تأويل قاصر للآيات القرآنية، وفهم خاطئ للأحاديث النبوية، وفتاوى باطلة جعلت من التكفير وسوء الفهم جهادا فى سبيل الله ومسوغا للقتل والحرق والتدمير تحت دعوى إعلاء راية الحق ونشر الدين، ووظفوا الدين لخدمة السياسة وما قد يكون اليوم صوابا هو غدا خطأ إن لم يتماش مع مصلحة التنظيم والجماعة. ووسط هذا الهوس والشهوة لإراقة الدماء وتراجع دور مؤسساتنا الدينية الرسمية التى تستبسل للدفاع عن فقه يخص أصحابه وعصره ولا يعنينا، وتقاوم كل دعوة للتجديد وإعادة النظر فى كتب التراث تستمر مشاهد ودعاوى القتل باسم الدين. علماء الدين يؤكدون أن ما يفعله التنظيم الإرهابي- تنظيم القاعدة داعش- من قتل وذبح للآمنين لا يمت بأى صلة إلى الإسلام ولا إلى أى دين سماوى أو قانون وضعي، وأنهم يعتمدون على عدد من الأحاديث والروايات التى يُسيء تأويلها وتفسيرها ويلوى أعناق نصوصها لتتوافق مع سياسته الإجرامية مرتكبين جرمًا كبيرًا فى حق الكلام النبوي، وان هؤلاء كفرة وخارجين على الملة ويجب تطبيق حد الحرابة عليهم، وطالبوا بضرورة تعاون كل المنظمات الدولية للقضاء على التنظيم الإرهابي. يقول الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن ما نسبه تنظيم منشقى القاعدة إلى النبى صلى الله عليه وسلم من قول (بعثت بالسيف بين يدى الساعة) لا تصح نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو معلول من جميع طرقه، والنبى صلوات الله وسلامه عليه توعد أمثال هؤلاء الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء فقال: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة». وأوضح المفتى أن المرجعية الفكرية التى يستند إليها تنظيم منشقى القاعدة فى الذبح ترجع إلى فكر الخوارج الذين كانوا أول من فعل هذه الفعلة الشنيعة فى الإسلام؛ حين أوقفوا الصحابى عبدالله بن خباب بن الأرت فسألوه عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم أجمعين؛ فأثنى عليهم خيرًا، فذبحوه فسال دمه فى الماء، وبقروا بطن امرأته وهى حامل. وأضاف: إن قطع الرءوس ممارسة قديمة عرفتها البشرية بمختلف أجناسها وثقافاتها، وأن هذه العملية اللا إنسانية كانت معروفة لدى بعض العرب فى الجاهلية، وبعد أن جاء الإسلام لم يثبت عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه حُمل إليه رأس كافر بعد قطعه، ولا أنه أمر بحزِّ الرءوس، بل إن النصوص الشرعية لم تؤسس لمثل تلك العقيدة التى ينتهجها تنظيم منشقى القاعدة فى القتل والذبح والتمثيل. كما يعتمد تنظيم منشقى القاعدة فى رؤيته القتالية على عدد من الأحاديث والروايات التى يُسيء تأويلها وتفسيرها ويلوى أعناق نصوصها لتتوافق مع سياسته الإجرامية فى القتال والحرب، ليبرر بها شرعيته وادعاءاته التى يزعم من خلالها زورًا وبهتانًا تأسيس الخلافة الإسلامية فى الأرض، كما يبرر بها ما يرتكبه من فظائع وجرائم فى حق الإنسانية، وقد استدل التنظيم بعبارة من حديث نبوى شهير: «جئتكم بالذبح»، دون الوقوف على مدلولاته وسياقه. وقال إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسولَه بالهدى والعدل والرحمة، فكان مما شرعه أن جاء بتشريعات واضحة توجب التعامل مع الأسرى بالعدل والإحسان، وبما يتناسب مع إنسانيتهم واحترام آدميتهم، من تقديم المأوى والطعام المناسب، والرفق بهم وعدم تعذيبهم وإيذائهم، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا ويتيما وأسيرا) [الإنسان: 8]. وأوضح المفتى أنه لم يرد نص شرعى صحيح صريح يدل على جواز ذبح العدو حيًّا، فضلاً عن أن يكون سنة نبوية متَّبعة! وأن النصوص وردت بالتفريق بين القتل والذبح، وجعلت الذبح خاصًّا بالبهائم والطيور للتذكية. كذب على النبي من جانبها قالت الدكتورة إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن النبي، صلى الله عليه وسلم، بعث رحمة للعالمين وشفيعاً لهم يوم القيامة، مستنكرة مقولة تنظيم داعش الإرهابي: «والصلاة والسلام على من بعث بالسيف رحمة للعالمين» فى أثناء إعدامه 21 مصريًا من