هذا كتاب متجدد. يحمل قيما إنسانية لا يأتي عليها تقادم!. تجول عبره الدكتور » عبد الحليم نور الدين « في مجتمع »مصر القديمة« خلال عهود متفرقة، وأسر متعددة، ليرصد حالة إنسانية رائعة، ربما ليس لها في مثيل في كل الأدبيات التي تدافع عن المرأة الآن حول العالم. واستعرض فيه بعذوبة كافة التجليات التي تمتعت بها في مصر القديمة، ولاقت أرقى معاملة، وأرق تقدير.وكانت المرأة في تلك العصور الزاهرة تسمي » سِت « أى » السيدة «, وهي كلمة ما زلنا نتداولها، وكانت للأم كلمتان » موت « و» تمات «، والزوجة »حمت«, والطفلة » حونت و تاكتت «، ، والأخت » سنت «، والإبنة حظيت بحظ وافر من المسميات منها » سات «، و» حونت «, و» غرد «, و» سجتيت «، و» شريت «، والُمطلَّقة » وجعت « . ووفق قصة » سنوهى «، أو كما نعرفه » سنوحي «، وهو أحد قادة الجيش المصري في عصر الملك » أمنمحات الأول «، وهرب إلى فلسطين بعد وفاة الملك لسبب مجهول، نجده يُعدِّد وظائفه ويتباهى بها، ومنها أنه كان : » خادم نساء الملك, وخادم الأميرة, صاحبة الثناء العظيم«. وحين غلبه الحنين إلى مصر في شيخوخته طلب الصفح من الملك »سنوسرت الأول« ابن » أمنمحات «، وأن يأذن له بالعودة ليدفن فى تراب مصر. وحين رجع رحبت به الملكة وأميرات الأسرة الحاكمة. وكان المرأة المصرية آنذاك تحظى بتعليم جيد، وتتمتع بمستوى ثقافي، وكانت السيدات المصريات يهتممن بالعلوم، ومولعات بالفنون، وسجل لنا موظف اسمه » خنوم ردى « وكان أمينا لمكتبة السيدة » نفرو كابيث «, وصف للمكتبة ومكوناتها, بقوله:» لقد زدت عدد مجاميع الكتب, وجلبت لها كثيرا من المؤلفات الثمينة, حتى إنها لم تعد فى حاجة إلى توسيع أكثر من ذلك. ورتبت المكتبة ترتيبا حسنا لم يحدث مثله من قبل وربطت ما كان مفككا«. وظلت » إيزيس « في التاريخ المصري رمزا ساطعا لحب المرأة وإخلاصها لزوجها» أوزوريس «، وبلغت قصتها ذروة روعتها حين قررت جميع أشلاء حبيبها من أنحاء مصر، بعدما قتله » سِت « ومزق جسده وبعثر أجزاءه عمدا في أماكن متفرقة، ومتباعدة، لكنها استطاعت بدأبها تجميعها، ومساعدته على أن يبعث من جديد، وأن ينجبا ابنهما » حورس «، فتأخذه إلى براري الشمال، لتربيه بعيدا عن أعين » ست « حتى يكبر ويعود لينتقم من عمه الشرير، ويأخذ ثأر أبيه، وتتحول قصتهم إلى واحدة من أروع الأساطير الإنسانية، لتجسد الصراع بين الشر والخير ، وتداعيات الحب والإخلاص، وانتصار الخير، وفي المركز منها دور المرأة الجوهري في مصر القديمة، حيث اقترن اسمها وفعلها بالخير والمحبة والقوة والقدرة على بعث الحياة. وبالمقابل هناك قصة موحية، ومدهشة عن إخلاص الرجل لزوجته، وفيها كثير من الخيال الأدبي المحبب، وهى مسجلة على بردية محفوظة في متحف » ليدن « الهولندي، وهى عن » زوج يقاضى زوجته بعد موتها«، وتعكس رقي العلاقات الزوجية حتى بين من انتهت علاقتهما الزوجية بالطلاق.فبعد مضى ثلاث سنوات على موت الزوجة, لم تفارق خياله, وظلت تتراءى فى أحلامه, وذات يوم ظهر له خيالها، وهى ترفع يدها فى وجهه كأنما تريد أن تضربه. واستشار كاهنا فنصحه بكتابة خطاب إلى روح زوجته، وأن يشكوها إلى الأرباب, ويقاضيها أمامهم, فكتب الخطاب, وذهب إلى مقبرتها فى أحد الأعياد, وقرأه بصوت عال: لماذا تؤذينى حتى صرت فى الحالة التعسة التى أنا فيها. ماذا فعلت, وكيف ترفعين يدك على وأنا لم أسىء إليك قط؟! ماذا فعلت يستوجب استياءك منى؟! لقد تزوجتك وأنا حديث السن, فعشت بجانبك ثم شغلت مناصب فى جهات أخرى, فلم أهملك ولم أدخل على قلبك شيئا من الألم لقد صرت ضابطا فى جيش الملك بين ضباط العربات الحربية فكنت أجىء بها إليك, وأحمل إليك هدايا طيبة ولم أخف عنك شيئا طيلة حياتك ولم يستطع أحد أن يقول فى وقت من الأوقات إنى أسىء معاملتك كلا, ولم يستطع أحد أن يقول إنى بعد الطلاق دخلت بيتا آخر وحينما ألزمت بالبقاء فى المكان الذى أنا فيه الآن وكان مستحيلا على أن أعود إليك بعثت إليك بزيتى وخبزى وملابسى ولم يحدث قط أن أرسلت مثل ذلك إلى غيرك! ثم لما مرضت, ألم أرسل إليك طبيبا يصنع لك الأدوية وكان طوع أمرك فى كل ما تطلبين ولما وجب أن أرافق الملك إلى الجنوب, كان عندك قلبى وقد بقيت ثمانية أشهر دائم الفكر, قليل الأكل, قليل الشرب وبعد موتك سِرت إلى »منف« ورجوت الملك أن يأذن لى فى العودة إليك ثم بكيت طويلا أنا ورجالى أمام بيتى وقدمت كثيرا من الملابس والأقمشة لفائف لجثمانك انظرى! لقد مضى على الآن ثلاث سنوات وأنا وحيد لم أدخل بيتا آخر أما إخوتى اللواتى فى بيتى, فإنى لم أدخل عند واحدة منهن«. وهذه الحكاية المؤثرة تبين إخلاص ووفاء الرجل لزوجته, وحسن معاملته لها في حياتها معها وعند فراقه لها بسبب مشاغله وطبيعة عمله. وحتى بعد وفاتها وتركها إياه وحيدا, فهو لم يرد الزواج بأخرى. وسجل » نور الدين « أيضا في كتابه الثري تجليات المرأة في أقوال حكماء مصر القديمة, مثل » بتاح حتب « وزير الملك » إسسى « من الأسرة الخامسة, حيث خاطب الرجل في عديد من البرديات, عن أسرته قائلا له:» أعد لنفسك بيتا, واتخذ زوجة تكون سيدة لقلبك «، و» إذا كنت رجلا ناجحا, وطد أواصر أسرتك، وأحبب زوجتك فى بيتك كما ينبغي «، و» اشبع جوفها واستر ظهرها «، و» اجعل قلبها فرحا مادمت على قيد الحياة، فهى حقل مثمر«. ولم يكتف الحكيم » بتاح حتب « بنصح الزوج فقط بل زائري البيت أيضا، حيث حذرهم من أية محاولة الاقتراب من النساء, بقوله: » إذا أردت أن تحافظ على الصداقة فى بيت تدخله, سيداً كنت أم تابعاً, فاحذر القرب من النساء, ومن الحكمة ألا تتداخل معهن كثيرا, فمن أجل ذلك يذهب ألف رجل إلى الهلاك بسبب متعة قصيرة تضيع كالحلم, ولا يجنى الإنسان من معرفتهن غير الموت». وكذا كانت للحكيم » آنى «، من الدولة الحديثة، مقولاته التي تحض على احترام المرأة، حيث نصح ابنه » خنسو حتب «:» اتخذ لنفسك زوجة وأنت لا تزال شابا, لتجلب لك ولدا, ويجب أن تنجبه لك وأنت لاتزال صغير السن, لتعيش وقد صار رجلا «، و» خذ حذرك من المرأة الأجنبية, غير المعروفة فى موطنها, إنها كالماء العميق الذى لا يعرف الرجال التواءاته«.وقال » آني « :» لا تمثل دور السيد مع زوجتك فى بيتها طالما أنها ماهرة فى عملها, واجعل عينيك تلاحظ فى صمت, حتى يمكنك أن تعرف أعمالها الحسنة, وأنها لسعيدة إذا كانت يدك معها, ابذل جهدا لتجعلها سعيدة «. وثالثهما الحكيم » آمون - ام ابت « الذي حفظت تعاليمه بردية في المتحف البريطانى، حيث ينصح ابنه » حور الميرا « بأن » يكون لينا مع المرأة الفقيرة التى تجمع الحبوب فى حقول القمح «. ورصد الدكتور » عبد الحليم نور الدين « شعر الغزل المسجل على بردية » هاريس «، و بردية » تورين الغنائية «، و لفائف بردى » شستر بيتى « وكذلك بردية » انستاسى «, وقصة الحب المسجلة على سطح إناء فخاري موجود بمتحف القاهرة عن » فتاة تتلهف شوقا لرؤية حبيبها، وتتخيله يستحم معها في بركة السباحة, لكن عقبات ما تعطل الحبيب عن الوصول إليها، لكن إرادة الحب تنتصر في النهاية، ويلتقيان «. وأشار »نورالدين« إلى أن العادة في مصر القديمة كانت الاكتفاء بزوجة واحدة, وحتى الأثرياء الذين كانت لهن نساء كثيرات, كان لقب أسرته يمنح لزوجة واحدة فقط. لهذا بيندر وجود ملك أو أمير يصور أكثر من امرأة معه فى قبره، والمقابر التى صور فيها رجل ومعه زوجتان قليلة جدا.