تعلمنا ثقافة «التمييز» وأتقناها ونسينا أن نتعلم ثقافة «الإختلاف» ونعلمها لأبنائنا.. نسينا أن نعلمهم أن زميلهم المعاق يمكنه أن يجلس بجانبهم فى المدرسة دون أن يتضجروا منه، نسينا أن نقول لهم ان لعبكم مع طفل أقل ذكاء لن ينتقص منكم شيئا، نسينا أن نخبرهم أنهم يتعلمون من هذا الطفل أشياء لم يكن لهم أن يتعلموها من الأصحاء، وأنهم يستفيدون منه قبل أن يستفيد هو منهم، نسينا أن نعلمهم ألا يحملقوا فى الطفل ذى الاحتياجات وكأنه جاء من كوكب آخر.. كل هذه المعانى نسيناها وتذكرنا فقط «ليه إبنى يتعلم مع معاق؟» و يكفى أن نعرف أنه فى عام 2007 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال ذوى الإعاقة، ونصت الإتفاقية فى المادة 24 من البند الثالث على مسئولية كل دولة من تمكين هؤلاء الأطفال من التعليم وتيسير مشاركتهم الكاملة فى المجتمع، وقد وقعت مصر و15 دولة عربية أخرى على بنود هذه الاتفاقية لحماية وتعزيز الأطفال ذوى الإعاقة على قدم المساواة مع الأطفال الآخرين بوصفهم أعضاء فى المجتمع ويجب على كل دولة أن تتخذ التدابير المناسبة لمساعدة الأطفال ذوى الإعاقة على التعليم وسط الأطفال الطبيعيين، أى دمجهم.. والمقصود بالدمج أن يندمج من 2 إلى 4 طلاب من ذوى الإعاقات البسيطة مع الأطفال الطبيعيين فى نفس الفصل، وذلك بعد تطبيق اختبارات الذكاء عليهم فى سن المدرسة، فإذا تراوحت نسبة ذكاء الطفل بين 52 الى70% بجانب تجاوزه مقياس السلوك التكيفى يكون من حق هذا الطفل أن يندمج فى الفصل مع الأطفال الطبيعيين، يكمل معهم يومهم الدراسى الطبيعى، إلا أنه يمضى بعض الوقت فى غرف تسمى «غرف المصادر» لشرح نفس الدرس للطفل ذى الإعاقة إذا تعثر فى فهمه ثم يعود ليستكمل يومه مع زملائه فى الفصل، ولكن هل يتقبل الجميع الدمج؟ وإلى أين وصل برنامج الدمج الذى بدأته وزارة التربية والتعليم منذ سنوات؟ هدى على أم لطفلين اختارت مدرسة دولية دامجة لتعليم أولادها وتقول انها سعيدة جدا بهذا الاختيار خاصة بعد أن أمضى أولادها 4 سنوات بالمدرسة، اختلفت نظرة أولادها لذوى الاحتياجات الخاصة، يمضون يومهم معهم ويشعرون الآن أنه ليس هناك فرق بينهم خاصة أن سياسة المدرسة تعمل على التعامل مع هؤلاء الأطفال وكأنهم أسوياء.. تعطيهم الأولوية للمشاركة فى الحفلات والنشاطات المختلفة والإذاعة المدرسية حتى يتعلم الأطفال أن أقرانهم من ذوى الاحتياجات جزء مشارك فى المجتمع. ويقول محمد عبد المنعم مصطفى مدير إدارى بشركة أجهزة طبية ووالد مؤمن بالصف الرابع الابتدائى بمدرسة تجريبية دامجة أنه عانى الكثير قبل التحاق ابنه بتلك المدرسة لأنه لم يكن يعلم أن ابنه يعانى من صعوبات التعلم، كانت هناك شكوى دائمة من المدرسة الأزهرية التى ألحق فيها ابنه من قبل، وتكررت الشكوى من عدم تحصيله وقلة تركيزه وفرط الحركة، وبعد معاناة التحق مؤمن بالمدرسة الدامجة التى وجد فيها الرعاية وأثبت أن لديه مقدرة على التعلم والتحصيل إذا وضع فى مكانه الصحيح.. مؤمن الآن محبوب وسط زملائه يعتبرونه القائد ويشترك فى تمثيل المسرحيات والأنشطة المختلفة ولا يختلف عن أى طفل سوى. أما نماذج المعاناة فكثيرة قد لا تكفى هذه السطور لرصدها منها حالة منى السيد عيد أم لطفل من أطفال متلازمة داون حصل على الشهادة الابتدائية العام الماضى فى إحدى المدارس الخاصة، وعندما حان نقله الى المرحلة الإعدادية بعد حصوله على 90% اعترض أولياء الأمور بالمدرسة وقالوا للمدير يكفى هذا القدر من تعليمه وسط أبنائنا ويجب على الأم أن تنقل ابنها الى مدرسة أخرى من مدارس التربية الفكرية.. ولولا أن الأم تمسكت بحقها فى استمرار طفلها بالمدرسة ما كان ليستمر فى الدراسة. وتقول منى ان لابنها أصدقاء من الفصل يتحدثون إليه فى التليفون ويخرجون معه فى العطلات، ويدعونه الى حفلات أعياد ميلادهم ولكن للأسف بعض الأمهات هن اللاتى يعترضن. ذوو إرادة خاصة مدرسة الكمال التجريبية الدامجة هى إحدى المدارس الرائدة فى دمج الأطفال ذوى الإعاقات الذهنية البسيطة مع الأطفال الأسوياء وحصلت المدرسة مؤخرا على درع اليونسيف فى تطبيق برنامج الدمج الشامل لذوى الإعاقات البسيطة وبطيئى التعلم والتوحد والشلل الدماغى. وتقول هالة عبد السلام خفاجى مديرة المدرسة عن قناعة تامة انه من المعروف دوليا أن سياسة الدمج الشامل هى حركة حضارية إنسانية واجتماعية وحقوقية على أساسها تتحقق الجودة للمدرسة ويرتقى نظام التعليم ككل، وانطلاقا من هذه القناعة بدأت المدرسة تطبيق الدمج منذ عام 2011 طبقا للقرار الوزارى رقم 264 الخاص بتنظيم عملية الدمج وقمنا بالاتصال بمنظمة اليونسيف لعمل تدريبات لبعض العاملين بالمدرسة ، وقمنا بعمل تدريبات لجميع مدارس مصر الجديدة لبث ثقافة الدمج وتأهيلها لاستقبال الطلاب من ذوى الإعاقة وتجهيز غرف المصادر بتلك المدارس ومع كثرة الحالات بالمدرسة التى وصلت الى 30 حالة قمت بتقديم مشروع لوزارة التربية والتعليم» « جمهورية مصر العربية جمهورية دامجة» آملين أن نكون نواة لمجتمع أفضل له القدرة على تقبل الآخر حيث انه من خلال تجربتى الشخصية فى هذا المجال أقر أن هؤلاء الأطفال ذوى إرادة وعزيمة خاصة، وكما يتعلمون من أقرانهم الأسوياء نعترف أننا تعلمنا منهم أكثر، تعلمنا القيم والإنسانية والمشاعر النقية وإنكار الذات وأخيرا أنه ليس إنسان عاجز. ولكن كيف تمكنت المدرسة من تحويل ثقافة الأهل لفكرة تقبل تعليم أبنائهم وسط أطفال من ذوى الاحتياجات؟ يجيب بيومى عبد المجيد الإخصائى الاجتماعى ومسئول الدمج بمدرسة الكمال إن أول شىء كان عليهم عمله هى محو الفهم الخاطىء عن أن الطفل المعاق يضر أبناءهم أو يسبب لهم إيذاء وبعد قليل من الوقت يكتشف الأهل بأنفسهم أن هؤلاء الأطفال يعتبرون إضافة لأبنائهم وأنه قد يتفوق عليهم فى ناحية من النواحى، وأنه يجب عليه عدم النظر الى النقص فى زميله ولكن الى امكاناته.. وأنه لا يضر سياق العملية التعليمية لهم خاصة أن الأطفال المدمجين يمثلون 10% فقط من عدد الطلاب وكما يستفيد الطفل المعاق من اكتساب التصرفات والسلوك الطبيعى من الغالبية يكتشف الأسوياء أيضا بعد الاحتكاك بهم عالمهم الذى كان يعتبر مجهولا ويتعلمون أنهم ليسوا «عجزة» بل قادرون.