تصادف أن أمضيت يوم 25 يناير الماضى الذكرى الرابعة للثورة المصرية فى الرباط عاصمة المغرب. وكنت قد تلقيت دعوة من جمعية صحافة التحقيق المغربية (أمجى) و مؤسسة ألمانية «فردريش نومان» للتحدث عن أحوال الصحافة المصرية و القاء محاضرة عن خبرة التحقيق الاستقصائى فى تجربة «حسين سالم : رجل من زمن رأسمالية المحاسيب» الذى نشره «الأهرام» فى خمس صفحات خلال يونيو 2011. ولقد كشف النقاش الذى جرى مع صحفيين شبان عن أن هذا النوع من صحافة الجرأة والعمق يتطلب الى جانب امتلاك منهجية علمية و أدوات احترافية واخلاقيات مهنية تحترم عقل القارئ اتساعا فى هامش حرية الصحافة والتعبير وانتعاشا للحريات العامة. وقد انتهى نقاشنا الى ان شروط اجراء مثل هذه التحقيقات الصحفية أشبه بأقواس اعتراضية داخل متن طويل أو لحظات اسثنائية فى زمن مديد مازال يلف منطقتنا من الخليج العربى الى المحيط الأطلسى حيث تقع مدينة «الرباط». الأشقاء المغاربة عيونهم على مايجرى فى مصر ولها وقلوبهم معها. ومن يشكك فى جدوى وأهمية ثورة 25 يناير 2011 عليه ان يتعرف على ما جرى فى عشرات المدن المغربية منذ 20 فبراير 2011 من حراك شعبى شبابى غير مسبوق فى تاريخ البلاد. والحوارات مع رموز الطيف السياسى والمثقفين من اليمين الى اليسار تفيد بأن كسر حاجز الخوف وفتح النقاش حول علاقة المجتمع والمواطنين بالمخزن (القصر والحكم) وإدخال تعديلات على دستور البلاد لم يكن متصورا أو ممكنا من دون ماجرى فى مصر و تونس. وحتى الأمازيغيون (نحو 60 فى المائة من السكان) ونخبتهم شديدة التحفظ على رابطة العروبة الى حد رفض مصطلح «المغرب العربي» لا ينكرون فضل «الربيع العربى» وموقع الثورة المصرية منه فى اعتراف الدستور الجديد بالأمازيغية لغة رسمية. ولقد لمست عمق الانقسام الذى أحدثه 30 يونيو يوليو 2013 المصرى بين نخبة السياسة والثقافة وفى الشارع بالمغرب. وهو انقسام يشق عموديا مختلف التيارات من اسلاميين ويساريين وليبراليين وحقوقيين بين من يرى أنه «ثورة» ومن يعتقد فى أنه «إنقلاب». وأيضا من يذهب الى ان تدخل الجيش قطع الطريق على استكمال الثورة الشعبية ضد «الإخوان» وأرجع مصر الى عهد «مبارك». لكن ثمة اتفاقا كبيرا بين دعاة التغيير هناك على كون أن المسار المتعرج والارتدادى للثورة المصرية ودخول الطائفية والمذهبية والقبلية على خطوط الثورات فى ليبيا وسوريا واليمن قد أسهم فى انتكاس هامش الحريات و التطور الديمقراطى والعدالة الاجتماعية فى المغرب نفسه. وثمة بين المغاربة الذين التقيتهم شعور بالنكوص عن مكاسب الحراك الشعبى وبأن البلاد ما زالت بعيدة عن تحقيق حلم «الملكية الدستورية البرلمانية». ويستند هذا الشعور الى إخفاق الحكومة والبرلمان فى تنزيل نصوص الدستور الجديد الى أرض الواقع واصدار قوانين تنسجم مع هذه النصوص. ناهيك عن أن هناك من شباب الحراك من يرى أن النصوص الدستورية ذاتها مازالت قاصرة عن تلبية مطالب المواطنين ومقتضيات الحداثة والثمن الباهظ الذى دفعه المغاربة أبطال الحراك وماقبله من شهداء ومعتقلين. صحيح انه ثمة قناعة بان المغرب بعد الربيع العربى وتحديدا بعد حراك 20 فبراير، الذى دام شهورا وليس أياما وامتد فى اكثر من 300 مدينة وقرية وموقع، ليس هو مغرب ما قبل 20 فبراير. لكن هناك تساؤلات كبرى عن حقيقة ممارسة حكومة الإسلامى «بن كيران» لصلاحياتها فى مواجهة سلطات مازالت شبه مطلقة للقصر وعن استحالة الاقتراب من مقدسات من قبيل ميزانية القصر والبيعة والشرعية الدينية للملك وغياب الرقابة على الثروات المنجمية، ويتصدرها «الفوسفات». لكن التجربة المغربية تقدم نموذجا مهما فى محيطها العربى بالنسبة لعلاقة الاسلاميين بالعلمانيين. وفى حكومة «بن كيران» التى يقودها حزبه الإسلامى «العدالة والتنمية» خمسة وزراء من الحزب الشيوعى الكلاسيكى «التقدم والاشتراكية». وخارج الحكومة وفى صفوف المعارضة وفى ارهاصات تجدد الحراك الشعبى حوار خصب بين إسلاميى «العدل والإحسان» وبين يساريين وليبراليين غير تقليديين خارج تحالفات واستيعابات «المخزن». وعلى أى حال فإن الإسلاميين فى الحزب الحاكم أو جماعة العدل والإحسان ممن التقيتهم ينكرون اى صلة او تأثر بجماعة الإخوان المصرية وتراثها. وهم يتحدثون عن خصوصية الإسلام السياسى المغربى. ثلاث سنوات مرت مع حلول نهاية يناير الماضى على حكومة «بن كيران». ارتفعت خلالها أسعار السلع الاساسية على نحو غير مسبوق وبدا وكأن هامش الحريات عرضة للانتقاص. ولذا فإن فى الشارع المغربى على ضوء ماجرى من اسلاميى مصر وتونس فى الحكم من يتحدث عن توظيف الإسلاميين كقوة جماهيرية منظمة لكن محافظة فى اطفاء جذوة الثورات وعرقلة مسار التغيير نحو الديمقراطية والحداثة. صباح اليوم التالى للخامس والعشرين من يناير كانت صورة الشهيدة «شيماء الصباغ» تحتل مساحات لافتة فى الصحف المعروضة على أرصفة الشوارع فى الرباط . ولعل ما سيظل يعلق بذهن عابر سبيل فى هذه المدينة عنوان واحدة من أبرز صحف المغرب مع هكذا صورة مفاده ان ثوار التحرير يجرى قتلهم فى الشوارع وأبناء مبارك أحرار. لمزيد من مقالات كارم يحيى