تشكل اليمن أولوية رئيسية في السياسة الخارجية السعودية منذ عقود طويلة فعلاقة البلدين العربيين المسلمين أعمق من الجوار بحكم الشراكة التاريخية والتعاون المصيري الذي أرسى دعائمه قادتهما على مر العصور. وربما من سوء الطالع أن يتزامن غياب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيزالذي لعب دورا كبيرا وجوهريا في دعم اليمن ومساندته في كل الظروف الصعبة مع تداعيات خطيرة في المشهد اليمني تجلت في إستقالة الرئيس عبدربه منصور هادي من منصبه وإستقالة رئيس وأعضاء حكومة خالد بحاح عقب توغل جماعة الحوثيين وسيطرتهم على دار الرئاسة والقصر الجمهوري . تاريخيا شهدت العلاقات بين صنعاءوالرياض حالات شد وجذب منذ حروب البلدين التي إنتهت بتوقيع معاهدة الطائف عام 1934 وصولا إلى أزمة بداية التسعينات من القرن الماضي الناجمة عن إنحياز الرئيس اليمني السابق علي صالح إلى معسكر صدام حسين في حرب الخليج الثانية ، لكن الملك عبد الله بن عبد العزيز نجح في عام 2000 في كسر الجمود في العلاقات عندما زار صنعاء ثم وقع في الرياض على إتفاق نهائي لترسيم الحدود بين البلدين ، وقدمت السعودية للرياض مساعدات سخية عبر مسيرة اليمن الحديثة قدرت وفقا لمصادر رسمية يمنية بحوالي 60 مليار دولار شملت مختلف المجالات حيث تعد السعودية الداعم الأول للتنمية في اليمن. ولعب الراحل الملك عبد الله الدور الأكبر في إنقاذ اليمن من حرب أهلية مدمرة عندما حصلت إضطرابات ضد حكم الرئيس علي صالح بداية عام 2011 من خلال المبادرة الخليجية التي ساهم فيها بثقله الكبير لجمع كل الأطراف على مائدة التوقيع عليها في الرياض نهاية عام 2012 وأصبحت خارطة طريق لليمن للإنتقال السلمي الديمقراطي للسلطة دون مضاعفات أو حروب . وقدمت السعودية كل الدعم لإنجاح مؤتمر الحوار اليمني ومخرجاته على الرغم أن جماعة الحوثيين شنت حربا على حدود السعودية ضمن مواجهاتها الست مع الدولة اليمنية سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى السعوديين ، كما تقدم الرياض دعما كبيرا لمواجهة إرهاب تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب بعد أن تم دمج الفرعين السعودي واليمني وإنتقل إلى أراضي اليمن ، فضلا عن مساعدات سخية ضمن مجموعة أصدقاء اليمن ومؤتمرات الدول المانحة حيث تجاوزت قيمة المساعدات السعودية في عام واحد 3 مليارات دولار . وتترقب السعودية بكثير من الإهتمام مع الشارع اليمني الأحداث المتسارعة التي شهدتها البلاد على مدار الأيام الماضية جعلت المشهد مفتوحا على كل الإحتمالات ودون سقوف محددة وسط إرتباك شامل وفراغ في السلطة . وبدخول الحوثيين دار الرئاسة والقصر الجمهوري وحصارهم للقيادات العسكرية والأمنية ومقر البرلمان بصنعاء ، وإعلان لجان في محافظات الجنوب إستقلالها عن المركز ورفضها لأوامره ومطالبتها بالإنفصال وإندلاع المسيرات في عدد من المحافظات ضد ما وصفته بالإنقلاب الحوثي ، تدخل اليمن مرحلة زمنية فاصلة وحالة من السيولة والزئبقية حسب تحليل الخارجية الأمريكية إختلطت فيها كل الأوراق والتجاذبات السياسية والقبلية والعسكرية . دخل الحوثيون القصر الرئاسي وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبدربه منصور هادي وأجبروه على توقيع إتفاق إنتقامي يجرده من كل صلاحياته الدستورية ويبقيه مجرد غطاء لتوسعاتهم في السيطرة على مقاليد الحكم دون تكلفة عالية في الصدام مع الخارج. ويتوقع مراقبون أن تضاعف دول الخليج وفي مقدمتها السعودية صاحبة مبادرة التسوية في اليمن والتي تخشى من تصدير المشاكل اليمنية إليها وإحتمال تسلل ملايين إلى أراضيها نشاطها الدبلوماسي لوضع حد للهيمنة الحوثية بما فيها إستخدام سلاح تجميد المساعدات المالية والإقتصادية والذي تعتمد عليه صنعاء بشكل كبير وتحصل بموجبه على مليارات من الدولارات تغطي دعم المحروقات وبعض أجزاء من رواتب الموظفين . وتشمل الخيارات الخليجية تفعيل وساطة سلطنة عمان مع إيران لتهذيب جموح الحوثيين وترويض طموحاتهم السياسية الكبيرة عبر التوصل إلى حلول وسط تضمن للحوثيين مكانة معتبرة في القرار السياسي بعد ظهور قوتهم العسكرية على الأرض . ويتوقع المراقبون أن يواصل خادم الحرمين مساعي سلفه في دعم اليمن وإستقراره وأمنه ووحدة أراضيه من خلال الجهود السياسية لإنتشال البلاد من عثرتها ومنع إنفجار الأوضاع فيها بصورة أكبر وإعادتها إلى مسار التسوية السلمية الذي ضمنته المبادرة الخليجية بالتنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي .