التاريخ يعيد نفسه هذه المقولة حقا تنطبق علي تاريخ الأمم والحضارات فكل حضارة تأخذ مراحل ازدهارها وتقدمها ثم سرعان ما يغيب نجمها وتندثر وتكتب لها النهاية فاتحة المجال أمام ظهور حضارات أخري تحت مسمي جديد وانطلاقا من هذا ظهرت الإمبراطوريات الإسلامية الثلاث العثمانية والصفوية والمغولية لتكون بمثابة ميلاد حضارة جديدة علي الأرض لتبقي دليلا راسخة علي الحضارة الإسلامية. فاستطاع المسلمون في الفترة ما بين عام 1453 و1526ميلاديا تكوين ثلاث إمبراطوريات العثمانية والصفوية والمغولية،وبقدوم القرن السابع عشر الميلادي بسط أسلافهم نفوذهم علي الأراضي في كثير من بقاع العالم الإسلامي تمتد من البلقان وشمال أفريقيا إلي خليج البنغال -هو الخليج الذي يشكل الجزء الشمالي الشرقي من المحيط الهندي، وهو ذو شكل مثلثي يحده من الشرق شبه جزيرة الملايو ومن الغرب الهند-ويرصد المؤلف ستيفين دايل في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان"الإمبراطوريات الإسلامية للعثمانيين والصفوية والمغول" لأول مرة دراسة شاملة حول الأوضاع السياسية والدينية والثقافية في الفترة ما بين عام 1300و 1923. بدأت الإمبراطورية العثمانية في الركن الشمالي الغربي لشبه جزيرة الأناضول وسرعان ما بسطت الإمبراطورية نفوذها، أسسها عثمان الأول وحكم أجزاء كبيرة من آسيا الصغري وجنوب شرق أوروبا وشمالي أفريقيا .اما الإمبراطورية الصفونية فهي سلالة من الشاهات حكمت في بلاد فارس (إيران) وبدأت الإمبراطورية المغولية في الهند ، وحاول أهل هذه الإمبراطوريات أن يحفروا لأنفسهم مكانا في التاريخ فتباروا في بناء القلاع والمساجد والأسواق والحصون والتي لا تزال موجودة حتي يومنا هذا شاهدة علي قوتهم وتفوقهم العسكري وعلي مظاهر الغناء والثروة والتزامهم الديني .فضلا عن تفوقهم في مجال البناء والعمارة والذي بلغ أوجه في عام 1643 عندما أقام الإمبراطور المغولي شاه جيهان التحفة المعمارية التي لفتت أنظار العالم وهي تاج محل ويوجد ضريح تاج محل في مدينة أكرا الهندية وأقامه شاه جيهان تخليدا لذكري زوجته و يعد هذا الضريح هو درة الفن الإسلامي في الهند حيث يجمع بين عناصر الطرز المعماري الفارسي والعثماني والهندي والإسلامي. يشير الكاتب إلي أن القاسم المشترك بين تاريخ هذه الإمبراطوريات كان العنصر الثقافي وسلط الضوء علي أن الإمبراطوريات الإسلامية لم تكن فقط مسلمة ولكن كانت إمبراطوريات بكل ما تحمله الكلمة من معني وهو ما يعني أن الإسلام لعب دورا هاما وليس بالضرورة دورا مهيمنا ومسيطرا علي السياسات التي انتهجتها الإمبراطوريات الثلاث.فهناك بعض الملوك لديهم ورع ويفرضونه علي رعاياهم ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للعثمانيين والصفوين والمغول فكان شاغلهم الأول هو الاهتمام بالأمن والازدهار والرخاء لإمبراطورياتهم، وهو ما أفرز الكثير من العلماء العرب مثل ابن خلدون وهو واحد من أعظم المفكّرين المسلمين والذي لقب برائد علم الاجتماع الحديث الذي ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتي اليوم . ويؤكد المؤلف علي أن غير المسلمين عاشوا تحت مظلة الإمبراطوريات الثلاث دون الشعور بالتمييز أو الاضطهاد فالإمبراطورية العثمانية كان بها مسيحيون من مختلف الطوائف كما أنها رحبت باليهود الذين طردوا من قبل الحكام الكاثوليك المتعصبة في اسبانيا المسيحية.وإيران أيضا بها عدد من الأقليات المسيحية والهندوس والزرادشتين واليهود والإمبراطورية المغولية أيضا كانت تضم يهوداً وهندوساً والعديد من الطوائف وشارك غير المسلمين في نسيج المجتمع في الإمبراطوريات الإسلامية الثلاث ولعبوا دورا هاما في المجالات الاقتصادية والسياسية . فالإمبراطوريات الثلاث كانت مميزة بما استطاعت تحقيقه من انجازات تفكرنا دوما كلما نسينا بالحضارة الإسلامية التي لا يمكن أن نضعها في إطار ضيق جامد متعلق بالإيمان العقائدي.