علي مدي العام الماضي, ناضلت النساء العربيات بشجاعة للمطالبة بالكرامة والحريات, ولفتت شجاعتهن أنظار العالم, ففي ديسمبر الماضي, أصبحت شقيقتي اليمنية توكل كرمان أول امرأة عربية تفوز بجائزة نوبل للسلام تقديرا لسمو مبادئ نشاطها الديمقراطي. لكن إطلاق عملية الانتقال كان من السهل نسبيا. فلقد أدركت النساء العربيات علي امتداد المنطقة بأسرها, أن السعي نحو الديمقراطية يمكن ان يبعث الأمل في نيل حقوق ظلت مكبوتة لفترات طويلة, ولكنه في الوقت ذاته يمكن أن يبرز كذلك ممارسات تمييزية عميقة الجذور, تنذر بتعريض أوضاع المرأة للانتكاس. في تونس, أحبطت الأحزاب الجهود المثيرة للإعجاب من قبل الحكومة المؤقتة لتحقيق التناصف في المجلس الوطني التأسيسي, حين تعمدت وضع المرشحين الرجال علي رؤوس قوائمها الانتخابية, حيث ألغيت في أوائل الفترة الانتقالية الحصة التي خصصت للمرأة في مجلس الشعب منذ عام2009, نجد أن النساء لا يشغلن سوي12 مقعدا من مجموع508 مقاعد في المجلس, وفي الشهر الماضي احتفل الليبيون بواحدة من أولي انتخاباتهم الديمقراطية لانتخاب المجلس المحلي بمصراتة, وما النتيجة؟ ثمانية وعشرون عضوا من الرجال, وصفر للنساء. كذلك واجهت الناشطات السياسيات في بعض الحالات مضايقات, ليس فقط من قبل قوات الأمن, وإنما أيضا من قبل رجال يعارضون وجودهن في الحياة العامة, وفي العديد من البلدان, احتفل الصاعدون الجدد للسلطة بحرية التعبير التي نالوها بعد طول نضال بالحديث عن تقليص حقوق المرأة. تبشرنا الحكمة المتوارثة بأن السعي نحو الديمقراطية من شأنه أن يؤدي حتما إلي توسع في حقوق المرأة, ولكن يبدو أن ذلك لن يتحقق فعليا في حالتنا هذه. فكما أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول, والذي صدر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي قبل عقد من الزمن, يعاني العالم العربي منذ سنوات طويلة من عجز كبير في مجالات ثلاثة هي: المعرفة, والحرية, وتمكين المرأة, وهي مجالات لا يمكن بمكان التصدي لمعالجة أي منها علي حدة. في احتفالنا باليوم العالمي للمرأة, لا يسعنا إلا أن نعدد الانجازات الكبيرة التي حققتها المرأة في كل مناطق العالم وفي شتي مجالات الحياة, فالنساء والفتيات اليوم يتمتعن بصحة أفضل, وتعليم أوفر, وارتفعت انتاجية المرأة العاملة لأعلي مستوياتها من أي وقت مضي, كما برزت قيادات نسائية كقوة في كل المجالات, ولكن يجب علينا أيضا أن نمد الجسور الي اخواتنا في المنطقة العربية, حتي لا يتخلفن عن الركب. ولا يتواني برنامج الأممالمتحدة الإنمائي, حيث أشغل منصب المدير الاقليمي للدول العربية, في تقديم الدعم في هذه المرحلة الحرجة من خلال تدريب المهتمات بالعمل السياسي في تونس, ودعم الحوار الوطني في مصر, وتقديم المشورة بشأن سيادة القانون وحقوق الإنسان في ليبيا, ودعم الحوار والتحول السياسي في اليمن.واليوم نقترب من أحد أهم المعالم علي طريق التحول الديمقراطي في هذه البلدان الأربعة حيث تنعقد الهيئات الوطنية لتشرع في وضع دساتير جديدة, وفي حين أن كل تجربة انتقالية لها خصوصياتها, إلا أنها جميعا تشترك في الأهمية المحورية لوضع دستور جديد يجسد من خلاله كل مجتمع قيمه في صورة قانونية. وفي هذا الصدد, يجب علي المجتمع الدولي أن يصر وبإجماع علي أن تكون عمليات وضع الدساتير تشاركية وشاملة للكافة, وأن تتوافق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية الأساسية مثل اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة, هذه الاتفاقية التي وقعت معظم الدول العربية بقبولها تدعو الحكومات الي ضمان المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون, والتحرر من التمييز علي أساس الجنس, كما تطالب بأن يتم ترجيح حقوق المرأة وكرامتها علي أية معايير أو ممارسات ثقافية كانت أم دينية. قد تجادل بعض المجموعات ذات الجذور العقائدية والتي تمكنت من السلطة حديثا بخلاف ذلك, إذ يذهب البعض للقول إن حقوق المرأة هي من قبيل القيم المفروضة من الغرب, والتي يجب تجاهلها وتفنيدها, بينما يلجأ آخرون لتحليل الفروق بين مفاهيم الانصاف و المساواة, ولكن أعدادا لا تحصي من عامة الشعب, من الذكور والإناث علي حد سواء في كافة البلدان العربية يجدون في حقوق المرأة توافقا تاما مع تعاليم الإسلام وامتدادا لتاريخهم, بدءا من المكانة الرفيعة لملكات مصر القديمة, إلي التقدم الذي نشهده الآن في مجالات التعليم والعمل والحقوق القانونية والمدنية. وعند هذا المنعطف المهم يجب علي المدافعين عن قيمة المساواة أن يرفعوا أصواتهم مجاهرين بموقفهم, وقد عرض برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ووكالات الأممالمتحدة المتخصصة الأخري خدماتها لدعم المجتمعات العربية في إجراء مشاورات مجتمعية لضمان المشاركة العريضة في عملية وضع الدساتير, بشكل تسمع فيه أصوات العدد الأكبر من قطاعات المجتمع, فضلا عن نشر الوعي بالتزامات الحكومات الأساسية بموجب القانون الدولي, والنجاح في صياغة الدساتير من شأنه أن يساعد علي إقامة النظم السياسية الجديدة في البلدان العربية علي أسس سليمة, وازدهار مؤسسات المجتمع المدني, وإحراز تقدم حقيقي نحو التمتع الكامل بحقوق الإنسان للرجال والنساء علي حد سواء. في جميع أنحاء المنطقة, ناضل الرجال والنساء جنبا إلي جنب بشجاعة وإصرار من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والشفافية وعدم الإقصاء, وليسمع رأيهم في القرارات التي تمس وتشكل حياتهم, ولكن سرعة تقدمهم نحو تحقيق هذه الأهداف تتوقف بشكل أساسي علي مدي إحرازهم تقدما في مجال تمكين المرأة.