ما أكتبه هو اجتهاد من تفكيري دون نقل عن أحد وإنما خواطر قد أخطئ قبل أن أصيب، وحينما تقرأ معي أن الملائكة كيف تفسد تشعر أنك تريد أن تمزق المقال وكاتب المقال، ربما أكون قاس في الاجتهاد، كما فعلت في المقال السابق، ولكن بعد أن نتدرج في الأحداث سنشعر أننا اكتشفنا أو عرفنا شيئا جديدا، وقبل أن أبدأ أطرح سؤالا ما أهمية أن تقرأ دون أن تعرف شيئا جديدا؟؟؟ ولهذا السبب نرجع بسرعة إلى عنوان الموضوع الأساسي كي نكتشف شيئا جديدا. حينما خلق الله الخلق تجد أن الملائكة طرحت سؤالا كبيرا على الله عز وجل، أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون" فهم أكدوا لله عز وجل أنهم عابدين مسبحين مقدسين له، بينما الإنسان سيفسد في الأرض ويسفك الدماء ويفعل كل المعاصي؟ قبل أن أتكلم عن فساد الملائكة، أطرح سؤالا مهما، وهو كيف عرفت الملائكة أن البشر سيكون لهم يد فاسدة تسفك الدماء؟ واستفسار الملائكة كان صادقا، وهو استفسار يؤكد الحقيقة، لأن الاستفسار احتوى على خبر مهم وهو أن الإنسان سيفسد في الأرض، وكلام الله عز وجل عن بني إسرائيل يؤكد الفساد الذي تحدثت عنه الملائكة فقال لهم "لتفسدن في الأرض مرتين" ، اجتهدت في ذلك، وجدت أن رسالة الملائكة في مخاطبة الرحمن صادقة، ولكن سبب صدور هذه الرسالة من الملائكة ربما يكون لأن البشر خلق من طين يحتوى هذا الطين على كثير من الشوائب والمركبات المتنوعة المتباينة في هذه المادة الطينية، وربما يكون استنتاجهم بني على أنهم أعبد المخلوقات إلى الله، وبالتالي مهما يخلق الله من أشياء فلن يكون من الخلق من هو أعبد من الملائكة، ولكن سؤال الملائكة يدل أيضا على غيرة الملائكة من البشر، لأنهم يريدوا أن يكونوا هم الفائزون برضاء الله وحبه، ولن يشاركهم أحد في هذا الحب وهذه العبادة القدسية، ولكن كيف فسد منهم من فسد؟ حينما قال الله لهما إني أعلم ما لاتعلمون، فهذا يدل على أن هناك خير في البشر، وأكد الله للملائكة أن البشر المخلوق من هذا الطين حينما يكون طائعا لله فإن الله يباهي به الملائكة أي أن البشر أفضل من الملائكة، حينما يكون الإنسان محبوبا إلى الله، يكون يده الذي يبطش بها، وسمعه الذي يسمع به... الخ الحديث، ومن هنا حدثت "غيرة" مباشرة من الملائكة، وقال الله لهم هلموا بملكين حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملون، قالوا له: هاروت وماروت، فأهبطهما إلى الأرض، ولكن كان هناك شرطا قبل أن يهبطا إلى الأرض، أن يزرع الله بهما الشهوة مثل شهوة الإنسان، ومن هنا ، كانا هاروت وماروت في غاية الطمأنينة والتحدي بأنهما مهما كانا بهما من شهوة فلن يؤثر ذلك على مستقبل عبادتهما في الأرض. وبدأت رحلة العجائب لهاروت وماروت إلى أرض بابل بالعراق، بعد أن أدخل الله عليهما الشهوة، ونزلا إلى الأرض فوجدا فتاة جميلة من أحسن البشر، جاءتهما فسألاها نفسها، فقالت لن تنالا مني شيئا حتى تشركا بالله، فقالا : والله لا نشرك بالله شيئا أبدا، فذهبت عنهما، ثم عادت لهما بطفل رضيع، وأمرتهما بقتل هذا الطفل حتى ينالا منها الشهوة الجنسية، فرفضا قتل الطفل، ثم عادت لهما بقدح من خمر تحمله على يديها، فسألاها نفسها، فقالت لهما لا والله حتى تشربا هذا القدح من الخمر، فشربا، وغابا عقلهما عنهما، فوقعا عليها، ونالا منها الشهوة، وقتلا الصبي، وعلّما الناس السحر، وقالت الفتاة: "والله ماتركت شيئا أبيتماه إلا وقد فعلتماه حين غابا عقلكما"، فجاء الله بحكمه لهاروت وماروت، وخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، وقال عنهما ابن كثير أنهما كانا ملكين من السماء، وكانا من أمرهما ما كان، ولا ننسى طاووس الملائكة أيضا إبليس الذي كان أعبد الملائكة، ولكن الكبرياء جعله من العاصين لله، فلم يسجد للإنسان، وكان من المنظرين، ومن هذا اجتهدت أن هناك ملكان ببابل هاروت وماروت كان يتعجبان من فساد البشر، ولكن حينما دب الله بهما الشهوة نسيا نفسهما وكان عقابهما أشد، ورغم ذلك نجد أن الله عظيم يحب الإنسان ويغفر له الذنوب جميعا ويقول ولقد كرمنا بني آدم، ما أفضل هذا التكريم لبني آدم، ويغفر لبني آدم الذنوب جميعا إلا أن يشرك به، بشرط ألا يظلم أحدا، لأن الظلم ثلاثة أنواع، ظلم لا يغفره الله، في قوله تعالى : "يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به" ، وظلم يغفره الله، حينما يظلم الإنسان نفسه، في قوله "وماظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" ، وظلم لا يتركه الله أبدا، أي ظلم العباد لبعضهما البعض، وذلك بسبب ألا تنتهك حقوق الإنسان وحرماته في الأرض، ولكن ما أسهل انتهاك الحقوق والحرمات الآن. [email protected] المزيد من مقالات حسنى كمال