دعا علماء الدين جميع أتباع الديانات والثقافات المختلفة فى ربوع العالم إلى الانتفاضة فى وجه الإرهاب ومن يؤججون نار الفتنة والصراع، محذرين من الانسياق وراء دعوات تكرار الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، واتهام للإسلام بالإرهاب. وأكد العلماء أن شيوع الكراهية بين أتباع الديانات والفهم الخاطئ والصورة المغلوطة لدى الغرب هى سبب تكرار الإساءة إلى الدين الإسلامى الذى دعا إلى التعايش السلمى بين جميع الأديان، فعلا لا قولا، وذلك قبل أن تصدر التشريعات والمواثيق والقوانين والمنظمات الحديثة، وانه ليس دين عنف وإرهاب كما تزعم بعض وسائل الإعلام الغربية . وأوضح علماء الأزهر أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها فى المدينةالمنورة، بعد الهجرة النبوية أعطت نموذجا مثاليا فى التعايش السلمى بين الأديان، وذلك من خلال مباديء أسست لها»وثيقة المدينة»، موضحين أن ذلك التعايش يعد فريضة وحقا فى الدين الحنيف، وليس توصيات وأدبيات، كما تقول بذلك المنظمات الدولية والحقوقية الحديثة. تسفيه لمعتقد الآخرين ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن ما يحدث من البعض فى دول الغرب حاليا وخاصة فرنسا، ليس من قبيل حرية الفكر والرأي، وإنما هو من قبيل تسفيه معتقد الآخرين، وهذا لا يستسيغه المسلمون لأنفسهم، فلا ينبغى أن يستسيغه غير المسلمين لأنفسهم أيضا، وذلك لأنه يخرج عن حرية الرأى وعن مبادئ الحريات عامة. وأوضح أن كراهية كثير من الناس للإسلام وأيضا لباقى الأديان وللتعايش السلمى فيما بينها، أدى إلى ما نراه ونشاهده ونسمع عنه من تبادل للإساءة للأديان وللرسل الكرام ولأتباع الديانات أيضا، فعلى العقلاء فى جميع المؤسسات الدولية والمعرفية ان ينتبهوا لما يحدث، وعدم الزج بالدين فى معارك هدفها تدمير الأخضر واليابس على هذه الأرض. وأضاف: إن الإسلام دعا إلى أن يعيش المسلمون مع غيرهم فى سلام وامن وحسن جوار، قال تعالى «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم»، وحينما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، عقد مع طوائف اليهود وغيرهم من ساكنى المدينة، وثيقة عرفت» بوثيقة المدينة»، وقد نصت بنود هذه الوثيقة على ان اليهود وغيرهم من الطوائف الأخري، يتعاونون مع المسلمين فى حماية المدينة ورد العدوان عنها، وان من أرادها بسوء فعلى الجميع التعاون والتكاتف لرد هذا الاعتداء ودحره، وأيضا نصت هذه الوثيقة على أن الجميع من ساكنى المدينة مواطنون لهم جميع الحقوق وعليهم كل الواجبات، وهو ما يعرف حاليا بمبدأ”المواطنة”، كما أسست هذه الوثيقة لدولة العدل والحق والحريات، وحققت الأمن والأمان وعاش الجميع فى تعايش سلمى شهد به القاصى والداني، حتى خالف اليهود عهدهم مع النبى صلى الله عليه وسلم. ويقول الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، أن ما يحدث حاليا فى فرنسا وبعض دول الغرب، من تكرار للإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم وللدين الإسلامى واعتداء على المساجد، إنما هو من قبيل الذين يبغضون الدين الإسلامى خاصة والتعايش السلمى بين الأديان عامة، ولا يريدون لأهل الأرض أن يعيشوا فى سلام، وهى تأتى فى إطار الحرب الشعواء التى يشنها أعداء الإسلام فى كل زمان ومكان. وطالب جميع العقلاء فى كل دول العالم بان يفرقوا بين الإرهاب الذى يسعى أنصاره إلى الفوضى والخراب والدمار وقتل الأبرياء بغير حق، وبين الدين الإسلامى وجميع الأديان الأخرى التى تدعو إلى العيش فى سلم وأمان، محذرا فى الوقت نفسه من الانسياق وراء تلك الفتن التى يمر بها العالم حاليا، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، قال تعالي”واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب». التعددية سنة كونية من جانبه يؤكد الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن التعايش السلمى بين الأديان ليس فقط ضرورة اجتماعية وعصرية وواقعية، ولكنه فريضة دينية فى الإسلام الحنيف، موضحا أن التنوع والاختلاف فى الأفكار والمعتقدات يثرى الحياة الاجتماعية، ويحقق مزيدا من التطور والتقدم فى كل المجالات، فبدلا من أن يكون عنصر هدم وصراع، يجب ان نحوله إلى عنصر بناء وتقدم. وأشار إلى أن التعدد والاختلاف من سنن الله تعالى فى كونه، وقد أكد ذلك القرآن الكريم قال تعالي» وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، موضحا انه ما دام الاختلاف سنة الله فى خلقه، فلابد للعاقل أن يتكيف على هذا الاختلاف، ويتوافق مع التعدد، وذلك لان عكس ذلك يؤدى حتما إلى الصراع والتناحر والدمار، واختفاء الأمن المجتمعي، وتحويل المجتمع إلى العيش بقانون الغاب، ولا يخفى على احد ما آلت إليه بعض المجتمعات فى الوقت المعاصر، من خراب ودمار وسفك للدماء وتهجير للناس من أوطانهم بسبب عدم قبول التعدد والاختلاف سواء فى الفكر أو المعتقد أو الجنس أو اللغة. العلماء : الإسلام سبق التشريعات الحديثة فى إقرار مبدأ «المواطنة» .. وحادث فرنسا يستلزم التعاون فى مواجهة الإرهاب