تقول كاتبة فرنسية فى كتاب لها عن حضارة مصر: ربما لو عرف المصريون تاريخهم جيدا لأحبوه وقدروه مثل سائر البلاد.. وقد تخيلت رئيس مجلس الوزراء يجلس مهموما يفكر فيمن يتم اختياره لرعاية مصالح العباد والبلاد، فرأيته يستشير بعض حكماء مصر القدامي، فقال الحكيم بتاح حتب: إذا كنت حاكما فكن عطوفا متأنيا عندما تصغى إلى شكوى مظلوم، ولا تجعل الناس تخافك، وإذا كنت تعمل بجد ونمت الحقول كما ينبغى لك، فذلك لأن الله قد وضع البركة فى يديك.. وقال أمنمحات الأول: احذر من مرؤوسيك حتى لا يقع حادث خطر لم يكن أحد قد تنبه له، وليكن أمرك وسهرك لحسن الأداء وليس لإظهار الرئاسة والإمارة، ولم يكن هناك جوعى طوال سنوات حكمي، وقال الحكيم آني: اتخذ من شرطى شارعك صديقا لك ولا تجعله يثور عليك، وإذا وليت منصبا فاظهر براعتك فيه لتؤهل نفسك لأرقى منه، وقال الملك خيتي: اجعل هدفك حب الناس، واتخذ لنفسك الرجل حسب كفايته، ولا تطرد موظفا من عمل، وتحل بالفضائل حتى يثبت عرشك وقرب الرجل منك حسب أفعاله، وقال أمنحوتب: لا تطمع فى زراع من الأرض، إن قدحا من الحب يعطيك الله إياه خيرا من خمسة آلاف تنالها بالعدوان، وقال أمينى حاكم أحد الأقاليم: لم أزجر أرملة قط، ولم أقس على مزارع، ولم أحجر على عامل بسبب الضرائب، وقال أمنيموب: كن طيبا وأنت تجبى الضرائب، إن مركب الرجل الجشع الذى لا يشبع تغرقه العاصفة، لا تهزأ من أعمى ولا تسخر من قزم ولا تسيء إلى كسيح، وكانت وظيفة الوزير من الوظائف المرموقة، فكان الشاعر عندما يصف قصر الملك يقول إن فيه وزيرا يعطف على مصر، إن الماء والهواء يخبران بكل ما يفعله الوزير، وليعلم كل مسئول أن الظلم إذا دام دمر، وأن العدل إذا دام عمر. ومن التراث العربى أن القاضى على الدامغانى المتوفى سنة 315 هجرية الذى ولى القضاء فى بغداد وعمره 62 سنة قال للخليفة المستظهر يوما: إذا كان يوم القيامة جيء بديوان ديوان فسئلت عنه، فإذا جيء بسلطان القضاء كفاك أن تقول: وليته لذلك القاضي، فتسلم أنت وأقع أنا، وهذا ما ينبغى أن يتنبه إليه كل مسئول فيعمل بما قال الله وقال الرسول، إن العمل يكون باطلا وبلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة، وإذا لم تستطع أن تعمل بمحبة وكنت ضجرا فالأجدر بك أن تترك العمل، لأنك إذا خبزت خبزا وأنت لا تجد لذة فى عملك هذا فإن ما تخبزه يكون علقما.. كما يقول جبران خليل جبران: إن الرجال فى حياتنا كثيرون، لكن أصحاب البصمات أصبحوا عملة نادرة، وتاريخنا أعظم تاريخ، ولكننا أمة تجهل الكثير من تاريخها. محمد مدحت لطفى أرناءوط موجه عام سابق بالتعليم بالشرقية