي" كممثل مجد ومجتهد بأنه كان صاحب مشروع سينمائى وطنى، ويتأكد ذلك من خلال فيلمى (ناصر 56 وأيام السادات) وعنهما قال : إننى تشرفت وقدمت هذين العملين وأعتبرهما خطوة كبيرة، لاننا فتحنا من خلالهما للمرة الأولى الحديث عن الزعماء والرؤساء بالأسماء الحقيقية، ونجحنا فى إظهار الحقائق للأجيال، بعيدا عن الدخول فى طوفان المهاترات السياسية، لقد قدمت (ناصر والسادات) كى استمتع وأمتع الجمهور بسيرة أبطالنا من زعماء مصر وبناة نهضتها، وعندما تصديت لهذه النوعية من الأفلام الوطنية، لم أكن أسعى لتمجيد نفسي، وإنما هدفى آن تعرف الأجيال الشابة الحقائق الراسخة فى سجل الوطنية.

فى الأهرام
نجاح فيلم "أيام السادات" الجماهيرى والنقدى وما به من أحداث وحقائق وقيم وطنية كان وراء قيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بتكريم أحمد زكى وأبطال الفيلم "مرفت أمين ومنى زكى وأحمد السقا، ومؤلفه الكاتب الراحل أحمد بهجت، ومخرجه محمد خان"، وذلك فى سابقة تاريخية بأن يقوم رئيس الدولة بمنح الأوسمة لهم، تقديرا لدورهم فى تقديم عمل فنى له قيمته التاريخية للأجيال القادمة.
ويوم توسيمه عبر أحمد زكى عن سعادته بالتكريم فى معظم وسائل الإعلام، ولكن يبدو أنه وبعد أن ارتاح من التعبير عبر كلمات فورية يوم تكريمه أراد أن يشكر "مبارك" بطريقته الخاصة، ولذلك فوجئت به يتصل بى هاتفيا يوم 3 يوليو 2001 ويطلب حضورى للأهرام، ويومها كانت انتخابات نقابه الصحفيين ونفس يوم افتتاح المبنى الحالى للنقابة، وسألنى عن مكاني، فقلت له فى الانتخابات، فقال لى إنه فى طريقة للأهرام، و طلب منى طلبا غريبا، وهو مقابله مسئولى الاعلانات بالجريدة، ليطلب بدوره عمل "إعلان مدفوع" على نفقته وفى الصفحة الاولى نظير مبلغ مالى كبير، ويومها قال لي: أردت أن اقول للرئيس، كلمة حب من قلبي، عبر إعلان بالأهرام، وبالفعل نشر الإعلان فى الصحفة الأولى يوم 4 يوليو 2001، تحت عنوان "تلغراف" قائلا فى نصه: السيد الرئيس محمد حسنى مبارك، شعرت فى اللحظة التى منحتنى فيها الوسام أننى حصلت على أجرى عن عمرى الفنى كله، حصلت عليه فى لحظة واحدة، أشكرك وأؤيدك وأحبك".

أول فنان يجسد رئيسين
أتذكر يوما عندما سألته عن إصراره على تقديم فيلمى "ناصر 56 وايام السادات" فقال لى : "أنا مواطن أولا، ومهموم بوطنى ومهنتى التمثيل، وإذا كنت قد تعرضت فى كثير من أعمالى لمشاكل الرجل والإنسان البسيط، وألقينا الضوء على ماكبر وصغر شأنه,، فما بالك بأصحاب القرار من الزعماء، وأنا أحمد الله اننى تشرفت وقدمت هذين العملين، وأعتبرهما خطوة كبيرة، لأننا فتحنا من خلالهما لأول مرة الحديث عن الزعماء والرؤساء بالأسماء الحقيقية، ونجحنا فى إظهار حقائق فى تاريخنا تبقى زادا للأجيال على اختلافها.

رسالة من بريده الخاص
قبل وفاتة بآيام قليلة اتصل بى فى الصباح الباكر الفنان التشكيلى ابن خاله سمير عبد المنعم - رحمه الله عليهما جميعا - والذى كان يرافقه طوال رحله مرضه، وقال لى الأستاذ يريدك، فذهبت إلى المستشفى ، وجلست يومها معه ساعات طويلة، وأثناء وجودى معه طلب من سمير أن يعطينى بعض الرسائل التى جاءت له من محبيه، شباب وكبار، والتى كانت تحمل دعوات بالشفاء، يومها داعبنى بقوله : "يا سمير خد 100 جنيه من محمود لاننى سأعطيه سبق صحفي، وضحكنا، وبعد ذلك طلب منى قراءة رسالة بالتحديد، وقرأتها كاملة، وكلما انتهيت منها يطلب منى إعادة القراءة نحو 3 مرات، وبعدها طلب منى نشر تلك الرساله فى الاهرام، وتلك الرسالة كانت من فتاة عمرها - وقتها 20 عاما- تقول: " الأستاذ أحمد زكى .. إننى وجيلى لم نعاصر زعماء مصر السابقين، ولم نعرف الكثير عنهم ، ولكن ببراعتك الشديدة جعلتنا نعرفهم، بل ونحبهم، وأكثر من ذلك إننى شعرت وكأننى عاصرتهم "، مع هذه الجمله معها شعرت أن احمد زكى فى حالة انتصار رغم الألم الذى يحاصره .. كان فى حالة رضا وسعادة .. شعرت ولمست مابه من نشوة، وكأنه حصل على جائزة كبيرة، وهو على فراش المرض ووسط آلامه .ويبدو بريق هاص فى عينيه يعكس أن حقق ما أراد، فهذا هو ما راهن عليه عندما قدم ناصر والسادات، لقد راهن على الأجيال الشابة فى كل عصر وزمن، أولئك الذين لم يعاصروا أمجاد الزعماء .. شعرت يومها أن احمد زكى - رحمة الله عليه - يريد أن يقول " أنا انتصرت على الذين هاجموني، وانتصرت للأجيال التى انتصرت لي".

ممنوع الحضور بالأفكار المسبقة
تذهب بى الذكريات إلى محطة أخرى، ففى أثناء التجهيز للعرض الخاص لفيلم "أيام السادات" قال لى : كان نفسى أكتب على الدعوة "ممنوع الحضور بالأفكار المسبقة" على شاكلة: "مؤامرة ضد السادات، وصفقة حذف القدس عربية"، فما لايعرفة كثيرون أن أحمد زكى عانى ماديا جراء تصديه لإنتاج هذا الفيلم، فقد واجه ضغوطا كبيرة من جانب بعض الشركات، بهدف عدم إنتاج الفيلم، لكنه أصر ونجح وحقق ما أراد، ومن المفارقات أيضا أنه بعد عرضه تعرض الفيلم للسرقة، ويومها أتذكر أنه أعلن اعتزاله إرضاء لمافيا الفيديو وال DVD، وقال لي: أانا قعدت بجوار الفيلم 4 سنوات، ورفضت العديد من الأفلام، وعندما نجح الفيلم بدأت الحرب ضدي، بهدف إحراجى وعدم قدرتى على تسديد ديونى التى اقترضتها من البنوك لإنتاجه، وهذا سيدفعنى للهروب بعيدا عن الفن .
وعلى الرغم من حاجة أحمد زكى للأموال لتغطيه ما قام به من تكاليف ضخمة فقد كشف لى مرة عن رفضه بإيمان خالص لرسالته لعرض مادى مغر من إحدى شركات التوزيع، شرط حذف جزء من خطاب الرئيس السادات فى الكنيست الإسرائيلي، وذلك نظير مبلغ طائل كان كفيلا بإعادة التوازن المادى له، واكتفى بالقول: أشرف لى أن أخسر من أن أبيع واشوه بلدى، أو أغيرتاريخ بلدي، وبغضب وانفعال قال: انهم يريدون حذف الخطاب الذى أكد فيه الرئيس الراحل أنور السادات على أن مصر لم تقوم بعمل سلام منفرد، وأيضا أرادوا حذف الجزء الخاص من خطابه الذى أكد فيه أن القدس عربية، وكل ما جاء فى الخطاب من كلمات تؤكد أن مصر دائما مع السلام، وتقف مع الشعب الفلسطينى .
هذا الموقف وغيره من المواقف يؤكد أن أحمد زكى فنان وطنى بامتياز، ولعله بموقفه هذا أعطى درسا للأجيال فى معنى وقيمة الوطن، والمحافظة على رموزنا، والتاكيد على الدور الكبير الذى لعبته مصر دائما لمصلحة الشعوب العربية.

