نصب الحسن عرشه فسألنا.. من تراها له، فدل عليك.. والفراشات ملت الزهر لما.. حدثتها الأنسام عن شفتيك.. ترى ما الذى كان يدور فى رأس الشاعر بشارة الخورى عندما تغنى بتلك الأبيات لمحبوبته? ما الذى كان يدفع شعراء الزمن الجميل بوصف محبوباتهم بأبيات الغزل؟ هل كانت المحبوبة بالفعل تتمتع بقدر من الجمال يجعل «الورد يقتل نفسه حسدا من جمالها»؟؟ أم كان الرجال والنساء من كوكب آخر غير الذى نعيش فيه الآن.. لن نسأل أين ذهبت الرومانسية.. ولن نلوم المسئول عن غيابها.. لكن نطرح سؤال ملح هل الرومانسية مطلب نسائى أم مطلب إنسانى؟ فأغلب النساء تشتكى من أن الرجل بعد أقل من عام واحد من الزواج يفقد رومانسيته، تقول إحداهن: كأننى تزوجت من رجل آخر غير الذى كنت أعرفه، فأيام الخطوبة كان يغدقنى بكلمات الحب واللمسات الجميلة من الهدايا البسيطة، وكان يردد دائما لن ترى الدموع طريقا إلى عينيك.. ولكن تقول أخرى: ليس بالضرورة أن يعبر زوجى عن حبه لى بكلمات أو أفعال.. فأنا أيضا مشغولة ولم يعد لدى وقت لتبادل المشاعر والغزل والتدليل، لكن هذا لا يعنى أن الحب قل أو اختفى، إنما فقط أخذ شكلاً آخر عملياً أكثر من الشكل الرومانسى. أما هو فيقول: لو جربت واتصلت الآن بزوجتى لأخبرها عن مشاعرى مثلا -حتى على سبيل المجاملة- لوجدتها مشغولة بالنت تتباهى بكلمات الإعجاب المزيفة من مواقع التواصل، لم يعد هناك ما يسمى رومانسية ولم يعد هناك الحبيب الذى يناجى حبيبته عبر النافذة فى ضوء القمر. الدكتورة فيفيان أحمد فؤاد أستاذة علم النفس الطبى بكلية الآداب جامعة حلوان تؤكد أن الرومانسية هى مطلب إنسانى وليس مطلب نسائى فقط، فكلا الطرفين يحتاج الى مشاعر الحب والرومانسية، حتى الطفل يولد وهو بحاجة الى احتياجات أربع وهى الأكل والشرب والدفء والأمان.. أى أن إحساسه بالحب مطلب أساسى عندما يصرخ صرخة الحياة، وبمجرد أن تحمله الأم وتضمه يهدأ ويتوقف عن البكاء.. إذن فمشاعر الرومانسية هى احتياج سيكولوجى مشترك بين كل الأنواع والأجناس والأعمار.. حتى المسنين عندهم إحتياج للحب، وهذا ما يدفع البعض إلى عدم الإحساس بالأمان عند التقدم فى العمر لأنه يشعر بعدم الحب من المحيطين.. يختلف مفهوم الرومانسية بترتيب القيم عند الناس، فهناك شخصية مادية تفسر عدم التعبير بالهدايا على أنه فقدان للرومانسية، وهناك شخصية لديها إعلاء وتقدير وتفضيل للقيم المعنوية، ويرتبط هذا أو ذاك بالتنشئة من الطفولة.. فممكن أن أربى إبنى أن يقدر قيمة الوردة وممكن أن أربيه على القيم النفعية.. من الأكثر رومانسية؟ تضيف د. فيفيان أنه ليس هناك دراسات علمية توضح أن هناك فروق بين الرجل والمرأة فى مدى احتياجهم الى الرومانسية لكن الفروق ترجع الى التنشئة الأسرية وترتيب القيم بالنسبة للفرد ومفهومه عموما للحب، وقد يبخل الرجل فى التعبير عن مشاعره للموروث الثقافى الشرقى الذى يؤثر عليه أن الرومانسية مشاعر ضعف ولا تتفق مع مفهوم الرجولة، وهى ترتبط أيضا بالقدرة على الإعطاء بمعنى: أنه من الممكن أن يكون الشخص غنى ولكنه يوفر مشاعره ومادياته، أو يكون فقيرا ولكنه يعبر بالهدايا لمجرد أن يشعر الطرف الآخر أنه مهم بالنسبة له.. ولو رجعنا الى الأصول الإسلامية لوجدنا الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «تهادوا تحابوا» معنى هذا أن الهدايا توطد المشاعر، لكن الرومانسية ليست بالضرورة أن تكون بالهدية، ولكنها مجموعة سلوكيات تنطوى على الإيثار أو تفضيل الغير، مثلا فكرة الحفاظ على شعور الطرف الآخر أثناء الحوار تعتبر رومانسية، محاولة الاهتمام وبذل الجهد لراحة الطرف الآخر تعتبر رومانسية، أن تصنع الأم أكلة تسعد بها أسرتها فهو تعبير عن الرومانسية، أما الدبدوب والقلب الأحمر فليس تعبيرا عن الحب.. والتعبير عن المشاعر ليس مرتبط بتاريخ وإنما مرتبط بالإحساس، فهل معنى عيد الأم أننى أكره أمى طوال العام وأحبها فقط فى هذا اليوم!! وإنما يوم الإحتفال هو تخليد للذكرى، والرومانسية ليست هدايا لأننا كثيرا ما نهادى للرسميات أو لأداء الواجبات، فالهدية لابد أن يصحبها مشاعر وإلا ليس لها لزوم، ولا حتى الكلمات البراقة تعبير عن الحب، صحيح أن التعبير عن الحب مطلوب ولكن الابتزال لا يكون وسيلة للضغط على المشاعر فأحيانا القول يفسد الشعور تماما مثل الذى يأكل الكباب كل يوم فيمل منه بعد مدة ولا يطيق رائحته.