زاد عمق التنقيب, وانكشف مزيد من الأسرار الدفينة في خزائن امبراطورية ميردوخ. فضاقت معاني وتعريفات الفضيحة في القاموس السياسي البريطاني, فلم تعد توصيفا ملائما لما فعله صحفيو الإمبراطورية الراسخة بالشرطة والإعلام ومؤسسات الحكم ومن قبلهم الناس, خاصة المشاهير منهم, في بريطانيا. في هذه المرحلة من البحث عما وراء فضيحة التنصت علي الهواتف التي تعصف بالامبراطورية الإعلامية المتمكنة, اكتشفت الشرطة البريطانية قائمة أسرار منها أولا: وجود شبكة من المسئولين البريطانيين الفاسدين المتعاونين مع مؤسسة نيوز انترناشيونال, الفرع البريطاني لمؤسسة نيوز كوربوريشن الأم التي يقودها روبرت ميردوخ ثانيا: صحفيو المؤسسة خلقوا ثقافة الأموال مقابل الأسرار لدرجة أن أحد الصحفيين تسلم عهدة مالية بقيمة150 ألف جنيه استرليني كي يدفع منها لأي مسئول يسرب له معلومات عن شخصية سياسية, أو فنان, أو لاعب كرة قدم, أو إعلامي بارز. ثالثا: المتعاونون مع هؤلاء الصحفيين هم مسئولون عموميون موزعون علي مختلف القطاعات, الحكم المحلي, الصحة, وزارة الدفاع, والشرطة, والبقية لم تعرف بعد. رابعا: دفع الرشاوي من أجل فضح أسرارالناس حدث بعلم القيادات الصحفية الكبري. خامسا: المعقل الأساسي لهذه الممارسات هو: صحيفة نيوز أوف ذي وورلد الذي اضطر ميردوخ لإغلاقها في شهر يوليو الماضي بعد168 عاما من الشهرة, وصحيفة الصن الحالية. هذه هي بعض النتائج التي كشفت عنها سو أيكرز نائب مساعد مفوض الشرطة البريطانية ورئيسة فريق التحقيق في فضيحة تنصت صحفيي امبراطورية ميردوخ علي الهواتف. وحتي لا يتذرع صحفيو ميردوخ ومؤيدوهم من محرري الصحف الشعبية بأن القضايا التي تثيرها الصن تهم الرأي العام, شهدت ايكرز بأن نتائج التحقيقات كشفت عن أن معظم ما نشر هو نميمة رخيصة تثير الشهوة. بمعني أوضح هو أن الأموال التي دفعت كانت مقابل شائعات علي الأغلب. وهذه النتائج أجبرت الشرطة البريطانية علي زيادة عدد الضباط المشاركين في التحقيقات إلي مائة ضابط, غارقين الآن في كشف اسرار جرائم هي: اختراق الهواتف الشخصية والتنصت عليها, واختراق أجهزة الكمبيوتر, ورشوة مسئولين عموميين بمن فيهم رجال الشرطة. وتم حتي الآن القبض علي ثلاثين شخصا انتظارا لاستكمال التحقيقات. وبعض نتائج هذه التحقيقات قدمت إلي لجنة ليفسون التي تجري بدورها تحقيقا آخر, لكنه علني, في ممارسات وأخلاقيات الصحافة وعلاقتها بالشرطة. ومالم يستطع محققو الشرطة قوله, فضحه روبرت جاي, المستشار القانوني للجنة عندما قال بلا تردد: أفضل وصف للعلاقة بين الشرطة والإعلام, وخاصة مؤسسة نيوز انترناشيونال, هو أنها وثيقة بدرجة غير ملائمة إن لم تكن علاقة فاسدة فعلا. وهذا الوصف, الصادر عن رجل قانون يزن كل كلمة, قلب المائدة علي الشرطة أيضا. وتلطخت سمعتها بعد الكشف عن سر آخر ظل حبيس أدراج المحققين منذ عام.2006 ففي هذا العام, تبين أن عمليات التنصت التي صممها صحفيو نيوز أوف ذي وورلد استهدفت أكثر من800 شخصية بريطانيا, وأن إدارة شركة نيوز انترناشيونال كانت علي دراية بها وبمخاطرها القانونية, ولم تمنعها. وكشف, بريان باديك, قائد الشرطة حينها, في شهادة مكتوبة إلي لجنة ليفسون, عن الأسوأ وقال إن