رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    طرح 400 ألف وحدة سكنية عبر «منصة مصر العقارية».. أكتوبر المقبل    السيسي يوجه بدعم قدرات شبكات الاتصالات ووضع استراتيجيات واضحة لتطبيق الذكاء الاصطناعي    السيسي يوجه بتعزيز شبكات الاتصالات وتطبيق استراتيجيات الذكاء الاصطناعي ودعم الكوادر المتخصصة    رئيس الأركان الإسرائيلي: توسيع العملية العسكرية في غزة يقترب    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    كولومبوس كرو يعلن إصابة وسام أبو علي    إمام عاشور يعود للتدريبات... ووفرة النجوم تمنح ريبيرو تحديًا ممتعًا    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    20 ألف جنيه.. إخلاء سبيل المتهمة بدهس طفل ووالده على طريق الأوتوستراد بكفالة مالية    تفاصيل غرق طفل أثناء اللهو مع أسرته بأرض زراعية في المنيا    حادث سير.. وفاة نجل شقيق أروى جودة    الثقافة تعلن إطلاق المؤتمر الوطني حول الذكاء الاصطناعي والإبداع    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    وكيل صحة الأقصر يتابع مبادرة "100 يوم" بوحدة الكرنك القديم.. صور    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    رئيس شئون القران بالأوقاف: مسابقة دولة التلاوة رحلة لاكتشاف جيل جديد من القراء    رئيس المجلس الوطني الفلسطيني: إدخال الخيام في هذا التوقيت مؤامرة ومقدمة للتهجير وغزة تواجه نكبات متتالية    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    عاجل| قرار وزاري جديد بشأن عدادات المياه المنزلي والتجاري    أمن قنا يكثف جهوده لضبط مطلقي النيران داخل سوق أبودياب    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    25 باحثا يتناولون تجربة نادي حافظ الشعرية بالدراسة والتحليل في مؤتمر أدبي بالفيوم    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    نقيب السكة الحديد: 1000 جنيه حافز للعاملين بالهيئة ومترو الأنفاق بمناسبة المولد النبي    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    رئيس هيئة قناة السويس يوجه بصرف مليون جنيه دعما عاجلا لنادى الإسماعيلى    بنك saib يمول 14 عملية مع مركز مجدي يعقوب العالمي للقلب    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بأسيوط    قبل انطلاق الدوري.. الزمالك يدعم صفوفه في الكرة النسائية بعدة صفقات جديدة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    وزير الصناعة والنقل يتفقد معهد التبين للدراسات المعدنية التابع لوزارة الصناعة    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    مدير تعليم القليوبية يكرم أوائل الدبلومات الفنية على مستوى الجمهورية    930 ألف خدمة طبية بمبادرة 100 يوم صحة في بني سويف    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    7 بطاركة واجهوا بطش الرومان وقادوا الكنيسة المصرية ضد تيار الوثنية    فتنة إسرائيلية    إصلاح الإعلام    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    «ميلعبش أساسي».. خالد الغندور يهاجم نجم الزمالك    نتنياهو: لا اتفاق مع حماس دون إطلاق الأسرى دفعة واحدة ووقف الحرب بشروطنا    تعليق مفاجيء لجمال حمزة عن تعادل الزمالك مع المقاولون العرب    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏..‏و كشف إبداع الحضارات
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 03 - 2012

علي طريقته الخاصة كان حبه لمصر المتحضرة‏...‏ هكذا كان ثروت عكاشة الذي يمكن أن نصفه اليوم بأنه عصر بأكمله‏ .. موسوعة متحركة في تاريخ ما حدث وما كان.. ولون منفرد من طمي النيل وشمس الأصيل وبحر الاسكندرية, بل ونغم مصري يعرف كيف يفرض نفسه علي كل نغمات الشرق والغرب.
فهو أحد الضباط الاحرار الذين شاركوا في ثورة يوليو1952 ولكنه ورغم الصرامة والالتزام التي تفرضها العسكرية كان صاحب إلتزام خاص بحضارة وثقافة مصر. و لا عجب في هذا فقد ولد في بدايات العشرينات ليعاصر مرحلة فريدة من تاريخ المحروسة حتي استوي له فكرا ثوريا طبقه من وجهة نظره بعد أن أصبح مسئولا عن ثقافة مصر في الستينات. ويمكننا القول أن موهبة ثروت عكاشة في قراءة المفردات الحضارية نابعة من كونه ابنا بارا نجح في أن يستفيد من هذا الارتياح والتوافق بين المفردات في الحياة المصرية- ان صح التعبير-بعد أن تلقي تعليما وطنيا وفهما من البداية ان الأمور لا تستقيم إذا أغفلنا التراث والحضارة المصرية تماما كما لا تصح الرؤية إذا لم نقرأ عن حضارات مثل الحضارة اليونانية والهندية و الفارسية والرومانية.
