أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن الضربة الجوية المصرية لمعاقل تنظيم «داعش» الإرهابى فى ليبيا كانت مركزة واستهدفت العناصر الإرهابية فقط دون سواها، وأوضح أن دماء المصريين الأبرياء لا يمكن أن تذهب هباء، وأنه يتعين التصدى لمن يبررون القتل باسم الدين ويصنفونه فى إطار الجهاد، وهى رؤى مغلوطة تجافى الحقيقة تماماً. جاء ذلك خلال لقائه أمس بعدد من رؤساء تحرير الصحف الرئيسية فى دول حوض النيل وبعض دول الجنوب الإفريقي، وذلك بحضور مسئولى وزارة الخارجية المكلفين بمتابعة شئون دول حوض النيل، والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية. وصرح السفير علاء يوسف المتحدث باِسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيس السيسى قال لرؤساء تحرير الصحف الإفريقية إنه على الرغم مما هو معروف عن حجم وقوة الجيش المصرى إلا أنه لم يقدم على غزو أى دولة طمعا فى مواردها أو ثرواتها، ولكنه يدافع عن الوطن ويحمى مصالحه، ويساهم فى القضاء على مصادر تهديد الأمن القومى المصري، وفى مقدمتها الإرهاب. وشدد الرئيس السيسى على أن مصر تساهم دوماً فى إدارة وتسوية النزاعات فى القارة الإفريقية وترفض العمل على إذكاء الصراعات والانقسامات، ورحب بالصحفيين الأفارقة، معربا عن التقدير والمودة اللذين تكنهما مصر لجميع شعوب دول القارة. وأضاف المتحدث أن الرئيس أكد أن العلاقات بين مصر وأشقائها الأفارقة علاقات مصيرية، وأنه حرص منذ اللحظة الأولى لتوليه رئاسة الجمهورية فى خطاب التنصيب على التأكيد على أن المرحلة القادمة ستشهد انفتاحا مصريا على إفريقيا ونهوضا شاملا فى كل أوجه العلاقات المصرية بمختلف دول القارة. وأضاف الرئيس أن استراتيجية مصر فى التعامل مع الدول الافريقية تقوم على أسس من المشاركة والتعاون لتحقيق الاستقرار السياسى والتقدم الاقتصادي، لاسيما أن شعوب القارة عانت لعقود طويلة وحان الوقت لتحصل على حقها فى الاستقرار والرخاء، وهو الأمر الذى لن يتأتى دون التمسك بالقيم النبيلة التى حضت عليها جميع الأديان، وفى مقدمتها التسامح والرحمة. وذكر السفير علاء يوسف أن الرئيس استعرض مجمل تطورات الأوضاع فى مصر منذ يناير 2011، مؤكداً أن الأولوية القصوى تتمثل فى الحفاظ على الدولة المصرية، ومن ثم فإن مصر ماضية على طريق تنفيذ استحقاقات خارطة المستقبل، حيث سيتم استكمال بناء مؤسسات الدولة بإجراء الانتخابات البرلمانية فى شهر مارس المقبل لاختيار البرلمان الجديد. وارتباطاً بحرية الإعلام فى مصر، أكد الرئيس السيسى أن الدولة المصرية تحترم وتقدر دور الإعلام وتتيح له العمل بدون أى قيود، كما أن هناك ما يناهز 1500 صحفى أجنبى يعملون على أراضيها بكامل حريتهم. وفيما يتعلق بما يُشاع عن قضية صحفيى الجزيرة، أوضح الرئيس أنه لم يكن يرغب فى أن يحال أى صحفى مهما كانت تجاوزاته إلى القضاء ويمكن أن يكتفى بترحيله إلى خارج البلاد، إلا أن هذه القضية كانت منظورة بالفعل أمام المحاكم المصرية لدى توليه السلطة، ومن ثم لم يكن ممكناً أن يتم التدخل فى عمل القضاء، الذى تحرص مصر على احترام استقلاليته المكفولة بموجب الدستور. وأشاد السيسى بالمرأة المصرية ومشاركتها الفاعلة فى الاستحقاقات التى أجرتها مصر، معولاً على دورها المستقبلى فى العديد من المجالات، ومؤكداً أهمية إيلاء الاهتمام والرعاية التعليمية والصحية للمرأة المصرية. وذكر السفير علاء يوسف أن رؤساء التحرير الأفارقة قدموا للرئيس وللشعب المصرى خالص التعازى فى المواطنين المصريين الأبرياء الذى راحوا ضحية العمل الإرهابى الغاشم فى ليبيا. وردا على استفساراتهم وتساؤلاتهم، أفاد الرئيس بأن مصر تحرص على مواصلة التشاور مع القادة والرؤساء العرب والأفارقة سواء فى إطار جامعة الدول العربية أو الاتحاد الافريقي، مستشهدا على ذلك بالعديد من اللقاءات التى أجراها مع عدد من القادة الأفارقة على هامش المشاركة فى قمة الاتحاد الافريقى بأديس أبابا فى يناير الماضي. وأكد الرئيس السيسى العلاقات القوية التى تجمع بين مصر والسودان وجميع الدول الافريقية، منوهاً إلى أن عملية بناء الثقة مع دول حوض النيل تزداد يوماً تلو الآخر ويدعمها