تعد العلاقات بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، من الحالات التى تؤكد أهمية توجهات من يحكم مصر فى تحديد نمط العلاقات الخارجية للدولة المصرية، حيث كانت الإمارات فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى الدولة الخليجية الوحيدة التى كانت علاقات مصر معها فى حالة «أزمة». فبسبب التوجهات الخارجية للرئيس مرسى ولجماعة الاخوان المسلمين، خاصة فيما يتعلق بالاخوان فى الخليج، تولد تيار يتعامل مع مصر على أنها مصدر تهديد، وأنه لابد من الحذر من التعامل معها، وكانت هناك تخوفات مما اسماه أحد كتاب الأعمدة فى جريدة البيان حينها «الأجندة المصرية /الأخوانية»، التى قد تفرض على دول الخليج. دلالات الزيارة وفى هذا السياق، تكتسب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى دولة الإمارات يومى 18 و19 يناير 2015، والتى هى الأولى من نوعها، منذ توليه منصب رئيس الجمهورية أهمية، وذلك بالنظر إلى عدد من العوامل. يتمثل العامل الأول فى أن قيام الرئيس السيسى بزيارة الإمارات بعد أيام من عودته من الكويت، وعدم زيارته لدول الخليج فى جولة خارجية واحدة كما كان يفعل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، يفيد بوجود إدراك لدى الدولة المصرية بالاختلافات بين دول الخليج الست، فضلا عن اختلاف درجة تقدير هذه الدول لأهمية استمرار علاقات «التحالف» مع مصر خلال المرحلة المقبلة. ويتعلق العامل الثاني، بأن ردود الفعل على هذه الزيارة فى داخل دولة الإمارات، تؤكد على أن البعد الأمنى فى العلاقات بين مصر والإمارات لا ينفصل عن البعد السياسي، ويكاد يكون هو المبرر للدعم التنموى الذى تقدمه الإمارات لمصر بعد ثورة 30 يونيو، والذى يعد هو الدعم الأكثر مؤسسية مقارنة بدول خليجية أخرى، إذ تعد الإمارات الدولة الوحيدة التى يوجد فيها مسئول معنى بمتابعة التعاون الاقتصادى مع مصر، من خلال المكتب التنسيقى للمشاريع التنموية الإماراتية فى مصر، وهو سعادة الوزير سلطان أحمد الجابر. فهناك تصور فى العديد من الدوائر الأكاديمية والسياسية، بأن الأمن الوطنى لكل من مصر والإمارات لا ينفصل عن التطور السياسى لكل منهما، خاصة فيما يتعلق بالمستقبل السياسى لجماعة الأخوان المسلمين والأجيال المختلفة فيها، فضلا عن مستقبل التيارات الليبرالية، وهذا ما تكشف عنه العديد من التغريدات التى نشرها قادة الرأى من المواطنين الإماراتيين على تويتر أثناء اليوم الأول لزيارة الرئيس السيسي، والتى وصفت الرئيس بأنه «أسد مصر»، و«رجل عظيم»، و«صاحب مواقف تاريخية»، لقدرته على التغلب على «عبث» و«خراب» الإخوان. كما أن هناك إدراكا من جانب مصر لهذه المسألة، وهو ما عبر عنه تحذير الرئيس السيسى «الأشقاء» فى الكويت فى أثناء لقائه تليفزيون الكويت فى 7 يناير 2015، ثم «الأشقاء» فى الإمارات أثناء لقائه سكاى نيوز عربية فى 18 يناير 2015، من تكرار ما مرت به مصر فى الفترة الماضية، ودعوته لهم بالحرص على «استقرار وأمن بلادهم». وينصرف العامل الثالث، إلى أن فرص تنسيق مصر مع الإمارات حول عدد من القضايا الإقليمية خلال هذه المرحلة قد تفوق فرص التنسيق مع غيرها من دول الخليج، لاسيما فى ظل وجود تقارب كبير فى التوجهات بينها حول عدد من القضايا، فضلا عن وجود تقدير «براجماتي» من جانب الإمارات لأهمية مصر فى المنطقة خلال هذه المرحلة، وهو ما يعبر عنه حديث أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية عن أن «مصر القوية ضرورة عربية». وهذا التوجه مرتبط بصورة رئيسية بتقارب التوجهات الخارجية لكل من أبوظبى والقاهرة فى المرحلة الحالية حول تهديد تيارات الإسلام السياسى للأمن فى كل من الدولتين، وحول أهمية تعزيز التعاون فى مجال مكافحة التطرف والإرهاب، لاسيما أن الإسلام «الوسطي» يعد هو الأكثر انتشارا فى الإمارات كما هو فى مصر سواء على المستوى الرسمى أو الشعبي، على خلاف الوضع فى السعودية على سبيل المثال التى لاتزال التيارات السلفية تتبنى خطابا يقلل من فاعلية السياسات الرسمية التى تتبعها الدولة السعودية فى مكافحة التطرف. التحالف «المرن» تكشف متابعة المناقشات التى ارتبطت بزيارة الرئيس السيسى لدولة الإمارات، عن أن هناك توقعات بأن تعزز هذه الزيارة ما أطلقت عليه بعض الصحف الإماراتية «الشراكة الاستراتيجية»، أو «تحالف الاستقرار والتنمية»، وهى مسميات تكررت فى العديد من التغريدات على موقع توتير من قبل المسئولين الإماراتيين، ويمكن القول إنها تدخل ضمن «التوقعات الزائدة» over expectation لما يمكن أن تقوم به مصر لضمان الأمن الوطنى لدول الخليج بصفة عامة. ورغم أهمية هذه التوقعات، من حيث كونها تعبر عما هو «متاح» لمصر كدولة من فرص فى الخليج خلال الفترة المقبلة، فإن التحولات التى تشهدها المنطقة، فضلا عن تعقيدات المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر خلال المرحلة الحالية، تجعل ما يمكن أن تقدمه مصر للإمارات، وغيرها من دول الخليج، هو فى إطار التحالف «المرن» tactical alliance، أى أنه مرتبط بقضايا محددة «ضاغطة» على دوائر صنع القرار فى الدولتين، مع عدم قدرة كل منهما على مواجهتها منفردة، ومع عدم اكتساب هذا التحالف طابعا مؤسسيا تقليديا. ويعبر هذا النموذج من التحالفات بين مصر والإمارات، عن «السقف» بالنسبة للدولة المصرية على الأقل فى المرحلة الحالية، ليس فى علاقتها مع الإمارات فقط وإنما أيضا مع غيرها من دول الخليج التى دعمت ثورة يونيو 2013. خيارات واقعية وترجع واقعية خيار التحالف «المرن» بالنسبة لمصر، وربما أيضا للإمارات وغيرها من دول الخليج، إلى عاملين، يتمثل العامل الأول فى وجود تصور ما بأن تحقق أمن مصر الداخلي، مرتبط باستقرار الوضع الحالى فى مصر، وعدم السماح بحدوث نكسة أو تراجع فيه لصالح الأخوان المسلمين، أو لصالح توسع نفوذ القوى الليبرالية، أى الحفاظ على الوضع الحالي. حيث تشير خبرة الفترة التالية على ثورة 25 يناير 2011، إلى أن قدرة مصر على تصدير الثورة إلى دول الجوار، تفوق قدرتها على عكس هذا التأثير reverse، فعلى سبيل المثال، انتقل نموذج ميدان التحرير إلى صنعاء والبحرين وليبيا وسوريا وحتى العراق، ولكن سقوط حكم الأخوان فى مصر لم يسقط بالتبعية حكم الأخوان فى تونس المجاورة، أو فى ليبيا. وهذا التصور تتم مناقشته بصورة متكررة فى العديد من أعمدة الرأى فى الصحف المحسوبة على النظم الحاكمة فى دول الخليج، فضلا عن انعكاسه فى السياسات التى تتبعها هذه الدول فى مواجهة مصر خاصة الاقتصادية، وتوظيفها لشبكة علاقاتها الخارجية دعما لشرعية النظام المصرى على المستوى الدولي. ويتعلق العامل الثانى بوجود خلافات بين الجانبين، حول عدد من القضايا الإقليمية الأخرى، والتى لاتزال تتم إدارتها فى إطار «الخلاف» دون أن يؤدى ذلك إلى توتر معلن بين الجانبين. ولكن