الناصريون والسادات
بعد الحروب الكثيرة التى تعرض لها للنيل من "أيام السادات" وتسريب نسخته قبل العرض، وغيرها من المحاولات اللاإنسانية ،جاء موعد مسابقة المهرجان القومى للسينما، وفى سنة مشاركة الفيلم فى المسابقة كان معظم لجنة التحكيم من أصحاب الاتجاه الناصرى برئاسة المخرج توفيق صالح، ويومها كتبت موضوعا بعنوان "الناصريون حرموا السادات من الجوائز" ، وبعدها بفترة طلبنى للذهاب إلى منزله وأخذ يعدد لى كم الجوائز التى حصل عليها، والتى تزيد على 50 جائزة دولية ومحلية، وقال لى "أنا مش محتاج جوائز أنا " محتاج العدل "، وعلى الفور قفز لذهنى قوله لى قبل العرض الخاص للفيلم " كان نفسى أكتب على الدعوة ممنوع الحضور بالأفكار المسبقة".

أكرة الشفقة
لقد تربيت فى بيوت الأسرة من الأخوال والأعمام، ومنذ صغرى ولدى عقدة آن يقول أحد انى يتيم - هكذا يقول أحمد زكى الفلاح البسيط عن نفسه - مضيفا : كما أكره أن آعبر عن ألمى بعد عملية جراحية هنا - وأشار إلى ذراعه - وقال : " هذه حقنة بلهارسيا وأنا عيل، الراجل أعطانى حقنة فى الوحدة الصحية، وهو بيكلم صاحبة ضرب الحقنة فخرجت من الناحية التانية، لذلك ذراعى بقه كده، وكان الألم شديدا لا تتخيله، ومش عايز أقول آه، عشان محدش يقول لى : معلهش يا حبيبي، أنا باكره الشفقة، كنت أحب اقعد مع أصحابى عشان مكنوش بيتكلموا فى حتة اليتم، أكره الكلام اللى من بره، أنا باحب كل حاجة بجد، وصدق اللى يقولى مبروك،أو اللى يوجهنى، ومن هنا كرهت الشفقة وبدأت أغرق فى تأملاتى مع نفسى وذاتى".

إسعاد الآخرين
أشياء كثيرة لا تجد طريقها إلى أوراق الصحف لأنها خاصة ولا يعرفها إلا المقربون منه، فحياته كانت مليئة بالأشياء الجميلة، بل إنه من أولئك النادرين الذين يعطون دائما، فيداه دائما كانت تدخل جيوبه وتخرج أموالا للبسطاء ممن يرى أنهم فى حاجة إلى مساعدة و يقول : أنا لا أعطى من عندي.. إنما يأمرنى الله أن أعطى فأعطي، فهذه أموال الله، الله سبحانه وتعالى أعطانى موهبة وفلوسها"، وكل أصدقائه يعرفون الحقيبة الصغيرة التى كانت تلازمه، وأتذكر اثناء أيام مرضه الأولى فى يناير2004 ، وكان عيد الاضحى على الأبواب، قال لى بسعادة متجاوزا الأزمة وأيامه: "تعرف أنا ارسلت العيدية لكل البلد، عشان الناس تعرف تفرح بالعيد، وعلى فكرة محدش يعرف إنى هنا فى المستشفي"، وليس ذلك سوى درس وقدوة ومثل فى التراحم، فكان وسط آلامه لاينسى مسئولياته، يسعى دائما لإسعاد الآخرين.