تحقيق تعاون بناء ومثمر. وفيما يتعلق بتطور العلاقات المصرية الإثيوبية وخاصة ملف المياه، ذكر الرئيس أنه بعد لقائه برئيس الوزراء الإثيوبى على هامش قمة مالابو فى يونيو 2014 أبدى الطرفان المصرى والإثيوبى تفهماً لشواغل كل طرف، حيث أكدت مصر حق الشعب الاثيوبى فى التنمية، وأقرت إثيوبيا بحق الشعب المصرى فى الحياة، لاسيما أن نهر النيل هو مصدر المياه الوحيد فى مصر، مضيفاً أنه حان الوقت لترجمة ذلك التوافق الشفهى والنيات الطيبة إلى التزام مكتوب، يكفل للأجيال القادمة من البلدين حقوقها ويجنبها الخلافات ويعد بموجب وثيقة ملزمة لمن سيتولى السلطة فى البلدين فى المستقبل. وأشار المتحدث باسم الرئاسة إلى أنه رداً على الرغبة التى أبداها رؤساء التحرير الأفارقة فى قيام الرئيس السيسى بزيارة دولهم، أكد الرئيس حرص مصر على تعزيز علاقاتها مع جميع الدول الإفريقية، معرباً عن تطلعه لزيارة الدول الإفريقية الشقيقة، إلا أن العديد من الارتباطات تحول دون ذلك فى المستقبل القريب، ومن بينها على سبيل المثال المؤتمر الاقتصادي، وإجراء الانتخابات البرلمانية فى مارس المقبل. وأضاف الرئيس أن هناك الكثير من أوجه التعاون التى يمكن العمل على تعزيزها بين مصر والدول الإفريقية بما يتيح فرصاً واعدة للنمو والتعاون، ولا سيما فى مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار، وتطوير المجرى الملاحى لنهر النيل وربط منابعه بالبحر المتوسط لتوفير نافذة للصادرات الإفريقية على الخارج، منوها إلى أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تختزل علاقات مصر مع إفريقيا فى نهر النيل فقط. وردا على تساؤل بشأن إخفاق الدول الإفريقية فى تحقيق بعض أهداف الألفية للتنمية، أوضح الرئيس أنه يتعين أولاً أن يكون للإعلاميين دور فى توعية الشعوب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية لدولهم، حيث ان الإخفاق فى تحقيق الأهداف فى كثير من الأحيان لا يكون مرده إلى تقاعس أو سوء فى الإدارة، وإنما نظراً لمحدودية موارد الدولة، وأضاف أنه يتعين النظر إلى التنمية بمفهومها الشامل الذى لا يقتصر على التنمية الاقتصادية ولكن يمتد ليشمل تنمية الانسان ثقافياً وتعليمياً. وردا على استفسار بشأن عدم تغطية بعض التقارير الإعلامية لحقيقة الأوضاع فى مصر فضلا على بعض تقارير المنظمات الحقوقية التى تنتقد أوضاع حقوق الانسان فيها، ذكر الرئيس السيسى أن بعض التقارير تنقل نقلاً أميناً وبعضها يجانبها الإنصاف أو قد تكون موجهة خدمةً لأغراض معينة، ومن ثم فإن زيارة رؤساء التحرير الأفارقة سيكون لها أثر بالغ فى التعرف على حقيقة الأوضاع على الأرض ونقلها للشعوب الافريقية. وأضاف الرئيس أن مصر تحترم حقوق الإنسان ولكن ينبغى أن تتم أيضاً حماية حقوق المواطنين من أى محاولات للاعتداء عليهم أو المساس بأمنهم واستقرارهم، أخذا فى الاعتبار أن مصر دولة يناهز تعداد سكانها تسعين مليوناً. وأوضح أن حقوق الانسان لا تقف عند حدود الحقوق المدنية ولكن تمتد لتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التى لا يمكن تحقيقها دون إرساء قواعد الامن والاستقرار. ودعا السيسى رؤساء التحرير الأفارقة إلى متابعة الصحف المصرية سواء القومية أو الخاصة وكذا القنوات التليفزيونية والفضائية للتعرف بأنفسهم على مدى الحرية التى تتمتع بها وسائل الاعلام المصرية، منوها إلى أن حرية التعبير عن الرأى مصانة ومكفولة للجميع طالما ظلت فى إطارها السلمي. وعلى صعيد سبل معالجة الخلافات والانقسامات التى تعانى منها بعض الدول الإفريقية سواء على الصعيد الداخلى أو بين الدول وبعضها، أكد الرئيس على الحاجة إلى بناء الإنسان الإفريقى ثقافياً وتعليمياً، ورفع كفاءة وقدرات الكوادر الإفريقية، وهو الأمر الذى تساهم فيه مصر عبر جهود وأنشطة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وذلك لنقل الخبرات المصرية وصقل الكوادر الإفريقية، بما يجعلها أكثر تسامحاً وفهماً للثقافات والأديان الأخري، أخذاً فى الاعتبار أن هناك عددا من الدول المتقدمة التى اتخذت من الاختلاف العرقى والدينى والثقافى وسيلةً لإثراء مجتمعاتها وليس للتناحر والخلاف.