فولدت مؤلفات وصلت إلي السبعين أثبت من خلالها انه لم ينجح فقط في أن يكون أفضل وزير ثقافة عرفته مصر بعد ثورة1952 ولكنه نجح أيضا حين عرف ان كرسي الوزارة لا يعدو أن يكون مرحلة من حياة مثقف كبير يحب بلاده ويجتهد من أجلها.
ولهذا نجد لديه تنوعا فائقا فهو يكتب مثلا عن التصوير الإسلامي الفارسي والتركي الفن العراقي القديمو الفن الفارسي القديم و الفن الروماني و إعصار من الشرق جنكيز خان و فنون عصر النهضة و الفن المصري.
مؤلفات ومؤلفات نعجز عن اللحاق بها ولكني اخترت أن أتوقف عند حدث لم يتوقف عنده تاريخ الحضارة الاسلامية كثيرا وهو خاص بإبداع المسلمين المغول في الهند في كتابه التصوير الإسلامي المغولي في الهند أهم كتب مجموعته تاريخ الفن: العين تسمع والأذن تري.
فنحن لانعرف ان هناك فنا جميلا قد رعته الهند خلال القرن السادس عشر. هذا الفن الذي أخذ كثيرا من فن المنمنمات الفارسية له تاريخ كبير. فهو فن وطني لم يتزحزح إلي الخلف الا بعد استعمار الانجليز للهند. والتصوير الهندي كما يشرح لنا د. ثروت عكاشة هو فن الخطوط الخلابة وهو يختلف بطبيعة الحال عن جمال جسم الانسان الذي يفهمه الأوربيون أو الطبيعة ومناظرها الآخاذة مثل الصينيين. وقد ارتبط تاريخ الفن بلعبة السلطان في الهند. فعندما استقر للمغول تكوين أمبراطورية في الهند تحت إمرة حاكم واحد عقب الحروب الطاحنة بين الملوك والامراء عام1590, كان للفن بوصلته التي تدور مع رغبات الحكم.
فحاكم الهند محمد بابر سليل تيمور لنك وجنكيز خان قد نجح في تأسيس امبراطورية المغول الاسلامية بشمال الهند في وقت واكب اضمحلال الديانة البوذية ونهوض الاسلام في حين بقيت الديانتان الهندوكية والجانيية غير متأثرتين بما حدث للبوذية, ليصبح المشهد معدا بهذه التفاصيل أمام استمرار دخول الفنون الاسلامية إلي جانب فن التصوير الهندي ذي الموضوعات المتعلقة بالعقلية والنفسية الهندية.
ولهذا لا يمكننا ان نقيم عصر ببابر الا بعصر تحديد بوصلة الفن في إتجاه فن المنمنمات ذات الطابع المسلم. أما ما فعله الابن نور الدين همايون كان تثبيتا للفن المغولي فقد كانت زيارته للبلاط الصفوي في إيران بمثابة نقطة تحول فبعدها ضم إلي قصره اثنين من كبار الفنانين الفرس وهما ميرسيد علي وعبد الصمد وهما من قام بالإشراف علي الإعداد لمخطوطة حمزة نامة وهي الملحمة التي تشيد بمآثر حمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد عكف علي إعدادها مائة فنان هندي وفارسي فجاءت عملا فذا يضم ألفا وأربعمائة صورة مسجلة علي نسيج قطني من الحجم الكبير غير المألوف.
أما الحفيد أبو الفتح جلال الدين محمد أكبر فهو علامة فارقة في تاريخ الفن والهند كلها. فقد تفوق الحفيد علي الاب والابن. وأقام نوعا من التحالف جعل الحكام الهنود تحت السيطرة المغولية فحدث أكبر دمج للشعب الهندي مع أشياعه المغول المسلمين. كما انه لم يكن متعصبا لعنصر علي حساب الآخر واستقدم الأوربيين إلي الهند وهو ما أثر في فن المنمنمات الا أن أكبر آثاره علي الفن فكان الانتهاء من مخطوطة حمزة نامة التي كانت مزيجا من الحقيقة المختلطة بالحكايا الشعبية حيث ان القصة تروي كيف جاهد حمزة رضي الله عنه في نشر الاسلام ولهذا تزعم المخطوطة انه اتجه شطر سيلان وبيزنطة ومصر والقوقاز وانه أحب مهرانا جار أبنة ملك الفرس وكتب له النصر علي الفرس بمساندة صديقه عمرو بن العاص.
