كم عاني الشعب المصري تخبط الانظمة الاقتصادية المتعاقبة علي مصر خاصة النظم الرأسمالية المشوهة المعالم والمتناقضة الاهداف الأمر الذي ادي الي زيادة الهوية بين الدخول والثروات منذ الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات من القرن الماضي وحتي الآن, والي اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتضاؤل الطبقات المتوسطة. الي جانب سوء حالة الطبقات ذات الدخول المحدودة, مما أدي إلي إلقاء عبء كبير علي السياسات المالية في تحقيق التوازن, الأمر الذي انعكس علي زيادة النفقات العامة الاجتماعية واتساع نطاق الضرائب, مما ترتب عليه عجز مزمن في الموازنة العامة للدولة وتزايد مضطرد في ذلك العجز حتي وصل الي أكثر من مائتي مليار جنيه مصري في عام.2013 وعلي العكس من فكر بعض الاقتصاديين المحافظين في مصر من أن الحل يجب أن يأتي من خلال ضغط الاستهلاك العام والخاص و ذلك لحل عجز الموازنة هيكليا, الا انه لم يعد انخفاض الاستهلاك في الفكر الاقتصادي الحديث شرطا ضروريا لارتفاع الادخار, وبالتالي الاستثمار, خاصة في الدول الآخذة في النمو( مثل مصر) وذلك لرفع معدلات الاستثمار كما اعتاد ان يتصور هؤلاء. بل أصبح وعلي العكس من ذلك, ضرورة ارتفاع الاستهلاك العام والخاص( هو الحل قصير ومتوسط الاجل), وما يستتبع ذلك من ارتفاع التشغيل وبالتالي ارتفاع معدلات نمو الدخل القومي, وهو عامل مهم من عوامل رفع معدلات الادخار المطلوبة لرفع الاستثمار وبالتالي معدلات النمو الاقتصادي المطلوبة في هذه المرحلة لكي نصل الي3% معدل نمو كما اشارت الحكومة هذا الشهر في بيانها. بل والأكثر من ذلك لم يعد اليوم في الدراسات الاقتصادية المعاصرة مؤكدا أن يتحول كل ادخار الي استثمار, بل أصبح من المتصور أن تزداد المدخرات علي معدلات الاستثمار. الأمر الذي يتطلب بما لايدع مجالا للشك( مثلما حدث في أمريكا2008 وأكتوبر2013) تدخل الدولة لإعادة توزيع الدخول والثروات, وذلك لأن النظم الرأسمالية يتجه فيها الميل للاستهلاك الي الانخفاض مع ارتفاع حجم الدخل, علي عكس من ذلك عند الطبقات ذات الدخول المحدودة والتي تتمتع بميل مرتفع للاستهلاك- ولأن( الطلب الحقيقي) المحرك للاقتصاد والمحقق للتشغيل الكامل لا يتحقق تلقائيا علي الدوام كما هو معروف لكل الاقتصاديين, وجب علي الدولة كما ذكرت التدخل لرفع هذا الطلب مثلما هو الوضع في الحالة المصرية الآن. وعليه تكون أداة إعادة توزيع الدخل القومي في مصلحة الطبقات ذات الدخول المحدودة تشكل عاملا من أهم العوامل التي تؤدي الي رفع الطلب علي أموال الاستهلاك, لأنها سوف تخصص الجزء الأكبر من الزيادة في دخلها لهذا الغرض. وهو ما يؤكد أن فاعلية سياسة إعادة توزيع الدخل القومي, في صالح تلك الطبقات الفقيرة( في الفكر الرأسمالي الحديث المتطور), وتؤثر بفاعلية علي الميل الحدي للاستهلاك إذا ما قيست بغيرها من السياسات المتبعة في مصر الآن غير المجدية في رأيي. ومع ذلك ننبه الي عدم كفاية الاعتماد علي هذه السياسة وحدها لضمان تحقيق التشغيل الكامل وزيادة معدلات نمو الدخل القومي, بل يجب الالتجاء أيضا الي سياسة إيجاد عجز الموازنة العامة المحسوب فنيا, للتوسع في الاستثمارات العامة فقط, ويمكن أن نسجل هنا موقفنا من إعادة التوزيع للدخل والثروات في ملاحظتين متكاملتين أولاهما; إن إعادة توزيع الدخول والثروات لا تعني إلغاء كل الفوارق بين الطبقات, بل تقليصها فقط بنسبة يمكن أن تبرر اجتماعيا وأخلاقيا ونفسيا طبقا للدستور الجديد. وثانيتهما; أن إعادة توزيع الدخل والثروة مجتمعيا لا يعني أبدا تغيير البنيان الاجتماعي( كما هو الحال في الأنظمة الاشتراكية العقيمة الجامدة) بل الهدف فحسب, هو معالجة مشكلة انخفاض معدلات الطلب الحقيقي وعلاج مشكلة الركود والبطالة عالية النسب في مصرالان. وعليه ننتهي الي أن طبيعة النظام الاقتصادي الحالي في مصر تؤدي بشكل واضح الي عدم عدالة توزيع الدخل القومي حسب نص الدستور, وذلك لعدة أسباب أهمها استئثار فئة بعينها بتملك جميع وسائل الانتاج, وتمتعهم عن طريق الممارسات الاحتكارية بوسائلها الفجة, بسلطة واسعة في تحديد الأجور وفي تحديد أثمان المواد الأولية وأثمان المنتجات هذا بالإضافة الي الانسحاب التدريجي للدولة من المشهد الاقتصادي. فطبيعة هذا المنهج تستند فقط الي قوي السوق( البقاء للأغني) حتي في وجود قانون ينظم الحد الادني والحد الاعلي للاجور, وتؤدي الي توزيع الدخول بصورة غير عادلة وصارخة, في حالة غياب الدولة من هذا المشهد, لمصلحة طبقة علي حساب كل الطبقات. وأمام هذا الوضع يجب أن تصبح سياسة إعادة توزيع الدخل القومي في بلادنا في الوقت الحاضر( هدفا قوميا) للدولة وللحكومة وللسياسة المالية, فإعادة التوزيع وسيلة لمعالجة التشوهات والمتناقضات الرأسمالية في مصر, ولمعالجة الفوارق الكبيرة في الدخول والثروات بين طبقات المجتمع المختلفة, التي لا يجب أن تكون أو تترك هكذا في دولة مثل مصر نسبة الفقر فيها قد تخطت33% من تعداد السكان, وهذا الفكر سابق الذكر ما تم تطبيقه بالفعل في اوروبا وامريكا في الماضي القريب, ويجب ان يطبق في مصر علي الفور. وعلي مجتمع أصحاب الملايين أن يعترف بوجود مجتمع الملايين صاحب الحق الاكبر في هذا الوطن, دون أن يكون هناك مستغل أو مستغل أو قاهر أو مقهور, وعلي الدولة هنا بادواتها المالية والنقدية كما ذكرت, ان تلعب دور الحكم العادل الضامن لهذا العقد الاجتماعي المنصف لكل الاطراف, ففي النهاية نحن شركاء وطن ولن تلغي أو تسقط شريحة من هذا النسيج المجتمعي المتناغم, هذا هو مضمون لحن السلام الاجتماعي الذي يجب ان يعزف بعد الثورة في مجتمع المنتجين. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب