لم يسبق أن تدفق السياسيون ورجال المال والثروة والفكر على المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس مثلما حدث مع الاجتماع السنوى الذى يبدأ دورته ال 45 غداً وهو ما فسره اصحاب الخبرة فى أعمال المنتدى العالمى بأنه يعكس حالة قلق فى تلك الأوساط إزاء كثير من التطورات الجارية على الساحة الدولية ومنها تفاقم الإرهاب وصعود القوى المتشددة فى الشرق الأوسط والمستقبل الغامض للعلاقة بين الغرب وروسيا بعد أزمة أوكرانيا وتهاوى أسعار البترول بشكل يهدد اقتصاديات دول ويحقق مكاسب لدول أخرى وزيادة الفجوات فى الاقتصاد العالمى والتفاوت بين الدخول فى الاقتصاديات الناشئة مما يضعف من التماسك الاجتماعي. كتب سباستيان باكاب مدير فريق تطوير البرامج فى منتدى دافوس مقالاً قبل أيام يشير إلى أن السياق العالمى الجديد - وهو العنوان الأساسى لدورة العام الحالى فى المنتجع السويسرى - يتسم بحالة «اللانظام» فلم يعد هناك نظام أحادى أو متعدد الأطراف وإنتهت بنا الحال بعد ربع قرن من نهاية الحرب الباردة إلى عالم يبحث عن «نظام». حصيلة مناقشات دافوس سيكون لها تأثير كبير على الأجندة العالمية فى العام الحالى خاصة فى حضور 40 رئيس دولة وحكومة و2500 من كبار رجال المال والأعمال من بينهم الشركات الألف الكبرى التى تعتبر القوام الرئيسى للمنتدي. تشير التقارير الصادرة عن المنتدى وآخرها تقرير «المخاطر العالمية» إلى أن فرص نشوب صراع دولى واسع المدى هو أخطر ما يتهدد العالم فى السنوات العشر المقبلة وهى التقويمات التى تدفع مراكز التفكير الكبرى إلى البحث عن آليات جديدة تخفف من التوترات الحالية وتغليب الشراكة على المنافسة الشرسة، وربما تؤدى لقاءات مثل دافوس إلى وضع معالم نظام جديد مثلما حدث قبل 200 عام فى مؤتمر فيينا عندما إجتمع القادة الأوروبيون (1815) بحثاً عن النظام الجديد لوقف عقود من الحروب ونجحت المحاولة وظهر نظام أوروبى - عالمى حافظ على قدر من الهدوء حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى وساهم فى إطلاق طاقات التقدم العلمى والتكنولوجى وصعود الرأسمالية الصناعية والدول القومية وإحداث نقلة نوعية فى اتجاه العصر الحديث. حسب ما يقوله سباستيان باكاب، كانت ثلاثية «التقدم - السوق - الدولة القومية» سبيل صعود الغرب واليوم هى عوامل نجاح الدول الصاعدة الجديدة والتوتر العالمى هو نتيجة الصراع بين الفائزين الكبار والخاسرين الكبار. ولو نظرنا إلى حال الشرق الأوسط سنجد تجسيدا لتلك الحالة، ولو أردنا الدقة سنجد أيضا أن «عولمة الحداثة» تقابلها أزمة ثقة فى النتائج التى خلفتها فى كثير من المجتمعات وأدت إلى مزيد من مظاهر التشدد والعنف الدموى ونرى اليوم صعوبة فى تحقيق «التقدم» وفى الثقة فى «السوق» وتهديد «الدولة القومية» فى المنطقة العربية بما لا يقارن بما جرى فى الماضي. تقرير المخاطر العالمية يتحدث عن مظاهر عديدة لأزمات المجتمعات المعاصرة من نماذجها حروب المياه والانتشار السريع للأمراض المعدية والتداعيات الإقليمية للصراعات داخل الدول، ومن تفاصيلها ارتفاع عدد سكان «المدن» لتتجاوز 50 % من سكان الأرض للمرة الأولى وتراجع نسبة «الريف» بكل ما يمثله التحول من ضغوط سياسية وإقتصادية وإجتماعية فى كل البلدان. فى ظل الملابسات السابقة، تأتى مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى وكبار المسئولين ورجال الأعمال البارزين فى منتدى دافوس على قدر من الأهمية، ليس فقط لتقديم صورة جديدة لمصر والترويج للاستثمار وقطع الطريق على قوى الإرهاب ومسانديهم ولكن أيضا من أجل أن يكون لمصر دور فى إعادة صياغة «السياق الجديد» والأجندة الدولية التى يبدو أن العواصم الكبرى تتداولها بعد ارتفاع حدة التوتر فى أزمات دولية مثل الأزمة الأوكرانية التى مازالت تهدد بمواجهة بين روسيا وحلف «الناتو» وأزمة أسواق الصرف واحتمال ظهور عملات أخرى إلى جانب الدولار فى الاحتياطيات النقدية وحروب البترول والغاز التى تغذى الصراعات فى المنطقة العربية بشكل غير ظاهر وحولتها إلى صراعات عرقية ومذهبية ترسل حممها وشظاياها إلى خارج حدود الشرق الأوسط حتى وصل خطرها إلى العواصم المؤثرة فى صناعة القرار الدولي.. ومن تلك العواصم يبدأ اليوم التفكير فى احتواء المخاطر.. ومن هنا يكون الحضور المصرى فى مثل تلك المنتديات مطلوبا بشدة..! لمزيد من مقالات عزت ابراهيم