عاصم عبد المحسن ثمة بيننا من لا يزال يؤمن أن الشعب المصري لم يبلغ سن الرشد بعد وأن هناك حاجة لمن يفكر له ويقرر نيابة عنه. وثمة بيننا من لا يزال يؤمن أيضا أن من الممكن صرف الشعب عما يريد عن طريق الحنجلة أي الاتيان بما هو شاذ من القول والفعل بحيث ينشغل الناس بما هو ثانوي ليتم في النهاية حرفهم عن جادة الطريق. المفارقة أن إيمان الفريقين يأتي بعد ثورة خرجت فيها الملايين الي ميادين التحرير في مصر وتصدي فيها الشباب بصدورهم العارية لرصاص أعداء الشعب تأكيدا لانهم ليسوا متاعا يورث حتي أجبروا رأس النظام علي التنحي. وأكد نحو 18 مليونا من المصريين استردادهم لحقهم في حرية قرارهم عندما صوتوا علي التعديلات الدستورية ومارس قرابة 30 مليونا مصريا حق الاختيار في انتخابات مجلس الشعب. كل هذا يعني أن هذا الشعب قد طلق طلاقا بائنا بينونة كبري العهد الابوي والوصائي الذي ظل جاثما فوق صدره عقودا من الزمن بعد أن دفع من دمائه الثمن المطلوب لاتمام هذا الطلاق. لكن يبدو أن هناك من لا يزال مصابا بقصر نظر سياسي يعجز عن رؤية وفهم واستيعاب هذه الحقيقة واستخلاص عبرها فيتصور أنه قادر علي أن يقرر نيابة عن الشعب بمثل ما إن هناك من لا يزال مؤمنا بقدرته علي تضليل الناس من خلال الحنجلة. لقد كانت الحنجلة ابتداء هي التي عمدت الي إدخال الشعب متاهة الدستور أم انتخابات مجلسي الشعب والشوري أولا ثم ها هي وهي تراه يدخل متاهة انتخاب الرئيس أم الدستور أولا تتحنجل بالحديث عن رئيس توافقي. بعض الالفاظ لا شبهة فيها حين تكون في سياقها الطبيعي لكنها تتحول الي إهانة حين توضع في غير مكانها. التوافق مطلوب في الدستور لانه يمثل قبولا من كل أطياف المجتمع بحد أدني يلتقي عنده الجميع. الرئيس التوافقي إهانة لارادة شعب ثار علي شكل من أشكال التوافق وهو التوريث لانه يريد أن يقرر لنفسه بنفسه. ابتداء من أعطي المتحدثين عن الرئيس التوافقي حق الحديث والتشاور والاتفاق؟ بأي تفويض ومن يحدد هؤلاء شخص من يتوافقون عليه؟ ماهي سلطاتهم في عقد مثل هذه الصفقة وعلي أي أساس سوف يتم فرضها أو تمريرها؟ قد تكمن الاجابة في وجود مصالح آنية وأخري مستقبلية تربط بين من فكروا وتآمروا بليل في غيبة من الشعب في محاولة منهم لتمرير هذا المخطط. لهذه الاطراف مصلحة في أن يكون هناك رئيس "عينه مكسورة" لانهم أصحاب الفضل عليه بحيث لا يمكن له أن يرفع عينه فيهم عندما يريدون تمرير ما يشاءون. أصحاب هذا النمط من التفكير لا يختلفون في شيء عن الرئيس السابق في سعيه لتوريث ابنه ولا يختلفون في شيء عن رئيس وزرائه أحمد نظيف عندما قال إن الشعب المصري غير مؤهل بعد للديمقراطية. يا أيها الذين تقررون نيابة عنا خيب الله سعيكم وجعل تدميركم في تدبيركم ولا نقول لكم "يا بخت من وفق راسين في الحلال" بل نقول لكم ما قاله عرابي إننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم وسوف نلعنكم في كل صلاة.