نشر «بريد الأهرام» كلمة للدكتور حسن عبدالرءوف الهندى الأستاذ بزراعة الاسكندرية تحت عنوان «نداء الأساتذة» جاء فى سياقها ما وصفه بالهرم المقلوب فى هيئات التدريس بالجامعات المصرية حيث يشكل الأساتذة المتفرغون (من هم فوق سن الستين) قاعدة الهرم، بينما يشكل باقى أعضاء هيئة التدريس من أساتذة عاملين وأساتذة مساعدين ومدرسين (من هم تحت سن الستين) قمة الهرم، وطالب الأساتذة المتفرغين بأن يتركوا المجال تماما للجيل التالى حتى يتمكن الأساتذة العاملون على حد تعبيره من اتخاذ قراراتهم بعيدا عن أى ضغوط!! ثمة ملاحظات نراها مهمة وينبغى توضيحها فى هذا السياق حتى لا نقع فى فخ «التعميم» نشير إلى بعض الملاحظات: أولا: إن العبرة ليست فى سن الأستاذ ولكنها فى قدرته على العطاء، فكل من بالجامعات المصرية يعلم أن عطاء الكثيرين من الأساتذة المتفرغين يزيد كثيرا عما يعطيه بعض الأساتذة العاملين، لذا فإن معظم جوائز الدولة التى تكرم بها العلماء يحصدها الأساتذة المتفرغون، وانظر إلى العالم الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل.. هل استغنت عنه جامعته الأمريكية بعد أن وصل إلى سن الستين وأصبح متفرغا؟ ثانيا: نظرا لزيادة أعباء الحياة، فلقد حرص أعضاء هيئات التدريس من الشباب على الانتداب فى الجامعات الأخرى ولاسيما الخاصة، ناهيك عن حرصهم جميعا على أن يعاروا للدول العربية، وغالبا فهم لا يكتفون بأقصى مدة للإعارة وهى عشر سنوات وفقا للوائح فنراهم يمدون إعارتهم بالحصول على إجازة.. مرة لمرافقة الزوجة تليها إجازة أخرى لمرافقة الزوج حتى إن بعضهم يظل معارا لمدة تصل إلى عشرين سنة مع الاحتفاظ بوظيفته داخل جامعته، بل وتتم ترقيته وهو بالخارج. ويقوم أعضاء هيئة التدريس بمن فيهم الأساتذة المتفرغون بأداء عمل هؤلاء المعارين. أما عن شباب الأساتذة بكليات الطب فحدث ولا حرج، فمعظمهم لا يجدون الوقت للذهاب إلى كلياتهم لأنهم مشغولون بعياداتهم الخاصة التى يمتد العمل فيها إلى الساعات الأولى من الصباح، فضلا عن عدد من المستشفيات الاستثمارية التى يعملون بها يوميا، بينما يوجد الأساتذة المتفرغون بكلياتهم من الطلاب يعطونهم بلا حدود من خبرتهم وعلمهم، فأغلبهم قد حصل على الدكتوراه من أفضل جامعات العالم وهو الأمر الذى أصبح عصيا منذ فترة طويلة فى ظل ما تعانيه مصر من شح الموارد، فالمبعوث الواحد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للحصول على الدكتوراه يكلف مصر الآن مليون جنيه. ثالثا: كيف يضغط الأساتذة المتفرغون على الاساتذة العاملين فى اتخاذ قراراتهم؟ إن الأساتذة المتفرغين بحكم القانون لا يتولون أى مناصب إدارية، فإذا كان الزميل كاتب الرسالة قد تعرض لمن قال له (نحن أساتذتك وأصحاب الفضل عليك فى حصولك على الدرجة العلمية وإننا فى مقام أبيك وأمك)، فهذا استثناء وموقف شخصى محض وليس قاعدة وإذا كنا جادين حقا فى تطوير منظومة الأداء الجامعى فى مصر بعيدا عن شخصنة الأمور فعلينا انتاج سياسة استمرارية التقويم حتى بعد الحصول على الاستاذية حتى لا يعتبرها البعض وهو واقع للأسف محطة استراحة بعد عناء العمل فى الداخل والخارج فنرى كثيرين من الأساتذة لا يذهبون إلى كلياتهم إلا لماما، فإذا بحثت عن أى انتاج علمى لهم فلن تجد شيئا من هذا ولا ذلك. وأقترح فى هذا السياق أن يتم تقويم الأستاذ سواء كان عاملا أو متفرغا على فترات زمنية يتفق عليها فإذا كان مستمرا فى عطائه البحثى والتدريسى فليستمر وإلا فعليه أن يغادر مكانه مع الاحتفاظ له بكل حقوقه ولا سيما المالية حتى نضمن له ولأسرته حياة كريمة تليق بعطائه على مدى سنين عديدة وذلك بغض النظر عن سن الاستاذ تحت أو فوق الستين، إن العبرة أيها السادة بالعطاء وليست بالسن. د. محمد محمود يوسف أستاذ متفرغ بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية