فى غياب منطق سياسى حاكم، يبقى الأمل مشروعا، لعل انسحابا منظما يطول الكثير من مفردات الخطاب المجتمعي، بما لا يهدم مرتكزاته، متى كانت وطنية، فى انتظار صياغة استراتيجية وطنية، تعبر عن مشتركات مجتمعية لا تزيل آثار تعددية سياسية باتت «مستهدفة».فدوران إلى الخلف، كون علامات تعجب ثارت على خلفية إعلان المهندس احمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل، رغبته فى الترشح فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ ذلك أن دستورا لم يحرم الرجل من حق الترشح، حاز قبولا مجتمعيا عالياً، وراجت خلفه أحاديث الفخر ممن أسهموا فى وضعه وصياغته، ثم لا نبرح موقعنا المفضل من معاداة كل منطق سياسي، فتنمو إلى الرجل «دعوات» بعدم الترشح حتى بلغت حد استعطاف الرجل «... ولو من الوجهة الأخلاقية»!. والواقع أن اتساقا بات يلح على وحدة الفكر والعمل، فيما يؤكد وجود استراتيجية واضحة، بالقطع لا ينتجها إلا جهد مؤسسي، فإذا ما بلغنا ذلك الحد الأدنى للانطلاق نحو طموحات الثورة، بشقيها فى يناير ويونيو، فإن ضبطا للمفاهيم بات ضرورة لا ينبغى التراخى فيها؛ ذلك أن اضطرابا حقيقيا نال من مصداقية ووعى الخطاب المجتمعى الدائر، وفى ذلك أحاديث مجتمعية شتي، تأسست وفق علاقات «مفاهيمية» غير صحية، فحلت «الأبوة» محل «المسئولية»، ونهضت «الشرعية» تمنع «المساءلة»، بينما «الأخلاق» تصلح ما أخفق فيه «العمل»!. من هنا، وضبطا لمفاهيم الخطاب المجتمعي، ليس إلا على سبيل الحصر، تأتى ثورة يناير مرجعية أولى للفصل بين الطموحات المشروعة لأبناء الوطن فى حياة كريمة حرة، وأطماع العودة من جانب أبناء النظام الفاسد الذى جسده حكم مبارك على مدى عقود مظلمة من التردى على مختلف محاور العمل الوطني، لم يدانيها ظلمة إلا حكم الجماعة الإرهابية، وقد باتت ثورة يونيو حدا فاصلا حائلا بينهم وبين حركة المجتمع سعيا إلى دولة ديمقراطية حديثة. ولما كانت ثورة يونيو قد عمدت إلى تطهير صفوف ثورة يناير من الجماعة الإرهابية، التى تسللت إلى مقدمة الصفوف فى ظل احتدام الصراع الثوري، فليس فى ذلك ما يدعم مشروعية عودة نظام مبارك؛ ذلك أن حكم الإخوان ما كان إلا الوجه الآخر لحكم مبارك، سواء فى احتكار السلطة، أو مغالطة الحقائق والوقائع، فضلا عن شراء الذمم، وتزييف الإرادة الشعبية. والواقع أن احتمالات عودة نظام مبارك، بوجوهه الكريهة، باتت تشكل هاجسا لا يمكن إنكاره، مع ما فى ذلك من مبررات لعودة الجماعة الإرهابية، بوجوه جديدة لم تعلن عن «إخوانيتها»، لكنها لا تضمر للوطن أفضل من قياداتها التى آثرت إلا أن تتخذ من سياسة «الأرض المحروقة» منهجا وحيدا، فأغرقت كل محاولات دمج الجماعة فى العملية السياسية؛ ففى القريب المنظور على الأقل، تنعدم فرص ظهور أجيال من الجماعة أكثر إيمانا بمفهوم الوطن، وبقواعد العملية الديمقراطية متى تعارضت مع سُبل هيمنة الجماعة، وتطويعها لكل أداة ديمقراطية، ومن بينها الانتخابات، برلمانية كانت أو رئاسية. من هنا فإن محاولات نظام مبارك الرامية إلى تشويه ثورة يناير المجيدة، بزعم إنتاجها حكم الإخوان، ما هى إلا استمرار لذات النهج المضلل الذى شكل عقيدة ثابتة فى سياسات وممارسات الحزب الوطنى المنحل؛ ذلك أن ثورة يناير هبت وجماعة الإخوان فى أقوى حالاتها بفضل التعاون الوثيق بينها وبين الحزب الوطني، حتى وصل الغزل السياسى بين الطرفين إلى حد جهر رموز قوية فى نظام مبارك بأنه «قد آن الأوان لجماعة الإخوان أن تنشئ حزبا سياسيا»!. ولو أن الحزب الوطنى كان قد واجه الجماعة الإرهابية، على نحو ما قامت به قوى ثورة يناير، ولم يستخدمها ذراعا منتجا لشرعيته فى الداخل والخارج، لما كان للجماعة أى أثر فى الشارع السياسى فى الخامس والعشرين من يناير، ولمضت الثورة فى طريقها دون عثرات استوجبت تصحيحا ضروريا على نحو ما أجرته ثورة يونيو. ولما كان الحزب الوطنى قد عاش مفتقرا إلى المفهوم الحقيقى للحزب السياسي، محصورا فى كونه مجموعات مصالح، لم تلتق يوما بمصالح الوطن، فقد تمرس على جذب الشخصيات «المستقلة»؛ ومن ثم ففى ظل قانون الانتخابات البرلمانية الحالي، وما يوفره من فرص لا تدعم الأحزاب، تتصاعد احتمالات نشوء تجمع برلمانى يشكل الحزب الوطنى محوره الأساسي، وحوله تلتف مجموعات مصالح لطالما وجدت ضالتها فى حزب السلطة، فإن لم يكن للسلطة حزبا اتجهت «بالسليقة» إلى أقرب الأحزاب إلى السلطة، ومن هنا كانت ثورة يونيو، برمزها الكبير الممثل فى الرئيس السيسي، هدفا لا بديل عنه يمكن من خلاله تمرير عودة نظام مبارك. والحال كذلك، بات على ثورة يونيو، العمل بجد على تنقية ثوبها من دنس نظام مبارك الفاسد المستبد، الأمر الذى نجحت فيه ثورة يناير، عندما تخلصت من زيف انتماء الجماعة الإرهابية لمبادئها الإنسانية النبيلة. وعليه، بات لنا أن ندرك أن الثورة ما هى إلا قيم جديدة، تصوغها واضحة جلية مفاهيم منضبطة لا لبس فيها، ذهب «عز» أو أتى!. لمزيد من مقالات عصام شيحة