تعليقا علي رسالة امرأة من هذا الزمن.. لا يستطيع صاحب قلب أن يقرأ تلك الرسالة دون أن يتعاطف مع صاحبتها ويبدي إعجابا وإكبارا لتلك السيدة الكريمة الأصل, الطيبة المنبت.. ولقد دفعني ردك الحصيف عليها إلي البدء في نظم تلك الرسالة المتواضعة. وكان العامل الرئيسي في ذلك هو حديثك عن الفساد الذي ضرب المجتمع كله.. ورأيت نفسي أبحث عن هذا الفساد وأفتش عن جرثومته.. هل حط علينا الفساد من الخارج أم من الداخل.. هل الحكم البائد هو الذي اخترعه أو أنه نشأ في بيئة حاضنة للفساد فكان أن أصبح فاسدا مفسدا بدلا من أن يواجه هذا الفساد ويقاومه بحكم المسئولية والواجب.. وهاكم تلك الشذرات. بعد ان كان صاحب الانجازات التاريخية والفتوحات الأسطورية.. أصبح صاحب كل انتكاس سياسي وإخفاق اقتصادي وانهيار اجتماعي.. وهذا هو حالة تلك الدنيا التي إذا أقبلت علي إنسان منحته محاسن غيره.. وإن أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه..! لا يخفي علي أحد أن ما يسمي بالتوريث هو عرف تعارف عليه المجتمع المصري قبل أن يطفو علي سطح السياسة ملف الوريث( جمال الثاني).. ففي جامعاتنا يتوارث الأبناء مناصب آبائهم بالحق حينا وبالباطل أحايين أخري.. حيث يتم الاعلان عن وظائف تكون قد فصلت تفصيلا لأهل الثقة والحظوة و(البهوات) الصغار.. فمن يا تري هو صاحب فكرة التوريث في مصر.. هل هو مبارك؟ أو أن مبارك هو الذي استوحي تلك الفكرة من بعض أبناء شعبه الأخيار الأطهار..؟ طبقا للواقع والأرقام فإن غالبية قضايا الحقوق والمواريث بين الأهل والأقارب يتم الفصل فيها باللجوء إلي المحاكم وساحات القضاء نظرا للأطماع والتعدي علي الحقوق ومحاولة كل فرد الاستئثار بأكبر قدر من الميراث بغير وجه حق حتي ولو كان علي حساب أقرب الأقربين..فهل مبارك هو الذي علم الناس السلب والنهب والسطو علي حقوق الآخرين, أو أنه تلميذ نجيب لبعض أفراد شعبه الأخيار الأطهار..؟! هل مبارك هو الذي خلع علي نفسه ألقاب القيادة والزعامة والحكمة ورجاحة العقل أم أنها كتائب المنافقين من الكتبة ومدعي الفكر والثقافة الذين وطنوا أنفسهم لخدمة كل حاكم.. تراهم يميلون مع كل ريح ويتبعون كل سلطة شاهرين أقلامهم وخناجرهم للدفاع عن كل صاحب سلطة. منافحين عنه بكل ما يملكون مادام صاحب السلطة والصولجان.. هل مبارك هو الذي سن القوانين سيئة السمعة التي حكم بها البلاد أو أنه وجد من جهابذة القانون من يزين له سوء عمله ويتطوع بتفصيل الدساتير والقوانين التي تزيد من طغيانه وتزيد من فساد النفس البشرية الأمارة بالسوء؟ من هو الأكثر فسادا ومن هو الأكثر سوءا.. مبارك الحاكم الذي تنازعته شهوة الحكم وسطوته وتوجسه من المجهول أو هؤلاء المرتزقة الذين ارتدوا مسوح الرهبان ورجال العدل وقاموا بموالاة الحاكم وإغرائه بسن قوانين تحمي الفساد, بل وتقننه وتطلق يد الحاكم دون حساب لتصنع منه الفرعون الذي لا يسأل عما يفعل لينتهي به الحال إلي شيخ فان محمول داخل قفص من الذل والهوان ترميه الأبصار تارة بالتشفي وتارة بالشماتة وتارة بالشفقة من بعض ضعاف القلوب.. فبئست تلك النهاية التي انتهي اليها مبارك الذي لم يكن ضحية لنفسه البشرية الضعيفة فقط. ولكنه كان ضحية الزوجة والولد ومستشاري السوء وسدنة القانون الذين أرادوا التقرب إليه زلفي علي حساب الوطن والشعب وقيم الحق والعدل.. لست مدافعا عن مبارك ولا منافحا عن أخطائه وخطاياه في حق الوطن والمواطن, ولست مبررا لسوء عمله ولجرائره التي انتهت بنا إلي هذا المآل وإلي تذيل الأمم بعد أن كانت مصر منارة يهتدي بها وفخارا لأبنائها في الداخل والخارج.. لست هذا ولا ذاك أيها السادة ولكني أردت أن أقول في الوقت ذاته: إن مبارك ما كان له أن يكون كذلك لولا الحاشية وبطانة السوء, ولولا خيانة المثقفين والعلماء الذين شاركوا مبارك فساده وخطاياه إما بتملقه وموافقته ابتغاء عرض الحياة الدنيا وإما بالسكوت خشية إغضابه وإيثارا لسلامتهم حتي ولو كانت علي حساب سلامة الوطن ومصالح الأمة.. أيها السيدات والسادة.. لا تلوموا مبارك وحده.. ولوموا أنفسكم أولا إن كنتم منصفين.. وكيفما تكونوا يول عليكم.. لو كنتم تعلمون..! رضا نبيه سليم شربين دقهلية [email protected]