مركز سمالوط بمحافظة المنيا - الذى تواترت أنباء عن فقده 21 من أبنائه الذين يعملون فى ليبيا زعم تنظيم داعش إعدامهم خلال الايام الماضية يعتبر نموذجاً ومثالا لما يعانيه مواطنو بعض القرى فى صعيد مصر من مشكلات وفقر جعلهم يفرون هاربين من جحيم العوز والإهمال إلى الغربة التى لم تقبل إلا بحياتهم ثمناً لها. فسمالوط مثل غيرها من قرى صعيد مصر المنسى دائما..لا اختلاف بين القرى والمدن والمراكز ، حيث تتشابه الوجوه التى حفرت قسوة الحياة ملامحها ، وتتشابه أيضاً المشكلات والأزمات. قرى بر مصر فى الاتجاهات الأربعة تعانى جميعاً من غياب المرافق الأساسية وندرة اهتمام المسئولين، اما ابناؤها فهم ملح الأرض الذى يدفع الثمن من صحته وعمره سواء بقى بها أو خرج باحثاً عن الرزق خارج حدودها ، وكان لنا لقاء مع ثلاثة مشاهد قاسية فى قرية اطسا ، تكاد تتطابق فى تفاصيلها مع قرى أخرى كثيرة فى ربوع مصر قبلى وبحرى ..مشاهد تمثل شظف العيش والمعاناة ، كما تمثل الصبر والجلد الذى يعيش ويحيا فيه سكان قرى مصر المحروسة. «تحقيقات الأهرام» انتقلت إلى سمالوط ورصدت مشاكل مواطنيها على أرض الواقع ؟ معديات العبور إلى الموت فى مشهدها الاول وكعادتها كل صباح حملت أم أحمد السيدة الأربعينية سلتها الفارغة متوجهة إلى سوق قريتها إطسا المحطة ، والذى لا تبعد كثيراً عن منزلها ، واستعدت بحماس لممارسة مغامراتها اليومية فى الجدل والفصال مع الباعة للحصول على أفضل الأسعار وأرخصها لهذا القدر اليسير من الخضراوات التى تبتاعها منهم، وإن كان الفصال هواية تجيدها ببراعة فهو يضمن لها أيضاً هامشاً مناسباً من الربح عندماً تتوجه بهذه البضاعة لبيعها فى مركز سمالوط لدى بعض الزبائن. مغامرة أخرى غير محمودة العواقب تمارسها أم أحمد عندما تٌقرر التوجه إلى الضفة الأخرى من ترعة الإبراهيمية فليس أمامها إلا السير على خطوط السكة الحديد مباشرة فى طريق مختصر يبعد عن المزلقان الرسمى ، وذلك لتصعد على متن هذه المعدية الصغيرة المتهالكة ، وبينما تخاطر هذه السيدة بحياتها حتى لا تضطر للسير نحو كيلو متر لأقرب كوبرى ، فقد العشرات حياتهم على هذا الممر غير الرسمى لعبور المواطنين. على متن المعدية المترنحة شبه المحطمة التى تخشى ركوبها فى يناير وفبراير نظراً لارتفاع منسوب مياه النيل بالترعة ؛ نظرت أم احمد متحسرة لقواعد الكوبرى المغروسة فى مياه ترعة الابراهيمية منذ 3 سنوات تنتظر انتهاء الحكومة من بناء هذا الكوبرى ليخدم نحو 30 ألف مواطن هو عدد سكان القرية الذى عاد العمل إليه أخيرا. بينما تذكرت أيضاً الجانب الشرقى من القرية الذى يعانى من تهالك المعدية التى سقطت من شهور بنحو ثلاثين من ابناء القرية بعد العودة من مراسم دفن على الشاطئ الآخر. أسرعت أم أحمد لتبيع خضراواتها وتعود قبل موعد خروج ابنائها من مدرستهم فى تمام الحادية عشرة صباحا، فضيق يدها علمها قيمة العلم وضرورة تحصيله مهما تكن التحديات. وما أكثر تلك التحديات التى يواجهها أبناء هذه المدرسة التى لم يتغير حالها منذ 40 عاما حين تبرع احد سكان القرية بمنزله الريفى «دوار» ليتحول لمدرسة (أطسا بنين 1) الابتدائية وليحتفظ بجميع معالمه القديمة طوال تلك السنوات. فتحولت غرف المنزل الضيقة إلى فصول للدراسة يتكدس بها ما يقرب من 50 طفلا ، لا يملكون رفاهية التحرك داخل الفصل أو حتى على «التختة» التى تضم خمسة أو أكثر متجاورين ومتلاصقين فربما وفر تلاحم تلك المقاعد الخشبية فرصة لجلوس طفل آخر. 18 فصلا و700 تلميذ وفناء لا يسع نصف هذا العدد كانت تلك المعادلة التى أدت إلى اتباع نظام دراسى يٌعرف باليوم الممتد ووفقاً لمدير المدرسة احمد بدر يحضر تلاميذ الصفوف، الاول والثانى والثالث الابتدائى إلى المدرسة صباحاً حتى الحادية عشرة ، يتبعهم الصفوف الرابع والخامس والسادس ليبدأوا يومهم الدراسى فى تمام الثانية عشرة ظهراً. من دون أسوار للمدرسة وبسقف صنع من عروق أخشاب لا تحمى من حرارة صيف أو برد الشتاء يجلس أبناء أم أحمد بملابسهم المتواضعة - فلا التزام بزى مدرسى - يحاولون تلقى العلم خلال ساعات قليلة فهذا بالتأكيد افضل من الانتقال على بعد نحو 15 كيلومترا للذهاب إلى المدرسة الابتدائية الحكومية الاقرب اليهم كما تقول أم أحمد. «صمود المدرسة من دون صيانة طوال هذه الفترة الزمنية هو حالة استثنائية وقد لا تطول» وفقاً لمحمد السيد والد أحد التلاميذ بينما استنكرت والدة احدى التلميذات نقص دورات المياه بالمدرسة قائلة : «هل يعقل أن تضم مدرسة بها 750 طالبا دورتى مياه فقط؟» قدم أهالى اطسا البلد نموذجا مختلفاً فى التضامن والرغبة فى تحقيق واحد من مطالبهم؛ وخاصة بعد حصول ورثة صاحب المنزل الريفى على حكم بطرد المدرسة عام 2002؛ فحصلوا على قطعة ارض بمساحة 12 قيراطا ملك الوحدة المحلية لمركز ومدينة سمالوط واقعة بحوض بين البلد نمرة 21 قطعة 1 بناحية أطسا، ووفقاً للدكتور اسماعيل محروس مدير مستشفى سمالوط العام وواحد من ابناء البلدة، فقد حصلوا على موافقة من مديرية الزراعة واستصلاح الأراضى منذ عام 2009 على إقامة مدرسة تعليم أساسى باعتبارها من المشاريع ذات النفع العام، وحصلوا على قرار رقم 349 لسنة 2009 من محافظ المنيا بهذا المضمون ، وتم تسليم الأوراق لجميع الجهات المسئولة ولكنها لم تحرك ساكناً. ويتساءل اسماعيل محروس قائلا:»خمس سنوات كاملة مرت ولا نعلم لماذا لا تقوم هيئة الأبنية التعليمية ببناء مدرسة جديدة على الرغم من توافر جميع الاوراق المطلوبة ؟!» تواصلنا مع رئيس الهيئة اللواء محمد فهمى الذى أكد بدوره أن اغلب المشكلات المشابهة تتوقف على موافقة وزارة الزراعة على البناء وذلك لأن الأراضى المخصصة هى فى الغالب أراض زراعية وأوضح أنه سوف يدرس إمكان انشاء مدرسة بديله خلال الفترة المقبلة. كارثة «الفيض» انتهاء اليوم الدراسى القصير لابناء ام احمد لا يعنى العودة إلى المنزل فعليهم اولا المساعدة قليلا فى بعض الأعمال بأحد الحقول ولكنهم لا ينسون ابدا تحذيرات امهم من الذهاب نحو «الفيض» ذلك المصرف الذى تعلن رائحته النفاذة عن موقعه وتستطيع ان ترى بالعين المجردة لونه الداكن الاشبه بلون مياه الصرف الصحي. على ضفة مصرف المحيط الذى يصب مياه فى نهر النيل مباشرة يلقى العشرات من ابناء اطسا القمامة فلا يوجد جهة حكومية أو متعهدون لجمعها، وبحسب محمد فتحى فإن هذا المصرف يٌعد مصدرا للأمراض والحشرات والروائح الكريهة خاصة فى فصل الصيف فضلا عن مشهد مياهه الداكنه واختلاطه بمياه النيل ويقول:» نطلق على هذا المصرف الفيض ولكن اسمه الرسمى المحيط وهو يمر بعدد من المدن ويتردد أن سبب تلوثه هو توجيه الصرف الخاص ببعض مصانع السكر والاسمدة فى ملوى وأبو قرقاص على مصرف المحيط ويقال ايضاً ان محطة صرف المنيا تلقى بمخلفاتها غير المعالجة داخل هذا المصرف». تلوث مصرف المحيط بمياه الصرف الصحى غير المعالجة امر اكده احد المسئولين بصرف جنوبالمنيا - فضل عدم ذكر اسمه - وأكد أن المشكلة الأساسية هى قيام محطة صرف صحى المنيا بصرف مخالفاتها غير المعالجة على مصرف المحيط، وأن التقارير الرسمية توضح أن العينات غير مطابقه وحصلت «تحقيقات الأهرام» على واحد من المحاضر التى حررتها الإدارة العامة لصرف جنوبالمنيا ضد محطة صرف صحى المنيا بتاريخ 18 ديسمبر 2014 والذى نص على التالى « تبين قيام محطة صرف صحى المنيا بصرف مخلفاتها السائلة وغير المعالجة وغير المطابقة للمواصفات على مصرف المحيط الغربى البر الأيمن مخالفة بذلك معايير القانون رقم 48 لسنة 1982 المادة 66 بشأن حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث ، وقد تم ابلاغ رئيس مجلس ادارة شركة مياه الشرب والصرف الصحى عن مخالفته أحكام القانون المشار اليه وذلك تطبيقاً لاحكام المادة 16 من القانون وقد تم إنذار المخالف فى اثناء وقوع المخالفة ولم يستجب واستمر فى مخالفته، وتم اخطار المخالف بالكتاب رقم 537 بتاريخ 19 نوفمبر 2014 على عنوانه وتنبه عليه ازالة المخالفة بمعرفته خلال عشرة ايام من تاريخ اخطاره ولم يقم بإزالة المخالفة». وبحسب المصدر فإن محطة صرف صحى المنيا تطرد نحو 90 الف متر مكعب من الصرف الصحى يومياً على مصرف المحيط، بينما من المفترض أن يعمل خط الطرد الخاص بها فى اتجاه الظهير الصحراوى لزراعة غابة شجرية، هذا المشروع الذى أنشئ بالفعل نحو 90% منه ولكنه لم ينته بعد. ووفقاً للدكتور خالد وصيف رئيس الإدارة المركزية للتوعية والإرشاد المائى فهذا المصرف المعروف بمصرف محيط اطسا، يمتد بطول 46٫500 كيلومتر ويخدم نحو 105 الاف فدان زمام زراعي، ويستقبل تصريفات واردة من محطة صرف صحى مدينة المنيا (تلة) بإجمالى تصرف 120 الف متر مكعب فى اليوم، ونحو 10 آلاف متر مكعب من محطة صرف صحى ابو قرقاص ونحو 5 آلاف متر مكعب من مصنع سكر ابو قرقاص. واشار إلى أن هيئة الصرف ممثلة فى الإدارة العامة لصرف جنوبالمنيا تتخذ الإجراءات القانونية الخاصة بحماية المجارى المائية من التلوث وذلك من خلال عمل محاضر مخالفات للعينات غير المطابقة للقانون حيث يجب معالجة مياه الصرف الصحى قبل صرفها على مياه النيل !! بالاضافة إلى التأكد من اعمال الصيانة الدورية من تجريف ونزع حشائش للحفاظ على المصرف بحالة جيدة. انتهت مشاهد اطسا ولكن المشكلات مازالت قائمة، تنتظر قرارا من مسئول أو تمويلا من الدولة، أو حتى نظرة مختلفة لصعيد مصر.