المقيمين فى ليبيا. وأضافت: إن الإسلام لم يجبر أحدًا على اعتناقه، مستشهدة بقول الله تعالى:«وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، والله عز وجل لو كان لا يريد الكافرين ما خلقهم أصلاً وما منحهم الشمس والهواء، مشيرة إلى أن نعم الله يمنحها للمسلم وغير المسلم. والإسلام أمرنا بالتعايش مع غير المسلمين مستشهدة بقول الله تعالى على لسان رسوله: »لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ«، منوهة بأن الدين الحنيف أباح لنا الزواج من غير المسلمات، مشددة على أنه يجب علينا أن نعامل غير المسلمين بالقوانين دون قتل. وأشارت إلى مقولة النبى «إنّ لهم أى لغير المسلمين ما لنا (أى للمسلمين) وعليهم ما علينا. أى لهم مالنا من حقوق وعليهم ما علينا من واجبات ومن يخالفها من الطرفين يطبق عليه القانون. والواجبات علينا تجاه غير المسلمين هى الالتزام بقوانين الدولة واحترام الآخر وحرمة الدماء والدفاع عن الأعراض، مشيرة إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم عاش معه فى المدينة الكثير من اليهود وكان بينهم مُعاهدات، منوهة بأن الرسول لم يحاربهم إلا بعدما خانوه واعتدوا على المسلمين. وأكدت أن الجهاد شرع فى الإسلام ضرورة لا غاية؛ وذلك لرد الظلم والقهر، وحماية الحق، وحراسة الفضيلة، ولم يشرع لسفك الدماء ونهب الأموال وسلبها، ولا لإجبار الناس على اعتناقه، ولا لعقاب الكافرين على كفرهم، ولو كان الأمر كذلك لما عقد النبى (صلى الله عليه وسلم) وصحابته من بعده معاهدات الصلح مع غير المسلمين، وما تركوهم على عقائدهم فى أرضهم سالمين. وفى سياق متصل أكد الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن هؤلاء يقتطعون الأحاديث لأهوائهم الشخصية معللا أن لكل حديث أسبابه كما أن لكل آية فى القرآن سببا لنزولها وقال إن هذا الحديث كان له سببه وهو أن أناس من عبده الأوثان كانوا يتربصون للرسول لقتلة والقضاء على الدعوة وهو المقصود به وليس المقصود ب سائر الناس. والإسلام برىء من هؤلاء لقول الله تعالى :( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، وهؤلاء مفسدون فى الأرض ولا يفهمون ويريدون تفسير الأحاديث حسب أهوائهم المشبوهة. وطالب بتطبيق حد الحرابة عليهم لقول الله سبحانه وتعالي: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم)، فالإسلام حرم قتل النفس الإنسانية بكل معتقداتها موضحا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما. وقال إنه لا فرق بين الدم المسيحى والدم المسلم فكلاهما حرام لقوله تعالي: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) وما حدث فى ليبياعمل بربرى همجى لا يمت إلى الإسلام بصلة. التعطش للدماء من جانبه أكد الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن هؤلاء المجرمين لا يستندون إلى نص شرعى وما يفعلونه استحلال للدماء وتعطش لإزهاق الأرواح وقتل النفس ليس من الدين فى شيء لان الدين لا إكراه فيه لقول رب العزة : ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها). كما أنه لم يثبت عن الرسول فى كل فتوحاته أن أرسل جيشا إلى بلد من البلدان لإجبار أهلها على الإسلام باستعمال السيف، وهؤلاء المجرمون مدفوعون من جهات خارجية لتشويه صورة الإسلام ، وكل من يستحلون الدماء كفار وخارجون عن الملة ولا بد من تطبيق القصاص فيهم. وفى السياق ذاته أكدت الدكتورة عبير خلف، أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر، أن هؤلاء الجهلاء بأفعالهم وجرائمهم النكراء التى لا تقبلها الفطرة الإنسانية السليمة يمثلون خطرًا على الإسلام أكثر من أعدائه، لأنهم يشوهون صورة الإسلام السمحة وينفرون بجهلهم الناس من الدين، ويعطون فرصة لأعداء الإسلام لترسيخ الصورة المشوهة للدين الحنيف فى أذهان الناس خاصة فى الغرب، ويمعنون فى الإساءة إلى الدين الذين يزعمون انتماءهم إليه عبر استمرار مسلسل القتل الوحشى والهمجى ضد ابرياء من الناس على اختلاف انتماءاتهم الدينية والوطنية.