ما بين الوهم والانطباعات العابرة والمبالغات تم تشويه المرأة المصرية في الذهنية الغربية لتظل حفيدات إيزيس وهاجر المصرية والقديسة فيرينا ابنة قوص وراوية ومفسرة الاحاديث السكندرية ترفة بنت الرازي أسيرات لصور نمطية لا تخلو من الاستعلاء بلغت الذروة في العام الماضي بظهور دراسة عن مؤسسة «تومسون رويتيرز»تؤكد أن مصر أسوأ مكان في العالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة..!! والحقيقة أن اللغة التقريرية الصادمة في تقارير هذه المؤسسة وغيره من الاوراق الصادرة من وراء البحار عن أحوال مصر والمصريين والتي كان للمرأة المصرية فيها نصيب وافر من مبالغات فجة لا تمت بصلة لطبيعة وثقافة المصريين ليست وليدة اللحظة .. فهذه النتائج سبقها تاريخ طويل من كتابات لرحالة ومستشرقين وبعض كتاب الشرق حفلت َ بصور غرائبية تم التكريس لها إما بسبب غياب المعلومة الصحيحة أو مع سبق الإصرار والترصد لمغازلة خيال القارئ الغربي والدفع باللعبة السياسية في اتجاهات يعينها. فمن المعروف أن مصر كانت مثارا لاهتمام الرحالة علي مر العصور وأن جزءا غير قليل من تاريخها الاجتماعي والثقافي ، الذي كُتب بأقلام الأجانب، حظيت فيه المرأة المصرية بنصيب ليس باليسير من الحكايات وبحظ أوفر من المغالطات والتعميمات الخاطئة حتى في كتابات هيرودوت المُلقب ب « أبو التاريخ»!! ولعل حاجز اللغة واستحالة تواصل الرحالة الرجال مع المصريات فيما عدا فئات بعينها وصعوبة تواصل نسائهن مع القطاع الأعم الممثل للمرأة المصرية بسبب عائق اللغة و صعوبة إقامة علاقات اجتماعية حميمة سواء مع العائلات المصرية الدنيا والمتوسطة أو مع نساء الأمراء المختفيات وراء أسوار الحرملك، كانت كلها أسبابا لاستمرار الصور النمطية التي تم التكريس لها حتى بأقلام بعض المؤرخين العرب في العصور القديمة .. وبحلول القرن التاسع عشر وتزامنا مع تنامي الأطماع الاستعمارية وهروب عدد من اتباع مذهب السانسيمونية واستقرارهم بمصر تعددت الكتب التي تناولت مصر وأحوال المرأة المصرية ، بدءا من سطور كتبتها فيفان دينون أثناء حملة نابليون علي مصر وكتاب سوزان فولكان السانسيمونية الهاربة لمصر من بطش نابليون ،مرورا بشهادات الرحالة الأوربيين ،رجالا ونساء ، التي واكبت ارهاصات ظهور الفكر الاستشراقي الكلاسيكي وانتشار المتضادات من قبيل روحانيات الشرق ومادية الغرب . في هذا السياق تم اتخاذ المرأة رمزا للشرق وتحميلها بكل صور الغرب النمطية عنه. فيشير ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق لظهور الشرق في كتابات المستشرقين في صورة أنثي غامضة تجذب الغربي بسحرها لتظل الصورة شرقا غامضا كأنثاه ،وليتأرجح المشهد ما بين الرومانسية الشديدة والخيالات والأحلام وبين الصور الكئيبة لبلاد غامضة.. ورغم أن تلك الفترة شهدت ظهور كتابات لنساء أوروبيات عن المرأة المصرية إلا أن معظمها لونته رؤى مسبقة عن الشرق وخلفية ثقافية مختلفة كرست لها حكايات سطحية ومشاهدات افتقدت للغة حوار مشتركة بين الطرفين مما أدي لغياب دلالات بعض الطقوس والتقاليد ،الامر الذي ظهر في كتاب وينفريد بلاكمان «فلاحين مصر- 1926» ومن قبله في سطور فولكان عندما تصورت أن الزغاريد صراخا!! و في كتابها «الحياة الشرقية حاضرها وماضيها- 1864» وصمت هارييت مارتن النساء بعد زيارتها للحريم في القاهرة ودمشق بالكسل والجهل وافتقاد الروح والعقل وأنهن يعانين التخمة بسبب تناول الاطعمة الدسمة. كما وصفت الكاتبة اميليا ادواردز نساء الطبقة الوسطي بالخمول العقلي معتبرة أن الفلاحات اللاتي لم تعفيهن من نفس الوصف اسعد نساء مصر رغم فقرهن لأنهن يعملن في الحقول في الهواء الطلق تحت اشعة الشمس الساطعة..!! والحقيقة أن الأمثلة السابقة تشي بأن المصرية لم ينصفها الرحالة ولا حتى بنات جنسها الشقراوات ،فلم يظهر في سطور الارستقراطيات منهن«مثل ليدي سارة هيج و الكونتيسة ايدا» سوي عالم الحريم الغامض المبهم،أو جهل وبلادة اعتبرتها كاتبات جسدن التحولات الفكرية المواكبة للثورة الصناعية في اوروبا«كسوزان فولكان وفلورنس نايتنجيل والرحالة الالمانية ايدا هان هان»صور للمذلة والاستعباد.. كذلك فإن التعميمات والقياسات الأوربية التي امتلأت بها صفحاتهن أغفلت البعد السوسيوثقافي في مصر ومراحل التدرج للانتقال من ثقافة المجتمع الزراعي والإقطاعيات للمجتمع الصناعي ومفهوم الدولة الحديثة. ولعل ما سبق كان البداية واصل حكاية نعيش تداعياتها حتى اللحظة ..لكن المؤكد أن حكايات بنت مصر ما تزال تنتظر رواية جديدة بلا أوهام وتهويل أو تهوين.. لمزيد من مقالات سناء صليحة