الشرطة حاولت في هذا الوقت كشف اسرار الفضيحة. وبعثت محققيها إلي مقر الصحيفة للتفتيش والتأكد من صحة ما لديها من معلومات, ولكن مدير تحريرها وثلاثة من محاميها منعوهم. واضطر المحققون للمغادرة. لماذا غطت الشرطة إذن علي مثل هذا السلوك الذي يؤكد مباركة الإدارة التي يعينها ميردوخ فساد ذمم الصحفيين وعلاقتهم ببعض المحققين؟. هو الفساد يجيب المحامي جاي الذي قال إنه هذا هو نفس السبب الذي منع الشرطة من التحقيق الجدي عندما فاحت مرة أخري رائحة فضيحة التنصت علي الهواتف في عامي2009 و.2010 ورغم عشرات الملايين التي دفعها ميردوخ في قضايا تعويضات وتشهير رفعها الكثير من الشخصيات في بريطانيا علي مؤسسته, فإنه لايزال يقاوم الضغوط. وبدا وكأنه يخرج لسانه لطابور منتقديه الطويل, في الإعلام والسياسة والبرلمان والقضاء والشرطة. فأصدر أخيرا صحيفة صن أون صنداي الأسبوعية( يوم الأحد) بديلا عن نيوز أف ذي وورلد التي أجبر علي إغلاقها. وبدلا من الاستجابة للضغوط عليه لالغاء الصفحة الثالثة المخصصة للفتيات اللاتي يصورن عاريات إلا ما يستر بالكاد العورة السفلي في صحيفة الصن اليومية, صدر العدد الأول من الصن الأسبوعية بنفس الصفحة. والفارق الوحيد هو أن الفتاة التي نشرت صورتها بدت وكأنها تخفي ثدييها علي استحياء. وافتخر ميردوخ بأن العدد الأول وزع ثلاثة ملايين ونصف مليون نسخة بينما كان هو نفسه يتوقع توزيع مليوني نسخة علي الأكثر. في اليوم التالي, بدا مما سمعته لجنة ليفسون أن الفضيحة تجاوزت حدود الكارثة, وأن قوة ونفوذ امبراطورية ميردوخ تخيف المشاهير في بريطانيا, ما اضطر المغنية الشهيرة تشارلوت تشيرش إلي قبول تسوية مع مؤسسة ميردوخ. وقبلت تعويضا قيمته600 ألف جنيه استرليني من المؤسسة مقابل عدم المضي في قضية رفعتها ضدها بسبب تنصتها علي هاتفها وملاحقة أسرتها. ومع أن موقفها القانوني بدا قويا في القضية, فإنها بررت قبولها التسوية بأن صحفيي ميردوخ لن يقفوا عند أي حدود في ملاحقتهم لها وأسرتها( بعد أن فضحوا معلومات سرية تتعلق بحالة أمها النفسية). فهؤلاء الصحفيون هم, كما قالت أمام الكاميرات خارج المحكمة, يفعلون أي شيء من أجل ثراء مؤسسة ميردوخ التي تملك صحف التايمز وصنداي تايمز وصن وصن او صنداي و39 في المائة من أسهم شبكة سكاي الإخبارية البريطانية). وهذا الخوف, من جانب تشيرش, يثير تساؤلات مستمرة من جانب المعلقين وكبارالصحفيين في بريطانيا الذين يخشون من أنه كلما تكشف المزيد من أسرار الكارثة التي سببها صحفيو ميردوخ ومدي إجرامهم, كما قال كريس براينت النائب البارز عن حزب العمال في البرلمان, زادت المخاوف من إعادة النظر في القوانين لحد قد يؤدي إلي تكميم الصحف. ويطالب براينت, وغيره كثيرون, البرلمان بأن يلتقط أنفاسه ويفكر بروية في وسائل لمنع تكرار ما حدث. وهي دعوة لا يعرف البرلمان الذي بعض لجانه في الكارثة كيفية التعامل معها حتي الآن. وزاد صعوبة موقف البرلمان بشهادة اللورد جون بريسكوت نائب رئيس الوزراء السابق الذي تنصت صحفيو ميردوخ علي هاتفه, أمام لجنة ليفسون. فقد قال اللورد بحدة ودون مواربة إن ميردوخ له نفوذ فاسد في السياسة البريطانية... ولا تزال التحقيقات مستمرة في الفضيحة الكارثة.