ثمة نوع من الكتابة لا تملك وأنت تقرؤه إلا أن تضحك.. لكنك- رغم الضحكة- تحس بلسعة الألم. تتساءل: ولماذا تلك الغصة فى الحلق يا ترى مع أنى أضحك؟ الإجابة: لأنها كتابة تلمس جرحك.. لكن بلطف، تضعك أمام نفسك.. لكن دون أن تصعقك فتدميك.. وإنما تكتفى بوخز وجدانك.. لكن بحنان، وبدغدغة روحك دغدغة توقظك وتصحصحك.. كتابة يسمونها «الساخرة».. وهل السخرية إلا رحلة عميقة عمق الجرح؟ كتابة دينا ريان تنتمى لهذا النوع.. وذلك ما ستقرؤه فى كتابها الجديد «السلطانية». وانظر إن أحببت إلى العناوين التى اختارتها الكاتبة للفصول الخمسة التى يتكون منها الكتاب؛ وطنيات، ضرب القفا، حسنة وأنا سيدك، قلوب كعب داير، أحلام الست. تريد المزيد؟ إذن خذ عندك تلك الفقرة: «الفساد يبدأ من الصغير ليصل إلى الكبير.. والعكس صحيح.. وطالع نازل.. ونازل طالع.. حتى ينهار الهيكل.. ومعه الوطن»، أو تلك العبارة: «الذقن النصاب يضحك عليك.. وعلى ذقون أجدادك.. وربنا بيسلّط ذقون على ذقون.. وليس كل من ربى ذقنه صالحا.. ولا كل من حلقها طالحا»، أو تلك العبارة: »لا تسألنى الآن يا قطعة منى.. لم فعلت ذلك بك.. لم استهنت بأحشائك.. وأخرجتها لكل من أراد.. لماذا ألقيت بك فى أعماق المياه على ثقة منّى بأنك قادر على العوم.. لن تغرق!». .. وربما يجوز لك أن تتساءل: لماذا اختارت دينا «السلطانية» كعنوان لكتاب؟ اسمعها تقول: أتساءل أحيانا وأنا ألعب مع الأيام.. أتساءل وقت الغسق بعيدا عن الفسق.. أتساءل: هل آن الأوان لخلع سلطانيتنا الواقية من ضربات القفا.. وأطمئن للزمان.. وأدعو الأهل والخلّان.. أم أستمر على سياسة أجدادى؛ من خاف سلم.. وأمشى جنب الحيط؟ اللهم احفظ قفانا.. وأدم علينا السلطانية! .. ثم اسمعها تقول: نظرت حولى.. وجدت الكل يرتديها مبتسما راضيا.. فى البيت.. فى الشارع.. فى الميكروباص والسيارة.. وكل مواطن على قد سلطانيته.. وكلما كبرت المسئولية.. كلما كبر حجم السلطانية! وبدورنا نسأل دينا ريان: وهل للسلطانية من فوائد ما يا أستاذة؟ تجيب: أهم فائدة لها أنها تحمى القفا من الضربات! كتاب دينا ريان مجموعة من المقالات( نحو 140 مقالا) رتبتها وصنفتها فى خمسة فصول.. وبين الفصول الخمسة حبل سرى( بضم السين) وحبل سرى( بكسر السين) فحاول- وأنت تقرأ- اكتشاف الحبلين.. ومعهما سر سلطانيتك أنت.. وخذ بالك من سلطانيتك يا مواطن.. على رأى دينا! على كل حال، لاحظ- وأنت تقرأ- مدى التكثيف فى اللغة، ومدى قصر المقالات والجمل والعبارات( ومعروف لدى طائفة الكاتبين أنك كلما قصّرت جملك كلما كنت الأبرع.. إذ خير الكلام ما قلّ ودلّ.. وبلاش رطرطة!) أنت، مع هذا الكتاب، أمام كتابة تدور كالشهاب.. وتلسع كالنحلة.. وقانا الله شر لسع النحل.. ووقى دينا شر ما يجرى للنحلة بعد أن تلسع.. يا رب!