مع ما لها من مرجعية معتبرة في الأدبيات الديمقراطية، خيارات عدة، ما عادت ملك يمين التجربة المصرية، وقد راحت الأخيرة تلملم شتاتاً وطنياً لا يحمل «مظهره» الديمقراطي فرصاً مواتية لإدراك جوهره علي نحو صحيح. فليس من شك أن تحولاً ديمقراطياً جاداً لا يمكن الوثوق في بلوغه دون التمسك بخيارات تجاوزت موقعها الجدلي، وباتت تمثل مشتركات لا بديل عنها في المجتمعات الديمقراطية؛ فخيار أصيل تجسده «تعددية سياسية» تنهض فيها الأحزاب السياسية بدور فاعل ورئيسي، اتصالاً بنشأتها كعرس ديمقراطي بالأساس، تصب فاعلياتها في رصيد إعادة توزيع القوي المجتمعية، منتجة توازنات مطلوبة لتجسيد مشاركة مجتمعية حقيقية في إدارة شئون الدولة، الأمر الذي من شأنه تأكيد حتمية دور منظمات المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية، إلي جانب الكيانات الرسمية للدولة بمركزيتها في النظام السياسي. بيد أن خصوصية التجربة المصرية، وما تمر به من مرحلة انتقالية دقيقة داخل نفق عملية التحول الديمقراطي، أنتجت صداماً جلياً بين المنطلقات الفكرية المؤسسة للعملية الديمقراطية، وما تواجهه التجربة من تحديات ومخاطر، حتي علا النداء علي الديمقراطية بأبجديات يحمل الخوض فيها، ورواجها علي نحو متزايد، الكثير من هواجس الردة السياسية!. فإزاء تجاذب مقاعد البرلمان من قبل عدة قوي لا يمكن جمعها داخل مفهوم الدولة الوطنية، ابتعد عن إدراكنا خيار «التعددية السياسية» المعبر بصدق عن مختلف التيارات الفاعلة علي الساحة السياسية، قدر ما غاب أي منطق سياسي عن دعوات تصاعدت تطالب «بالوحدة»، فيما يؤكد تفهماً خاصاً لمفهوم «الوحدة»، يعاني كثيراً جراء عدم استناده إلي مفهوم «المشاركة» كمرحلة أولية، مع ما للأخيرة من صلة أقوي بصحيح الممارسة الديمقراطية. والواقع أن إهداراً متعمداً لمفهوم «المشاركة»، يؤكده الدرس التاريخي المقارن، فيما يشير إلي ثقافة سياسية موروثة، نرصد شواهدها في الأدبيات السياسية الرسمية العربية، ونتاجها من أدوات وآليات محاولات «الوحدة» العربية، مقابل مثيلاتها علي الساحة الدولية، علي غرار التجربة الفريدة للاتحاد الأوروبي، وقد مرت الأخيرة بمراحل متعددة تشير إلي الفهم الصحيح لحتمية مرحلة «المشاركة» وصولاً إلي مفهوم «الوحدة»، مقابل قفزات عربية، ليست إلا إلي الخلف، تجاهلاً لما يتطلبه مفهوم «المشاركة» من وعي حقيقي بمفردات العملية الديمقراطية. وعليه، ليس إلا الفشل يعترينا إزاء كل «المحاولات» الرامية إلي تكتلات انتخابية تعبر عن «وجود» أيديولوجيات واحدة، أو متقاربة علي أقصي تقدير، في مواجهة أعداء الثورة؛ ذلك أن استباقاً «للمشاركة»، تأتي جهود «الوحدة»!، ما أفرز مناخاً داعماً لمجمل الضغوطات التي يعاني منها مفهوم «الحزب السياسي»، ذلك المفهوم المضطهد علي نحو لا يؤكد صحة كثير من الخطي الثورية علي طريق التحول الديمقراطي. والحال كذلك، تغيب أيضاً «مؤسسية» الفكر والعمل، كأحد الخيارات الأساسية لتطبيق معايير الحكم الرشيد؛ ومن ثم بات المجهود الفردي يسيطر علي مجريات الساحة الداخلية، وكذلك بقيت «الحوارات المجتمعية» غير منتجة لآثارها المتوقعة أو المأمولة، فيما يضيف بالقطع إلي رصيد تهميش مفهوم «المشاركة»، ما يؤكد «وحدة» المفاهيم الحاكمة للعملية الديمقراطية!. وفي الأفق الانتخابي خيارات شتي، بددتها تراكمات تم إهمال مواجهتها، منها ما يتعلق بدقة الالتزام بالمعايير والضوابط الحاكمة للعملية الانتخابية، وقد حلت محلها ملامح عدة استبقت السباق البرلماني، لعل أبرزها انتشار الدعاية قبل بدء الترشح ذاته!. ومنها ما يتعلق بإعلاء شأن الكفاءة والقدرة، كمعايير ملزمة لانتقاء أعضاء البرلمان، أزاحتها مواءمات، تري أنها ضرورية، انحازت إلي فئات مجتمعية بعينها، لتضيف إلي التداعيات سيئة الذكر لرأس المال السياسي والعصبيات والوجاهة الاجتماعية، كأدوات فاعلة في العملية الانتخابية؛ ومن ثم تبقي بعيدة المنال خيارات، كانت أجدر بالرهان عليها، بموجبها تصبح المجالس المحلية أحق بالنائب الخدمي، ليحمل نائب البرلمان هموم الوطن وقضاياه، مُستهدفاً تجسيد الطموحات الثورية، عبر ثورة تشريعية، ورقابة فعالة علي أعمال السلطة التنفيذية. وفي انتظار نضج التجربة المصرية، يبقي الأمل مشروعاً في صياغة أكثر إحكاماً لخيارات ثورية حاكمة، بموجبها لا نسعي إلي «وحدة» الأضداد، تجاوزاً لكل منطق سياسي، وعلي أساسها لا تعد الثورة خياراً شعبياً وحيداً في مواجهة البرلمان المقبل.! لمزيد من مقالات عصام شيحة