غريب أمر هؤلاء المصريين, قاموا بثورة شبابية شعبية صارت حديث العالم أجمع من شرقه الي غربه, ومن شماله الي جنوبه, فقد أرخوا لبداية عصر جديد من الحرية, والعدالة الاجتماعية, والديمقراطية. وأسدلوا الستار فوق حقبة امتدت لسنوات طويلة من الحكم الشمولي وديكتاتورية الحاكم الفرد, ومخططات التوريث, والملكية الجديدة التي ابتدعها فصيل من الحكام ببعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا, والتي كنا قاب قوسين أو أدني من الغرق في مستنقعها الآسن, لولا قيام هذه الثورة العظيمة وقد بلغ حد الاشادة بثورة 25 يناير السلمية البيضاء من قبل بعض زعماء الدول الغربية أن تم اختيارها كنموذج أمثل للثورات علي مر العصور, بل والقيام بتدريسها لشباب هذه الدول عساهم يتعلمون من تقاليد ومفاهيم وسلوكيات شبابنا الثائر. ولسنا هنا بصدد تناول السلبيات التي قد تؤدي في بعض الأحيان الي الانحراف عن مسار الثورة فلن تعود الأيام مرة اخري لاعداد الدستور الجديد قبل الانتخابات البرلمانية التي تمت بالفعل, او اجراء انتخابات رئاسية قبل البرلمانية, أو ما الي ذلك, فقد دارت العجلة ونأمل في أن يكون المقبل أفضل. لكن الشيء الذي يدعو الي الدهشة والي التعجب هو ذلك التناقض البين في سلوكيات الأفراد, وعدم تناسب ذلك مع نقاء تلك الثورة. ولا أقصد بذلك الثوار, أو أصحاب التيارات السياسية المختلفة, انما ما أقصده هو المواطن المصري العادي, الذي يمثل أغلبية هذه الأمة, والذي قامت الثورة من أجله. إنني كثيرا ما أسأل نفسي تري ما الذي أصاب هذا المواطن كي ينقلب حاله رأسا علي عقب, إن الثورة قامت من أجل التغيير, تغيير كل ما هو سلبي, ولكن الواقع الذي نراه رأي العين يشير الي عكس ذلك في كثير من الأحيان, لقد شاعت السلبيات التي تتمثل في الفوضي المنتشرة في الشارع المصري من المخالفات المرورية الفادحة, لقد فقدنا روح التسامح, ولغة الحوار, فضلا عن فرض البعض ممن هم في مواقع المسئولية, والذين تم الاستعانة بهم بغرض الاصلاح أو إعادة ترتيب الأمور وتوفيق الأوضاع هيمنتهم علي تلك المواقع باتباع نفس السياسات التي كانت سائدة قبل قيام الثورة من تفضيل أهل الثقة علي حساب أهل الخبرة عند اختيار الوظائف القيادية, أو تكرار نفس الأخطاء السابقة عند اتخاذ بعض القرارات المصيرية... الخ. لابد أن نجزم بأننا امام اشكالية ليست هينة, لقد أصابنا شيء ليس قليلا من الأنانية والانغلاق علي الذات, فأصبحنا لانكترث بمشاكل الآخرين وأصبحنا لانري إلا أنفسنا ولا نهتم إلا برأينا ولانسمع إلا صوتنا, فقدنا أهم ميزاتنا وأجل صفاتنا... فقدنا تقاليدنا التي كانت أغلي ميراث ورثناه عن آبائنا وأجدادنا. قد يقول قائل: إن أخلاق وسلوكيات الشعوب قد يحدث لها بعض ردود الأفعال السلبية نتيجة الكبت والمعاناة والظلم علي مدي عقود طويلة, ولكنني أري فئات كثيرة علي قدر لا بأس به من العلم والثقافة والثراء ولكنها تضرب بكل القيم والتقاليد عرض الحائط باسم الحرية المطلقة التي لاتوجد في أي مكان في العالم. أيها السادة رفقا بحضارتنا وتاريخنا ومكانتنا واقتصادنا, ومستقبل أبنائنا.. اننا نسير نياما ونمضي إلي المجهول, فاذا كنا نريد لمصرنا الخير والرفعة, فلابد أن نفيق مما نحن فيه قبل أن يسبق السيف العذل! المزيد من مقالات عبدالجواد طايل