فرحت كثيرا لعزم الحكومة على عقدالمؤتمرالاقتصادى الشهر المقبل فى موعده رغم كل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر قيادة وشعبا إن هناك شيئاً قد بذل من جهد وفكر تقدمى من سياسات اقتصادية طبقت على ارض الواقع ملموسة للعامة فى هذا المضمار, وذلك فى حدود الموارد المتاحة و الفترة السابقة القصيرة, ورغم الصدمات المتتالية التى تحاول ان تمس استقرار وقوة بلدنا الغالية. فعلى الحكومة ان تمعن النظرفى نهج السياست المالية المتبعة والذى يؤدى الى عملية إعادة توزيع الدخل القومى فى مصر بطريقة او بأخرى, يؤثر ايضا فى الطلب على الاستثمار، وذلك عن طريق مباشر وعن طريق غير مباشر. وهذا الأخير هو ما يعرف «بأثر معجّل الاستثمار»، وقد يكون هذا التأثير فى الحجم الكلى للاستثمار، كما قد يكون فى بنيان هيكل الاستثمار ذاته (سواءً الخاص أو العام)، أى فى كيفية توزيع رؤوس الأموال بين مختلف أنواع الانشطة الاستثمار. ويضح هنا أن دراسة إعادة التوزيع كوحدة واحدة ، تفرض نفسها أيضاً ونحن بصدد شرح الأثر غير المباشر لإعادة التوزيع فى معدلات الاستثمارالقائمة والمستقبلية، ذلك أن هذا الأثر غير المباشر والذى يتمثل فى زيادة الاستهلاك يؤدى باتالى الى زيادة اخرى فى معدلات الاستثمارات المتوقعة. وعليه يتمثل الأثرغيرالمباشر, اى «المعجّل» وكما رأينا، الى زيادة أولية فى الاستهلاك (نتيجة إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الفقراء ذو الميل الحدى المرتفع للاستهلاك)، وما يترتب عليه من أثار تعرف «بالاستهلاك المولد» أو «أثر المضاعف الاقتصادى» وعلى ذلك تؤدى هذه الزيادة الكلية فى الاستهلاك الى سلسلة متتالية من الزيادات فى الاستثمارالمستقبلى. وترجع معدلات الزيادة فى الاستثمارالمترتبة على زيادات الاستهلاك الى ما يعرف «بمعامل رأس المال» أى العلاقة الفنية بين رأس المال المستخدم فى نشاط اقتصادى ما, وإنتاج هذا النشاط النهائي، وهو ما يحدد حجم رأس المال المطلوب لهذا الاستثمار الجديد. الامر الذى يتطلب أخذه فى الاعتبار من قبل الحكومة فى حالة إعادة التوزيع تحسباً للأثار السلبية للاستثمارات الجديدة، والتى قد تترتب على زيادة الاستهلاك وعدم زيادة الاستثمار بالقدر المناسب، وما قد تؤدى اليه من ارتفاع مستوى الأسعار وحدوث «تضخم». وعليه نؤكد أن هذا الأثرلمعجل الاستثمارفى مصر سوف يتأخر قليلا, وذلك حسب درجة مرونة الجهاز الانتاجى الحالية. أما عن الأثر المباشر لإعادة توزيع الدخل القومى فى معدلات الاستثمار الجديدة بعد المؤتمر الاقتصادى، يجب أن نشير هنا الى التغيرات التى تحدث فى مستوى الضرائب و وفى مستوى الانفاق العام للدولة والتى تواكبها، وما يترتب عليهما من تغيرات فى الكفاية الحدية لرأس المال وأسعار الفائدة، وهما المتغيران الأساسيان اللذان يحكمان معدلات الاستثمار فى أى دولة. فالضرائب على الدخول والثروات وخاصة التصاعدية منها، تؤدى فى مصر الى إعادة التوزيع فى صالح الطبقات الفقيرة، وهى الطبقات ذات الاستهلاك المرتفع. وعليه ينخفض الادخار القومى، وهو ما يعنى خفض مصادر تمويل الاستثمار . وهذه النتيجة تؤدى الى إعاقة الاستثمارات الجديدة المطلوبة. ونضيف الى هذا الأثر الانكماشى التى تؤدى إليه الضرائب فى تقليص مصادر تمويل الاستثمار، حيث أن التوسع فيها يؤدى الى اضعاف الباعث على العمل والى خفض الميل للاستثمار وهو ما ينقص الكفاية الحدية لرأس المال، مما يعوق تكوين الاستثمارات الجديدة ايضا. ورغم ذلك، اود ان الفت نظر الحكومة الى ان الدراسات الحديثة قد دلت على أن الضرائب ذات السعر المرتفع لا تؤدى بصورة واضحة الى إعاقة الاستثمار (حتى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية) وذلك لأن هذه الاستثمارات الجارية أو الجديدة تتوقف بالأساس على حجم و درجة استقرار الاسواق وعلى التوقعات الخاصة بظروف الانتاج (مثل اسعار الصرف والطاقة وسياسة تحويل العملة والتقاضى والتحكيم المحلى والدولى) وحجم الطلب الكلى المنتظر فى المستقبل وعناصر فنية اخرى, ليست اسعار الضرائب أهمها كما يخيل لنا البعض. فالاستقرار والظروف السياسية والاجتماعية والأمنية تحتل مكانة متقدمة عن غيرها فى تحديد حجم الاستثمارات الجديدة. ويمكن فى النهاية عن طريق الاعفاء الضريبى أو تخفيضها على بعض الاستثمارات المطلوبة فى الخطة القومية، ورفعها على البعض الأخر, ننتهى الى «إعادة توجيه الاستثمارات»، وهو ما يعنى إعادة توزيع الدخل القومى بين مختلف فروع النشاط الاقتصادى وبالتالى يؤدى إعادة توزيع الدخل القومى بين مختلف الفئات الاجتماعية بصورة عادلة، هذا اذا رغبة الحكومة المصرية فى تحقيق التوازن الاجتماعى وزيادة الناتج القومى معاً, وزيادة الاستثمارت الخاصة والعامة ايضا. يومها سوف يعود النفع من هذه السياسات الجديدة على كل المصريين, وتوزع المكاسب المتوقعة من المؤتمر الاقتصادى «مصر المستقبل» بالعدل على كل القوى الاقتصادية المنتجة, ليسود التوازن الاقتصادى ويعم السلام الاجتماعى الذى غاب عنا طويلا, ويحصل كلاعلى حصتة العادلة من ثمار التنمية المنشودة لمصر الحديثة. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب