محمد طفل صغير لم يتجاوز العاشرة..يذهب الى مدرسته يوميا حاملا حقيبته بيد واحدة..يحاول الكتابة بيده اليسرى ولا يستطيع فلم يتعود بعد..يحاول أن يشارك زملاءه بيد واحدة..لكن بعضهم من يعايره قائلا «ابو ايد مقطوعة». فقد عاد محمد لمنزله منذ ثلاثة أشهر فقط، وهى فترة غير كافية ليتأقلم مع حياته الجديدة، فقبل أقل من عام كان الصغير يشارك فى أحد الأفراح فى قريته بالفيوم، وعندما طلب منه زميل له أن يمسك بالصاروخ كى يتمكن الآخر من إشعاله اشتعل الصاروخ فعلا لكن راحت معه يد محمد اليمنى بالكامل..فلم يكن يعرف هو أو زميله أن هذا النوع من الصواريخ لا يشبه الصواريخ التى اعتادوا شراءها من قبل، فهذا النوع كبير الحجم الذى يصدر عنه صوت اكثر جلبة ولهيب اكبر وكان لابد من اشعاله على الارض ومن بعد 10 امتارا على الأقل. ولم يشعر محمد بنفسه الا على سرير المستشفى وقد فقد يمناه بعمليات طويلة وصعبة أجمع بعدها الاطباء أن أمله الوحيد فى جهاز تعويضى ثمنه نحو نصف مليون جنيه، كى يستعيد محمد القدرة على استخدام يده مرة أخري. قصة قاسية وحزينة لكنها للاسف متكررة بسبب فوضى «البمب والصواريخ» فى بلدنا،لا عيد لا فرح بدون بمب وصواريخ ورغم أنها مجرمة ومحظورة البيع بحكم القانون، لكن الغريب أنها تباع علنا فى شوارع مصر وفى الاكشاك والمحال. قبل 25 يناير كان البمب والصواريخ وغيرهما من الألعاب النارية تظهر على استحياء فى المناسبات، وكانت من النوع الذى يسبب ضررا بالطبع لكنه محدود لا تزيد اسعارها على جنيهات قليلة, وفى السنوات الخمس الاخيرة كما يقول: الخبير الامنى أحمد رفعت أصبحت هذه الالعاب الخطرة متوافرة وبكثرة وبكل الاسعار واختفت الصواريخ الصغيرة التى لا يزيد سعرها على جنيه واحد وحلت محلها صواريخ أكبر حجما وأخطر ويزيد سعرها على 50 جنيها. لم يتوقف الأمر عند البمب والصواريخ وغيرها من الالعاب النارية بل وظهرت الشماريخ التى اصبحت فى يد الجميع. واصبح الأطفال يشترونها لما تشيعه من بهجة فى نفوسهم ولا يدركون خطورتها، بالاضافة الى الشماريخ التى يشعلونها - بعض الصبية والشباب- فى اثناء مباريات كرة القدم والتى يستطيعون شراءها من أى مكان وبأسعار تبدأ من 30 جنيها وتصل الى 400 جنيه، وبالطبع فالتفاوت فى الأسعار يرجع الى جودة المنتج ومصدره، ورغم انها اصبحت شيئا مألوفا فى حياتنا وبمناسبة وبدون مناسبة الا ان المفاجأة انها جميعا محظورة بحكم القانون، وتعتبر حيازتها وبيعها جريمة تستوجب العقاب بحكم القانون، وتوضح التقديرات الاقتصادية أن حجم تجارتها يصل إلى 24 مليار جنيه بمعدل مليارى جينه شهريا، ويكشف تقرير للغرفة التجارية بالقاهرة لعام 2014 عن أن «البمب والصواريخ» تحتل المرتبة الثالثة فى قائمة الممنوعات المضبوطة، بعد السجائر والمنشطات الجنسية علما بأن الكميات المضبوطة لا تزيد على 4% من الكميات التى تدخل الاسواق فعلا، واخطر ما فى التقرير هو تأكيده أن تجارة الالعاب النارية والبمب والصواريخ والشماريخ هى التجارة الأكثر ربحا بعد المخدرات فى مصر، حيث يحقق تجارها أرباحا تصل الى500%. ففى دولة تخوض حربا شرسة ضد الارهاب يبدو الحديث عن تشديد الاجراءات ومراقبة الأسواق من نافلة القول، خاصة أن المواد المستخدمة فى صناعة البمب والصواريخ والشماريخ وهى البارود الاسود هى نفس المادة المستخدمة فى تصنيع القنابل البدائية والعبوات الناسفة وغيرها.، ولكن المؤسف فى مصر إن اللعب بالنار قد يكون أرخص وأسهل من اللعب بالعرائس «والدباديب»، وإن أسعار الالعاب الممنوعة أقل كثيرا من الالعاب المسموحة، كما يقول د. أحمد يحيى استاذ علم الاجتماع بجامعة السويس, وبالنسبة لطفل صغير، ما أسهل الحصول على ترسانة من البمب والصواريخ ومسدسات الصوت على أن يشترى لعبة بلاستيكية، وإن لم يفقد معها أطرافه فلن تعلمه إلا العنف، ولن تشيع فى نفسه إلا الغلظة، خاصة ان الحديث عن المفرقعات والقنابل أصبح حديثا شائعا ومعتادا فى مجتمعنا لكن الاخطر ان يصبح لعبة فى يد الأطفال.