وانتهت فعاليات المؤتمر الدولي الأول للترجمة وتحديات العصر الذي أقامه المركز القومي للترجمة, والذي شاركت فيه اعداد كثيرة من رموز الثقافة العربية الي جانب أشقائهم من المثقفين المصريين, حيث اشتملت فعاليات هذا المؤتمر علي محاور تفرعت الي موضوعات لجلسات فكرية جادة استمرت أربعة أيام كاملة من الأحد3/28 الي الأربعاء2010/3/31 حول الترجمة وتحديات العصر. هذا المؤتمر الدولي يعتبر امتدادا للعديد من الندوات الأسبوعية والشهرية التي يقيمها المركز, مما جعله يضاعف من تحقيق الغرض من إنشائه حين لم تكن انجازاته أرقاما تضاف الي ماترجم الي الثقافة العربية من أعمال أجنبية, بل كان انجازا في المحتوي حين قدم للمثقف المصري والعربي عددا هائلا من النصوص المترجمة لما يقرب من ثلاثين لغة, وبذلك كسر مركزية الثقافة الأوروبية في الأقطار العربية, وساهم في تبديد ظلام الواقع العربي بنقل ثقافته من خصوصيتها الجغرافية الي فضاء الثقافة العالمية.. الي اخر ذلك من أعمال تمت بجهود الدكتور جابر عصفور مما يجعلنا نطمع في مطالبة المركز بترجمة بعض مؤلفات علماء وأدباء ومهندسي وفناني الحملة الفرنسية علي مصر ومنها: مراسلات نابليون الخاصة بمصر, ومذكرات نابليون في مصر وحروب نابليون في مصر وسوريا, وتاريخ الحملة الفرنسية علي مصر وصورة مصر أثناء إقامة الجيش الفرنسي بمصرلجالزن, وجيش بونابرت في مصر لجنري.. الي اخر هذه المؤلفات, والمركز حين يقوم بذلك فإنه يقتدي بتجربتين رائدتين الأولي في العصر الوسط أيام الخليفة المأمون حين قام بترجمة التراث اليوناني لحاجات في نفوسهم في مقدمتها الدفاع عن الإسلام بمقارعة خصومه بالحجج القوية التي لا تتم إلا بمعرفة لغات الآخرين, والتجربة الثانية فقد كانت في العصر الحديث أيام الوالي محمد علي حين وجه همته الي إيفاد البعثات الي أوروبا لنقل معارفها, وفكر علمائها, وخبرة فنانيها, وتجارب رجال الحرب والصناعة فيها, طالبا من المبعوثين ترجمة أمهات الكتب كشرط أساسي لبعثاتهم, وفي هاتين التجربتين تبدو الدوافع الأساسية للترجمة ومنها الكشف عن المجهول, واستكمال معارفنا التي يجب ألا تقف عند حد, ولا تنتهي عند غاية, ولا تقتصر علي ما نملكه بل تتجاوزه الي ماعندنا بكثير, فضلا عن أننا حين نقرأ قائمة الكتب التي تركها الفرنسيون نشعر بمزيد من الأسف لأمرين أولهما انه كان لدينا العديد من منافذ الترجمة كالجامعات والمؤسسات ودور النشر ولكننا اكتشفنا بما قدمه الراحل زهيرالشايب في ترجمته لأجزاء من كتاب وصف مصر والدكتور أيمن فؤاد سيد الذي يقوم باستكمال هذا الكتاب, وثاني هذين الأمرين اننا حين نقارن بين ماتركه الفرنسيون من مؤلفات وبين ماينقص تاريخنا من مثيلاتها يزداد الأسف, لأن هذا النقص يلقي ظلالا كثيفة علي كثير من وقائع تاريخنا, مما يحجب الكثير أيضا من الثقافات والمعارف والمعلومات, الأمر الذي يحول دون تعرفنا علي الحقائق الخاصة لكثير من الأحداث الهامة, وهو أمر لم يغب عن ذاكرة مؤرخ مصر الحديثة عبدالرحمن الرافعي حين قال: لو حرص رجالنا علي ترجمة مثل هذه الوثائق والمذكرات واليوميات والمراسلات الفرنسية لكان في ذلك أكبر خدمة لتاريخ مصر, وأجمل ما نطالب به اليوم وما تمناه مؤرخنا الكبير من ترجمة ماتركه رجال الحملة الفرنسية.. أصبح الآن أمرا ميسورا في وجود المركز القومي للترجمة, ومايقدمه من الكم الهائل من الترجمات التي تعد الآن بالمئات, والي جانبه العديد من الهيئات العلمية والثقافية ودور النشر وكلها معنية في جانب من نشاطاتها بأمر الترجمة, فنفعل مثلما فعل أجدادنا السابقون سواء في العصر الوسيط أو العصر الحديث.. فنقوم بعملية الرصد الواجبة التي تتناول تاريخنا السياسي والثقافي والحربي والاجتماعي, بحيث نكشف عنها الغطاء اللغوي بالترجمة, ومن هذه الكتب والمؤلفات ماتركه رجال الحملة الفرنسية.. فهذه مسئولية علمية وثقافية إلي جانب كونها واجبا وطنيا وقوميا. المزيد من مقالات سامح كريم