فى كرة القدم.. ثمّة مقولة تتردد دائما على ألسنة المعلقين والنقاد والخبراء الرياضيين.. هى «فلان استعاد ذاكرة التهديف».. يعنى أن اللاعب عاد يحرز الأهداف من جديد بعد طول صيام. . أما اليوم، فقد أعاد لنا شاب «نابغة» ذاكرة أخرى أوشكت أن تضيع منّا.. تلك هى ذاكرة الفرح!هذا الشاب مصرى( آى والله!).. وهذا الشاب من الفلاحين( يعنى غلبان مثلى ومثلك!).. ثم أن هذا الشاب هو لاعب لكرة القدم فى زمن ماتت فيه عندنا كرة القدم، أو لنقل إنها (بتطلّع فى الروح!).. وهى التى ظلت- بالنسبة لنا ولوقت طويل- بمثابة بلسم الروح... هذا الشاب؛ المصرى، النابغة، الغلبان، ابن الفلاحين، صانع فرحتنا، اسمه محمد صلاح!قل لى ولا تراوغ.. ألست- عند شرائك الجريدة- تبحث، أول ما تبحث، عن أخبار محمد صلاح؟ ألست- بعد كل مباراة يشارك فيها مع فريقه الإيطالى فيورنتينا- تكاد تطير من الفرحة إن أنت قرأت أنه أحرز هدفا أو هدفين؟ ألا تنتابك مسحة من غمّ إذا قرأت أن المباراة مرّت دون مشاركته أو تسجيله هدفا؟ ألم تسمع صرخة الجماهير، المحملقة فى التليفزيون، تتحسر عندما ضيّع القائم هدفا مؤكدا لصلاح فى شباك روما؟ ثم.. ألم يملؤك الفخر عندما علمت أن الوشوشة التى همس بها رئيس الوزراء الإيطالى فى أذنى الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، كان موضوعها حبيبنا محمد صلاح؟ ترى.. ما سر تلك الفرحة مع أن المسألة- طلعت ولّا نزلت- هى مجرد كرة قدم؟ تستطيع سيادتك الحديث عن أربعة أسرار: أولها؛ أنك اكتشفت أن مصريا مثلك( يعنى واحدا مننا!) مازال قادرا على الإنجاز والأداء المنضبط المنظم الراقى، على الرغم من الادعاءات الكاذبة المغرضة اللئيمة بأن المصريين قد جف عندهم ضرع الإبداع، وباتوا قوما كسالى، منزوعى الحيلة، لا همّ لهم إلا الأكل والنوم وإنجاب العيال! يااااااه.. معقول.. أهذه الأرض مازالت قادرة على إنجاب المعجزات؟ يا ناس.. وما الغريب فى ذلك؟ وهل كفّ المصريون يوما عن إدهاش الدنيا.. وخطف أنظار التاريخ؟ ما الغرابة إذن فى أن تنجب تلك الأرض واحدا كمحمد صلاح، بل مليونا مثل محمد صلاح؟ ألا فليسامح الله الذين أفقدونا ثقتنا فى أنفسنا.. وزرعوا فينا الانهزامية والعدمية والسلبية.. وألهبوا ظهورنا بسياط الاستبداد واللصوصية وكرابيج الفساد! فأما السر الثانى للفرحة.. فهو اكتشافنا المفاجىء أننا لسنا أقل من الآخرين.. وها نحن قادرون أن نحرز فيهم الأهداف.. وننتزع آهاتهم وتصفيقهم ودهشتهم.. فما المشكلة فى أن نكون مثلهم( بل أفضل) فى بقية المجالات؟ ما الذى ينقصنا يا خلق الله؟ تريد الحق؟ تنقصنا الإدارة! .. والسر الثالث؛ أن كثيرا من الشباب- الآن وهم يتفرّجون بانبهار على صلاح- لا شك قائلون لأنفسهم: نعم.. يمكننا أن نكون مثله، ونطوّر أنفسنا، ونجتهد، فلكل مجتهد نصيب.. وكما تقول الحكمة الشهيرة: «إن علىّ أن أسعى.. وليس علىّ إدراك النجاح».. فالنجاح بيد الله تعالى سبحانه. .. ورابعا؛ فإن تألق صلاح لم يأت من فراغ.. ولا نتيجة للفهلوة، أو الحنجلة، أو الواسطة والمحسوبية والمجاملات التى ضيعتنا.. بل جاء نتيجة للعمل الدءوب، والتعب، والانضباط، وفهم أصول الاحتراف وقوانينه.. وبالتالى فلا مانع أبدا من أن تكرر أنت النجاح نفسه، وتتألق فتصير نجما.. إن أنت التزمت بقواعد العمل، واشتغلت على نفسك، وطورتها حتى لو أحاط بك «البكاشون»!. إن الرسالة هنا هى أن تعبك ومعاناتك ومثابرتك وصبرك لن تذهب أدراج الريح.. وإن حدث وفشلت مرة، فانهض وحاول من جديد.. ولا تجعل السقوط نهاية رحلتك، بل بدايتها.. وأمامك الدليل؛ هاهو شاب بسيط مكافح ذو إرادة حديدية- ومن الأرياف!- استطاع أن ينبغ، فتحتل أخباره الصفحات الأولى من جرائد الدنيا. فلماذا لا تكون أنت أيضا مثله؟ هيا توكل على الله..وحاول مرة ومرتين ومرات.. وسوف تصل! لمزيد من مقالات سمير الشحات