تحتفل الدنيا هذه الأيام بعيد الحب.. لأن الحب إكسير الحياة، وسر من أسرار الكون.. وهو أيضا من صنع الخالق سبحانه وتعالي، كما أنه عاطفة فطرية إلهية عند كل المخلوقات، وهو كذلك الطاقة التي تعطي للوجود معني. وتدخل البهجة والسرور والسعادة علي النفس البشرية، وإذا كان «الحب الحقيقي» يصل بين المحبين برباط إلهي روحاني مقدس لا ينفصم ولا يهتز ولا يشيخ ولا يتلاشي كما يؤكد علماء النفس إلا أن ما يحدث الآن في بعض تصرفات المحبين في محاولاتهم الغريبة لإدامة الحب واستمراره وانقاذه، يؤكد أن الحب قد أصابته أمراض المدينة، وأصبح يدفع المحبون والعشاق إلي أفعال مجنونة في محاولات يائسة للحفاظ علي الحب ودوام المحبة، وأغرب هذه المحاولات ما يقوم به المحبون الآن فوق جسر اسمه «الفنون» فوق نهر السين في وسط باريس، فقد انتشرت أسطورة بإشاعة طريقة لدوام الحب، حيث يقوم العشاق وحديثو الزواج بتعليق «أقفال» عليها أسمائهم بالحبر الدائم أو النقش علي المعدن والتاريخ الذي علقت فيه علي أسوار هذا الجسر، ويطلقون عليها «أقفال الحب» وبعد تعليق القفل يلقون بالمفتاح في النهر . وتقول الأساطير إنه مادام هذا القفل موجودا، والمفتاح في قلب النهر، فإن الحب باق ودائم، وقد انتشرت هذه العادة حتي أصبح سياج الجسر مملوءا بالأقفال لدرجة أن الجسر بدأ يئن من أوزان هذه الأقفال، وتدخلت منظمة اليونسكو للتحذير من احتمال سقوط بعض أجزاء الجسر مما جعل بلدية باريس تفكر في إزالة «أقفال الحب» بعد أن قالت الاحصائيات إن الجسر يحمل الآن 700 ألف قفل تصل أوزانها إلي 93 طنا علي جسر مصمم للمشاة فقط، وبدأت الجماعات المعنية بحماية التراث اطلاق شعارات «الحب بلا أقفال» لمحاصرة هذه السعادة التي تهدد الجسر وتهدد أيضا النهر بارتفاع مستوي التلوث من المفاتيح الملقاة به. والغريب أن الفكرة بدأت تنتشر في أوروبا الشرقية ثم في أوروبا الغربية، كما أنها موجودة أيضا في الصين، ويقال إن المشاعر تبقي متأججةمادام يجري النهر في مساره.
وحكاية دوام المحبة لها تاريخ أيضا في مصر، فقد أعلنت هيئة الآثار المصرية منذ أيام عثورها علي «حجاب عجيب» عنوانه حجاب المحبة داخل جدار بيت السيدة وسيلة خاتون في منطقة الأزهر خلال ترميم هذا البيت الأثري الواقع خلف جامع الأزهر عمره 340 سنة، كان الحجاب مطويا بخيط صوف أخضر اللون، ويحتوي علي كتابات وطلاسم وآيات قرآنية تدعو للمحبة والألفة وادامة الحب بين مؤسس البيت وزوجته الست وسيلة، وقد كان ذلك محاولة يائسة من الزوجة لاتشال زوجها من تعلقه بالجواري، حيث كان سوق الجواري يقع علي بعد 200 متر من البيت، ويمتلىء بأجمل النساء ممن يجدن الغناء بالعربية والتركية والفارسية.
ويبقي التساؤل المهم: هل يحتاج الحب فعلا للتدخل الأسطوري لانقاذه في هذا الزمان؟
ويجيب د. يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة «إن الحب نوعان: الصناعي وهو ما له من النزوة العابرة والاعجاب الزائف سرعان ما تذوب حرارته بإنتهاء تاريخ صلاحيته، أما «الحب الطبيعي» فهو مغروس في عمق الكيان البشري بأصول ثابتة في عقله وقلبه، وهو دائم مستقر لا يهتز مع عواصف وتقلبات الزمن، ولا يتغير مع تقدم العمر، ولا يحتاج إلي تدخلات أسطورية أو أحجبة لدوامه واستمراره، ولكن هناك أفعال كما يضيف أستاذ الطب النفسى أولها أن يكون هناك توافق في المستوي الثقافي والاجتماعي وأن يكون هناك تضحية من الطرفين والاحترام والتقدير المتبادل للطرفين ومحاولة التكيف مع المستجدات والظروف الصعبة خلال رحلة الحياة وأخيرا الاهتمام «باللفتة» بإبداء الاعجاب والتقدير واظهار الاهتمام في كل المناسبات.