في بداية وجودي في مدريد حيثسافرت الي العاصمة الاسبانيةبدعوة من مؤسسة سيدات الفن للحديث عن صورة المرأة المصرية في الاعلام قبل واثناء وبعد الثورة في اطار مؤتمر( نحو دستور مصري جديد يناصر حقوق المرأة) ولم يكن معقولا ألا التقي الصديق الاسباني جوركا اياديثورا, اهم واشهر الصحفيين الاسبان, وانضمت لصحبتنا لولا بانيون الاعلامية والاستاذة بجامعة بالنسيا.. وخلال جلسة مطولة, شرحت لهم فيها حرية الصحافة في مصر قبل وبعد الثورة ومشاكل التحول الديمقراطي, ثم سألتهما عن عملية الديمقراطية وكيف دارت في أسبانيا بعد40 عاما من الديكتاتورية. وبادر جوركا والذي يعمل ايضا مقدم برامج في تلفزيون اقليم الباسك, بالاجابة قائلا: يعتبر موت فرانكو بمثابة العجلة التي اسرعت عملية التحول وسمحت للاسبان باستعادة حقوقهم المسلوبة واستمرت هذه الفترة التاريخية عدة سنوات ولكنها نموذج ناجح في التحول السلمي للسلطة, حيث تم اجراء اول انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة, علاوة علي كتابة الدستور, وهاتان العمليتان اخرجتا البلاد من نفق مظلم استمر فترة طويلة. واشار جوركا الذي انفجرت في يده رسالة ملغومة ايام حكم فرانكو وقطعت اصابعه, الي ان عملية التحول الديمقراطي لم تكن سهلة, خاصة بسبب المحاولات الانقلابية. وهنا التقطت لولا بانيون خيط الحديث, لتؤكد ان الديمقراطية لا يمكن الوصول اليها عن طريق القوانين فقط, بل لابد من توافر رغبة شعبية وارادة سياسية. .. واثناء سيري في مساء أحد الأيام للنزهة في ميدان( بلاسا دي مايور) التقيت مصادفة الكاتب والصحفي الدكتور طلعت شاهين. قضينا ساعات سويا تحدثنا فيها عنالتجربة الديمقراطية الاسبانية وكيف نستفيد بها في مصر وهذا كان همي الاول اثناء رحلتي لتلك الدولة الرائعة. ملكية دستورية وحكم ديمقراطي تالتقطت اطراف الحديث وسألته عن الفرق بين التجربة الأسبانيه بعد مرحلة فرانكو حيث عاش هذه الفترة منذ بداياتها, فقال: لقد عشت فترة التحول الديمقراطي في أسبانيا من خلال عملي كمراسل صحفي لبعض وسائل الاعلام العربية, تابعتها بشكل دقيق لقد تم التحول من داخل النظام لان الملك خوان كارلوس أصر علي ان تكون الملكية( دستورية) والحكم( ديمقراطي) علي غرار النظام الأوروبي, فاتصل بكل الاحزاب السرية والمسموح بها, وعرض الملك علي هؤلاء أفكاره وسمع منهم وجهات نظرهم وتم صياغة ورقة بناء عليها تم الاعتراف بالاحزاب السرية وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف علي عملية التحول الديمقراطي, وقد تم اختيار مجموعة من خبراء الدستور يمثلون جميع أطياف المجتمع الأسباني لصياغة هذا الدستور وتم طرحه للاستفتاء, وأجريت أول انتخابات ديمقراطية عام1978, و نجح في هذه الحكومة تحالف( يمين الوسط). ويستطرد طلعت شاهين قائلا: وقياسا علي الحالة المصرية, فان فوز الاخوان والسلفيين في دورة أو دورتين لا يعني بالضرورة أن الأغلبية مع التيار الديني, وانما هنا اغلبية صامتة لم تصوت, اضافة إلي أن الانتخابات التالية ستكون نتيجة للسياسات التي ستتبعها الحكومة المكونة من الاخوان والسلفيين اذا شكلا الحكومة وأري أن هذا النجاح نجاحا ايديولوجيا وليس نجاحا شعبيا. الدستور.. الملك.. الكنيسة وفي اليوم الأخير للرحلة, طلبت من عاطف غباشي المصري المتخصص في الآداب الأسبانية الذي يقيم بأسبانيا منذ اكثر من ثلاثين عاما, ان يسرد لي تفاصيل التحول الإسباني من الظلمات الي الديمقراطية, وكيف يري الفرق بين الحالتين المصرية والأسبانية. غباشي, المتخصص في الاداب الأسبانية. بدأ الحديث قائلا: كلف الملك خوان كارلوس الذي بدأ بمجرد اعتلاء العرش مسيرة التحول نحو النظام الديمقراطي, أحد أصدقائه( ادلفو سواريس) الذين حظي بثقته برئاسة الحكومة المؤقتة, بوضع سيناريو التحول مع السماح لكافة القوي السياسية الشيوعيين والاشتراكيين بالعودة من منفاها خارج البلاد. ومنذ ذلك الحين, يعد سواريس الأب الشرعي الحقيقي للديمقراطية في أسبانيا, وفي اطار التوافق بين الاحزاب تم اختيار شخصيات سياسية عليها توافق بين القوي السياسية لوضع دستور للبلاد تم الاستفتاء عليه في ديسمبر1978, فوافق عليها الشعب بنسبة79%. وبرغم انه لم يكن هناك رصيد تاريخي من الدساتير, فقد خرج هذا الدستور ليؤسس لنظام ملكي ديمقراطي برلماني, بمعني انه جعل الشعب وحده مصدرا أعلي للسلطات. وبالرغم من سطوة الكنيسة طوال فترة فرانكو وحتي وضع الدستور, إلا أن الدستور حض علي علمانية الدولة وهذا ما يراه الاسبان من أهم الانجازات العظيمة حيث سحب هذا الدستور الاختصاصات من الملك وكذلك السطوة من الكنيسة التي كانت تعرض عليها القوانين قبل اقرارها ناهيك عن مسئوليتها فيوضع مناهج التعليم. سبب نجاح التجربة الأسبانية لقد توقف صديقي عاطف غباشي برهة ليطلق فجأة قهقهة عالية ساخرا مما يجري عندنا علي ألسنة السياسيين اسلامية ام علمانية, برلمانية ام رئاسية, الانتخابات أولا أم الدستور أولا.. فالإسبان لم يكن عندهم هذا الجدل الذي نعيشه نحن المصريين. عندنا في مصر فلدينا محيط معاد للمشروع الديمقراطي بداية من الخليج وحتي المغرب العربي, ومن ايران واسرائيل إلي العمق الافريقي, بالاضافة إلي قوي خارجية لا ترحب, وشعب منقسم بين قوي اقصي طموحها الحفاظ علي الأمن والاستقرار, وأخري ثورية تريد التغيير من الجذور.