لم أفهم ولا اقتنعت بأسباب عاصفة الضجيج التى أطلقها كثر من الناس بعدما أذاعت الرئاسة أول من أمس فيلما مصورا قصيرا ظهر فيه مدير المخابرات العامة الجديد وهو يقسم على المصحف الشريف أمام فضيلة الشيخ الدكتور محمد مرسى على الولاء لفضيلته. يرى الغاضبون الملتاعون من هذا الفيلم أنه «فيلم مسىء» إلى الدولة المصرية الحديثة إذ يبدو تعبيرا بليغا عن محاولات تقويض أركانها القانونية وهدم أساساتها العصرية، فضلا عن سحق مبدأ المساواة بين المواطنين الذى ظل عشرات السنين (ولو على الصعيد النظرى) واحدًا من أهم ملامح هذه الدولة، لكن مشهد الحلفان على المصحف بالولاء للرئيس يقلبها إلى شىء أقرب إلى «سلطنة طائفية» توزع فيها المناصب وتمنح فقط للمنتمين إلى طائفة السلطان وتهبط بمواطنيها إلى مستوى الرعية فتفرزهم وتميز بينهم على أساس أديانهم وتنتقى منهم من تراه مستحقا للفوز بالوظائف الرفيعة (والسمينة كذلك) لا وفقا لمعايير الكفاءة والجدارة وإنما بمعيار الدين والطائفة والقبيلة والعشيرة و«الجماعة».. إلخ، فضلا عن الولاء لجناب الوالى والاستعداد للموت من أجل عظمته. أما لماذا لم أفهم ولم أقتنع بكلام هؤلاء الملتاعين الغاضبين مما ظهر فى الفيلم المذكور، فليس لأن عبد الله غبى ويعانى -والعياذ بالله- قصورا مزمنا فى الدماغ وإنما لأننى ببساطة اقتنعت جدا وتماما بما قالته فرقة المقرعاتية المبرراتية لكل أفعال فضيلة الرئيس، خصوصا حديثهم عن حق هذا الأخير فى اختراع وافتكاس أى صيغة قسم تناسب ثقافة ومزاج فضيلته وتهفو نفس جنابه إلى سماعها من مدير مخابراته. فعلاً من حق الرئيس أن يحدد نوع صيغة الحلفان الذى يحلفه أى موظف عمومى أمام سيادته، لأنه من نافلة القول أن هؤلاء الموظفين جميعا يعملون فى بلاطه ويغرفون من أفضاله، ولا علاقة للشعب بالموضوع كله من أوله إلى آخره.. غير أننى لو كنت واحدًا من جيش المستشارين الرئاسيين العرمرم الذى يملأ بالبهجة والسرور دنيانا الكئيبة منذ أسابيع، لكنت كافحت الزحام وجاهدت لاختراق الصفوف المتراصة والكراديس المحتشدة حتى وصلت إلى جناب السلطان الرئيس واقترحت عليه ثلاث صيغ جديدة للحلفان يستطيع -طال عمره- أن يعتمدها ويختار من بينها ما يروقه وما يراه مناسبا لكل حالة من حالات السادة المحظوظين الذين يتبوؤون مناصب فى الدولة تستلزم تلاوة قَسم الإخلاص والولاء لجنابه أمام فخامته: الصيغة الأولى يقول منطوقها: «وعهد الله، وحياة النعمة دى على عِينى يا شيخ (يلوح الرجل الذى يحلف اليمين فى فراغ القاعة برغيف عيش بلدى مدعم ويقربه بشدة من عيونه الكحيلة) وحياة سيدنا النبى، سأظل مخلصا لجنابك وخادما أمينا ومطيعا لسيادتك ما حييت.. وكل عام وأنتم بخير». الصيغة الثانية: «وعهد الله (برضه) يا رب يفرمنى قطر أو يدوسنى وابور زلط سواقه أعمى وما اوعى أرَوّح لعيالى، سأبقى أبد الدهر وفيًّا لفضيلتك وفارشًا خدودى ورموش عيونى تحت أقدام جلالتك.. وربنا يولّى من يصلح». أما الصيغة الثالثة (تصلح لوزراء الداخلية) فتقول: «علىَّ الطلاق بالتلاته، ورحمة أمى فى تربتها يا افندم، أنا حبيت سيادتك قوى جدا خالص من أول نظرة، ومستعد أروح فى ستين داهية علشان جنابك، وسترى بالأفعال لا الأقوال، كيف أن عندى بعون الله كفاءة أنسف وأحرق بجاز وسخ الدنيا كلها حتى ترضى سعادتك وتستريح تماما وتنام قرير العين فى قصرك.. والله ولى التوفيق».