تظل مشكلة هذا النمط من التحالف مرتبطة بأنه قد يؤثر على مصر لتغيير سياساتها تجاه تلك القضايا أكثر من ضغطها على الطرف الآخر لتغيير سياساته، على نحو قد يمثل مشكلة لمصر، لاسيما فى ظل تأكيدها على «استقلال» قرار السياسة الخارجية، وهو ما يتوقف فى كل الأحوال على أوراق الضغط التى يمتلكها كل من الجانبين. وفى إطار هذا النموذج، فإن ما هو مطروح من أطر للتعاون الأمنى خلال المرحلة الحالية بين الإمارات ومصر، مرتبط بتبادل معلوماتى وتعاون بين الأجهزة الأمنية، وفى هذا الإطار كانت زيارة وزير الداخلية المصرى اللواء محمد إبراهيم إلى الإمارات فى 12 يناير 2015 قبل زيارة الرئيس السيسي، ومرتبط كذلك ببناء القدرات العسكرية من خلال المناورات المشتركة، ويأتى فى هذا الإطار المناورات الجوية زايد -1 التى عقدت فى الإمارات فى مارس 2014، والمناورات البحرية خليفة -1 التى عقدت فى مصر فى يونيو 2014، ومناورات سهام الحق التى عقدت فى الإمارات فى أكتوبر 2014. ويرتبط أيضا بتنسيق التحركات الخارجية على نحو يسمح بتأمين «الجوار»، سواء اليمن أو سوريا أو ليبيا أو العراق، والذى يمكن أن يستند لمعادلة الحليف «القوي» ممثلا فى مصر والحليف «الوفى» ممثلا فى الإمارات، وهذا التنسيق قد يتطلب تحركا عسكريا بصورة ما، بالاستناد إلى ضخامة حجم القوات المسلحة المصرية والخبرة القتالية لها، ليس فى مجال الحروب النظامية فقط، وإنما فى مجال محاربة الجماعات الإرهابية أيضا. إشكاليات ممتدة يرتبط جزء كبير من التقارب بين مصر والإمارات فى المرحلة الحالية، بطبيعة المرحلة التى تمر بها كل منهما، وبالضغوط التى تواجهها كل منهما بدرجات متفاوتة على أمنها الوطنى خلال المرحلة الحالية، سواء كانت ضغوطا داخلية تتعلق بنشاط جماعة الاخوان المسلمين أو التيارات الليبرالية، أو ضغوطا خارجية ناتجة عن تزايد نشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة العابرة للحدود فى المنطقة. ويرتبط كذلك بوجود نخبة فى الإمارات «تقدر» الدولة المصرية، كما قدرها الشيخ زايد رحمه الله، حيث رأى فى أن نهضتها «من نهضة العرب كلهم»، كما تظل هذه النخبة متمسكة بتوجهات الشيخ زايد، والتى جاء فيها «أوصيت أبنائى بأن يكونوا دائماً إلى جانب مصر»، ولعل هذا يؤكد أهمية العوامل الشخصية فى تعزيز هذه العلاقات. كما أن عدم وجود عملية تضمن مأسسة هذه العلاقات، على نحو لا ترتبط بجيل ما من الحكام، يعد تحديا حقيقيا لتحول التحالف الحالى بين الجانبين من كونه تحالفا «مرن» إلى شراكة «إستراتيجية» تستمر خلال السنوات المقبلة بصرف النظر عن التحولات التى تشهدها المنطقة. إلى جانب ذلك، تظل التصورات السائدة عن مصر فى دوائر صنع القرار فى الإمارات، شأنها شأن غيرها من دول الخليج، ترتبط بتوجهات الحكم فيها، وبنوع السياسات التى يتم التعبير عنها أو تبنيها تجاه القضايا التى تهم هذه الدول، وهذا التقييم المستمر لمدى تعزيز السياسات المصرية لمصالحها، قد يمثل قيد ما فى المستقبل، لاسيما فى ظل استمرار الدعم للنظام الجديد فى مصر. تظل العلاقات بين مصر والإمارات، تعبر عن حالة «متفردة» فى المنطقة، تفرضها طبيعة المرحلة التى تمر بها المنطقة، وتظل تمثل نموذجا ما لنمط العلاقات الذى يمكن أن يستقر بين مصر ودول الخليج الأخرى التى تدعم النظام الجديد خلال المرحلة المقبلة، وهو نموذج سيظل يتأثر بالتحولات التى تشهدها المنطقة ودولها.