هو و سعاد حسنى
يوم 19 فبراير2003 كشف لى أن هناك 5 حلقات من مسلسل "هو وهى" الذى قدمه مع سعاد حسنى لم يتم تصويرها، وأتذكر يومها انه اتصل بالكاتبة الكبيرة "سناء البيسي" وقام بتذكيرها بالحلقات والمسلسل الذى وصفه أنه من أجمل الأعمال التى قدمها. وبمناسبة الحديث عن "هو وهي" اختم بواحدة من أجمل حكاياتى معه وكان ذلك وقت رحيل الفنانة الرائعة سعاد حسنى فى يونيو2001، وفى تلك الفترة اختفى تماما ولم يدل بأى كلمات عن سعاد حسني، وهى المواضيع التقليدية التى نقوم بها بعد وفاة فنان، وظل لا يرد على تليفونه لمدة عشرة أيام حتى عصر الأول من يوليو2001 اتصل بى وطلب ضرورة آن نلتقى بالفندق، وكان يومها يرتدى جلبابا أبيض وأخرج ورقة مكتوبة بخط يده، وطلب منى قراءتها، ولأنى صحفى اعتبرت ذلك سبقا خاصا بى للنشر، يعبر فيه عن حبه لسعاد حسني، ولكن كانت المفاجأة أن ما قراته كانت كلمات المشاطرة المدفوعة التى أراد ان يقولها فى وداع سعاد حسنى وبالفعل ذهبت للأهرام وتم نشر الاعلان. وكان كالتالي: " ( إليها هى ).. إلى الفنانة سعاد حسنى ، يا أكثر الموهوبين اتقانا ، وأكثر العباقرة تواضعا ، وأكثر المتواضعين عبقرية ، بوجودك ملأت قلوب البشر بهجة ، وبغيابك ملأتها بالحزن ، استريحى الآن .. إهدئى ، يا من لم تعرفى الراحة من قبل، لك الرحمة وكل الحب والتقدير، أسكنك الله فسيح جناته ، يا من جعلت حياة الناس أكثر جمالاً .

وجيهان السادات وهيكل
لم يكن أحمد زكى فى يوم قريبا من سلطة أو نظام، ولم يسع أبدا للتقرب من أحد، بل كان كل هدفه أن يقدم فنا للأجيال، فنا يعيش و يحمل اسمه الكبير، ولهذا عندما ضربه المرض لم يصدق أنه محبوب إلى هذه الدرجة من جمهوره العريض، ومن القيادة السياسية بقيادة الرئيس مبارك التى وقفت بجانبه بكل حب، وخلال فترة مرضه أتذكر أن الجميع زاره، وزراء وفنانون وصحفيون ورجال دين.
وكان أحمد زكى حريصا أن احضر كثيرا من الزيارات، وكان يتصل بى قبلها، ومنها زيارة الكاتب "محمد حسنين هيكل" وكشف يومها الأستاذ هيكل وفى حضور الكاتب "عادل حمودة" ربما للمرة الاولى عن تجربته الشخصية المريرة مع مرض السرطان، والذى شفى منه وفى اعتقادى ان سبب كشفه عن اصابته وشفائه من السرطان كان نوعا من الذكاء الهيكلى على سبيل الدعم المعنوى لأحمد زكي، ورفع حالته المعنوية، أما زيارة السيدة "جيهان السادات" له فلم تكن يومها بمفردها، وإنما كان بصحبتها عدد من أفراد أسرتها وحفيداتها، وكان استقباله لهم مليئا بالود والحب وعلى طريقة أدائه فى فيلم "أيام السادات"

حكايات من أيام المرض والألم
كنت من أوائل من عرفوا بخبر مرضه، ويومها طلب منى ألا يعرف أحد التزمت بذلك، ولكن بعد أن علمت القيادة السياسية بخبر مرض أحمد زكي اضطررت للنشر، وكان قبلها بأيام وتحديدا في22 يناير2004 ، طلب منى أن أكتب رحلة مرضه على لسانه، وقال لى يومها بالحرف الواحد " أحسست بثقل فى صدرى وخشونة وطلبت إجراء أشعة على الصدر والرجلين، ثم بعد ذلك اكتشفت أنه التهاب رئوى حاد وماء فى الغشاء البلوري، وقال لى الدكاترة لازم أدخل المستشفي، فقلت : لا أقعد فى البيت وآخذ الأدوية، وقعدت فى البيت 5 أيام ولكن تعبت، وذهبت إلى دار الفؤاد. وبعد الفحوصات والأشعات، عملوا بذل للماء فى أول مرة لتر ونصف لتر على الرئة ثم لترين، إلى أن وصل إلي6 أو7 لترات، يضحك: أنا طول عمرى كنت أسمع أن الماء على الرئة معلقة أو أكثر قليلا، وإنما 6 لترات شيء لا يصدق.
ثم وجدته يأخذنى إلى حديث فلسفى ويحمل الكثير من نقائه الذى استمر حتى وفاته، وقال: أنا مشغول بقضية الإنسان، فكنت أتناقش مع نفسى فى هذا الأمر، وقلت عندما يكون الإنسان يطلب حقا أو شيئا من إنسان آخر، لماذا لا يضع نفسه مكان الآخر؟، ووجدت أن الإنسان لو وضع نفسه مكان أخيه الإنسان وجدت أن الزعل منه يخف لأن كل واحد عنده ظروف..
فأنا أتمنى أن كل إنسان زعلان يضع نفسه مكان الآخر وهذا على مستوى الأشخاص والدول، وقلت أعملها على مستوى المرض، أنا عيان وساعات كثيرة، ممكن يكون لى زميل مريض أو عنده ظروف وأكون مسافرا أو عنده تصوير، وعلشان يزور واحد مريض يقعد يبحث عن وقت علشان يزورنى مثلا، وإذا فات يوم ولم يأت هيزعل أكثر من نفسه.. لكى يقوم بالواجب، ولهذا قلت أخفى خبر مرضى حتى لا أزعج الناس، أنا عارفهم فهم بيحبونى وأنا أحبهم والحمدلله.

لماذا حرق
خطابات جمهوره
كشف لى مرة وقبل وفاته بقليل انه قام بحرق خطابات جمهوره ومحبيه التى بها كلمات حب، عندما شعر أن موته اقترب حتى لا يضار أحد بعد موته.

آخر عيد ميلاد

كنت واحدا من خمسة أشخاص مقربين فقط حضروا آخر عيد ميلاد له، وهم الفنان التشكيلى وابن خاله الراحل "سمير عبد المنعم والمخرج عصام المغربى ومدير أعمالة محمد وطنى وشخصية أخري"، وكان ذلك يوم18 نوفمبر2004، ويومها تلقى العديد من باقات الورود والتى حرص أصحابها على كتابة أرق وأجمل الكلمات والتى حملت أيضا- وقتها- الدعاء بالشفاء.
وبرغم خجله الشديد ورفضه القاطع لعلنية عيد ميلاده، إلا أننا أصدقاؤه المقربون حرصناعلى الاحتفال بعيد ميلاده. فاجتمعنا نحن الخمسة واحتفلنا به بطريقة بسيطة، واتذكر أنه تخلل الساعة التى حضرتها معه قام بتقديم مفاجأة لنا حيث عرض(50 ثانية) من البروفة المصورة التى أجراها لآخر أفلامه، وهو يتقمص شخصية حليم، وقدم فيها مطلع أغنية للعندليب عبدالحليم حافظ، وبدا من المشهد الذى عرض على شريط فيديو وكأنه "حليم" شكلا وأداء وحركة، ومع انتهاء الخمسين ثانية ارتسمت على وجهه السعادة والرضا.
هذه بعض حكاياتى مع أحمد زكى التى لا تنتهي، والتى تؤكد أنه فنان وإنسان يحمل من القيم الإنسانية ما جعل منه فنانا كبيرا بأفلامه ومواقفه، أو كما قال فى نهايه فيلم حليم : " ميهمنيش أموت دلوقتي... ميهمنيش أموت بعد ميت سنه... أنا يهمنى لما أموت افضل محافظا على مكانتى ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.