نحن الآن نعيش زمن الإعداد للدستور الجديد, وهي فترة ستظل خالدة في الذاكرة السياسية الوطنية, كما حدث من قبل عند الإعداد لدستور 1923 الذي جاء بعد ثورة 19. وقد بدأت كثير من القوي الوطنية وفي مقدمتها نقابة المحامين في الاجتهاد تطوعا لإعداد مشروعات وأبحاث عن رؤاها بالنسبة للدستور الجديد لتقدمها مشكورة إلي لجنة المائة التي ستقوم بإعداد الدستور. والذي أصبح لاشك فيه هو الرفض الشعبي لوجود مجلس الشوري والمطالبة بإلغائه في الدستور الجديد. ويقول رجل الشارع إن نسبة التصويت لانتخابات هذا المجلس التي لم تصل إلي 12% من مجموع الناخبين تعتبر استفتاء شعبيا علي رفض الشارع لهذا المجلس, وهذا صحيح ولم يعد هناك من يدافع عن بقاء مجلس الشوري الآن سوي أعضاء هذا المجلس الذين فازوا أخيرا في الانتخابات. وطبعا معهم حق! الموضوع الثاني والأهم من المطالبة بإلغاء مجلس الشوري هو موضوع الخمسين في المائة للعمال والفلاحين في كل المجالس البرلمانية ومجالس المحافظات والمراكز والقري. لقد هبت ثورة 23 يوليو الخالدة بزعامة جمال عبدالناصر, من أجل القضاء علي الإقطاع والاستعباد والظلم, وتنتصر بحماس شديد للفقراء خاصة العمال والفلاحين الذين يشكلون الغالبية العظمي للشعب وفي غمرة هذا الحماس والانحياز تقرر الثورة هذا المبدأ الهام للعمال والفلاحين في كل المجالس المنتخبة, وتنص عليه في أول دستور لثورة يوليو الذي صدر عام 1956, وهذا النص الفريد لم يكن له مثيل في أي دستور آخر وقتها, حتي ولا في دستور الاتحاد السوفيتي أو الصين, وهما الدولتان الشيوعيتان اللتان كانتا تقومان علي أساس مبدأ السيادة للطبقة العاملة. ومن المفارقات التاريخية العجيبة أن هذا الانحياز العظيم من جانب ثورة 23 يوليو للعمال والفلاحين, كان يقابله جفاء شديد ضد العمال والفلاحين من جانب لجنة الخمسين التي تم تشكيلها بمرسوم ملكي أصدره الملك فؤاد الأول لإعداد دستور 1923 وهي اللجنة التي أطلق عليها سعد زغلول اسم لجنة الأشقياء.. ومن يطالع محاضر مناقشات هذه اللجنة يتضح له أنها جاهدت طويلا في مناقشة نصوص دستورية تكفل ألا يتسرب إلي مجلس النواب وقتها أي من العمال والفلاحين, لأنه لا مصلحة لهم في الوطن.. لأن مصلحة الوطن في عهدة الأغنياء والملاك, وبعيدا عن مسئولية الفقراء والعمال!! وهكذا تتغير الأزمة.. وكذلك القيم والمفاهيم, ولو عدنا إلي زماننا الحالي لوجدنا أن طبقة الاقطاعيين أصبحت في ذمة التاريخ, وأصبحت الغالبية العظمي للشعب من العمال والفلاحين, ولو ألقينا نظرة سريعة علي حكامنا وكبرائنا الحاليين لوجدنا أنهم جميعا من أصول فلاحين وعمال, وليس من بينهم من ينتمي إلي أسرة إقطاعية.. والحمد لله من أصول فلاحية أو عمالية, ولكنهم اجتهدوا وكافحوا في حياتهم حتي بلغوا ماهم عليه الآن من شأن رفيع. وبذلك أصبحت حقوق العمال والفلاحين مصونة لا تمس, والكل يدافع عن هذه الحقوق.. لأننا جميعا من العمال والفلاحين. ولذلك لم يعد هناك مبرر للإبقاء علي هذا النص الدستوري الخاص بالخمسين في المائة للعمال والفلاحين في الدستور الجديد الذي يتم الإعداد له من الآن, حتي يكون دستورا متوازنا يضمن حقوقا وواجبات متساوية وعادلة لكل المواطنين دون تفرقة أو تحيز لفئة علي حساب الفئات الأخري من أبناء الوطن تدعيما لمبدأ المواطنة. المزيد من مقالات فؤاد سعد