ورغم غرابة هذه المخطوطة وبعدها عن الواقع باستثناء حب حمزة الشديد للاسلام واستشهاده في سبيله الا ان التفاصيل تعود إلي الخيال والاسطورة التي يتقنها الهنود. ولهذا فهذه المخطوطة تأتي مخالفة لفن المنمنمات الذي أتقنه الفرس الايرانيان الذي يعتمد علي الهدوء والرزانة بإنتقاله إلي جو الهند المفعم بالاساطير والذي يجعل المخطوطة تضم جموعا حاشدة وإنفعالات ثائرة.
وفي عهد الامبراطور أكبر كان هناك صدور لأكثر من مخطوطة مهمة منها أيضا توتي نامة أو قصص الببغاء وهي أيضا يغلب عليها الجو الأسطوري ومخطوطة بابر نامة وتضم سيرة جده في183 منمنمة ومخطوطة أكبر نامةالأولي. وقد أمر أكبر بإعداد موسوعة جديدة لتاريخ العالم الاسلامي خلال الألف عام السابقة والتي تنتهي عام1592.
وفي نفس العام أمر بترجمة ملحمة المهابهارته ملحمة الهند الكبري من لغتها الأصلية السنسكريتية. فقد كان عهد أكبر كما أشرنا يضم كل إتجاهات الفنون التي وجدت من فن فارسي إلي هندي قديم إلي أوروبي يمثل بعض الموضوعات المسيحية مثل زيارة السيدة مريم العذراء لأم سيدنا يحيي عليه السلام. الا ان الأمر كله انتهي بإنقلاب الامير سليم والذي لقب بجهانجير أي مالك العالم علي والده.
وفي عصر جهانجير أختفي الأثر الفارسي من الفنون وعمت النزعة الواقعية والالتزام بتصوير مشاهد الطبيعة. فقد كان جهانجير يعني في تصوير البورتريهات بما يجري حوله. وقد صور في أحد المنمنمات يتحدث إلي شيخ صوفي مهملا الملوك مثل سلطان تركيا كما نري جيمس الأول ملك إنجلترا واقفا.
وفي أيامه الأخيرة تمرد عليه ابنه شاه جهان كما تمرد هو من قبل علي أبيه. وجاء زمن شاه جهان وعلي نجمه بتشييده ضريحا لزوجته ممتاز محل أي المختارة من بين نساء القصر حين توفيت وهي تضع مولودها الخامس عشر. وقد استغرق تشييد ضريح تاج محل حوالي اثنين وعشرين عاما بمعرفة عشرين ألف عامل يعملون يوميا.وفي زمنه زادت النزعة التكلفية في رسم التفاصيل الدقيقة. الا ان ما حدث من تفوق فني في عصر شاه جهان قد قابله هبوط كبير في زمن أبنه الثالث عالمجير الذي كان شديد التشدد وأبطل رعاية البلاط للفنون فكان هذا هو بداية النهاية لهذا الفن الجميل الذي أستمر رغم كل شيء إلي منتصف القرن الثامن عشر.
ولكن بعد هزيمة المغول في بداية القرن التاسع عشر علي أيدي نادره شاه والسيخ ورغم وجود حكام متنوين مثل بهادر شاه الذي كان في الأصل شاعرا الا انه كان ألعوبة في يد بريطانيابدأت وفود الاوربيين من بداية القرن السابع عشر: برتغاليون ثم هولنديون ثم إنجليز استطاعوا إجلاء الفرنسيين نهائيا عن الهند بعد أن أصبح كل شئ في حوزة شركة الهند الشرقية وانضمت بعد مقاومة شديدة إلي الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عام1877 لتقف هذه المنمنمات وحيدة في ذكري ما كان.
فهكذاهناك طريقان لا ثالث لهما إذا أردت أن تكون متحضرا علي الطريقة المصرية وهي: إما ان تكون نجيب محفوظ أو أن تكون ثروت عكاشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.