كان الغرب يتباهى دائما باحترام حرية التعبير وحرية الصحافة دون قيود، ويعتبرها من أهم أركان الديمقراطية، لكن ذلك يواجه الان اتهامات فى بريطانيا بالتراجع عن هذه المبادىء، بعد الكشف عن تجسس الشرطة على تسجيلات للمكالمات الهاتفية للصحفيين لمعرفة مصادر معلوماتهم. ظهر ذلك بعد نشر تقرير للجنة المختصة بمراقبة التعرض للاتصالات، والذى كشف عن إجراء الشرطة 24 تحقيقا للوصول إلى مصادر المعلومات للصحفيين، ، وأن هذه التحقيقات تمت خلال الثلاث سنوات الماضية، وشملت 105 صحفيين. كما اعترف مصدر بالشرطة بأنهم قاموا بالتجسس سرا على الصحفيين، بمقتضى قانون “تنظيم المراقبة”، وهو القانون الذى ينص على الحصول على إذن قضائى للاطلاع على التسجيلات التليفونية. وتبين أن الشرطة حصلت سرا، طبقا لهذا القانون، على إذن بالاطلاع على التسجيلات التليفونية ل 82 صحفيا، مع أن كثيرا منهم ليسوا موضع شبهة أو اتهام بارتكاب أى مخالفة جنائية. وقالت اللجنة إن القانون الذى يحكم حرية التعبير وحماية مصادر الصحفيين يجب أن يحترم. ونتيجة لهذه الضجة، سارع ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، بالموافقة على توصية بتغيير القانون حماية للمكالمات الهاتفية التى يجريها الصحفيون من تجسس الشرطة، كما طالبت هذه اللجنة بضرورة الحصول على إذن قضائى مستقبلا، قبل قيام الشرطة بمراقبة المكالمات التليفونية للصحفيين. وأدى ذلك أيضا إلى قيام أكثر من 900 شخص، بينهم عدد من كبار الصحفيين، بالتوقيع على عريضة تدعو السلطات فى الدولة إلى ضرورة الحصول على إذن من قاض، قبل التعرض للتسجيلات التليفونية للصحفيين. واعتبرت الدوائر الصحفية موافقة رئيس الوزراء، على مبدأ تغيير القانون، بأنها تعنى انتصارا للصحافة، وان كانت اللجنة قد أوضحت أن النص الجديد المقترح للقانون لا يلبى مطالبها بما فيه الكفاية، ولابد أن يكون هناك نص فى القانون، بضرورة حصول الشرطة على موافقة من قاض قبل الاطلاع على التسجيلات التليفونية. وأشارت إلى العيوب الموجودة فى الإجراءات الحالية التى تتخذها الشرطة ومنها، افتقاد هذه الإجراءات لأى تفصيلات محددة عن المعلومات التى تشك فى أنها تسربت إلى الصحفيين، وأيضا عن الضرر الذى سببه تسرب هذه المعلومات أو محتمل أن تسببه، وما إذا كان الضرر الذى نتج عن إفشاء هذه المعلومات يحتاج إلى تحديد مصدر هذه المعلومات. وكان مؤتمر قانونى قد عقد فى لندن الشهر الماضى،قد أعلن فيه المتحدثون أن طلبات الشرطة بالسعى إلى معرفة مصادر معلومات الصحفيين تعتبر غير قانونية تماما، طبقا لنص المادة 10، من الاتفاقية الأوروبية بشأن حقوق الإنسان، كما تمثل طلبات الشرطة أيضا انتهاكا لنفس المادة 10، التى تنص على حرية التعبير وحقوق الصحفيين. فى نفس الوقت ذكرت صحيفة التايمز البريطانية، أن إدارة إسكوتلاند يارد، تعمدت إخفاء ملاحقاتها للصحفيين أثناء تحقيقات كانت قد جرت، وعرفت باسم “بليت جيت”، وكان تقرير رسمى قد كشف عن أن الشرطة جمعت نصوص مكالمات من التليفونات المحمولة للمحرر السياسى لصحيفة “ذا صن”، توم نيوتن دان، وكشفت مصدر الرواية التى نشرها عن الصدام الذى حدث بين شرطة منطقة داوننج ستريت، الذى يوجد بها مقر رئيس الوزراء، وبين أندرو ميتشل، أحد قيادات حزب المحافظين، وقد عرف هذا الصدام باسم “بليت جيت”. إن الضجة المثارة فى بريطانيا الان لا تقتصر فقط على حقوق الصحفيين وحمايتهم، لكنها اتسعت إلى أبعد من ذلك باعتبار أن الإجراءات التى قامت بها الشرطة تمس أهم أركان الحياة السياسية والاجتماعية، والتى تتعلق بمعنى الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان.