فى 2012 قام أحد الأشخاص فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بنشر فيديو لفيلم بعنوان «براءة المسلمين» على موقع يوتيوب يحمل إساءة بالغة للرسول عليه الصلاة والسلام، وتسبب هذا الفيديو فى أعمال عنف معادية للولايات المتحدةالأمريكية فى أكثر من دولة عربية وإسلامية راح ضحيتها أكثر من 50 قتيلا، كان من بينهم «كريستوفر ستيفينز» السفير الأمريكى فى ليبيا. وأيضا فى 2012 نشر حساب على تويتر يحمل اسم وزير الداخلية الروسى «خبرا» يزعم مقتل أو إصابة الرئيس السورى بشار الأسد، واتضح بعدها بدقائق أن الحساب ليس حقيقيا وأن الخبر ليس صحيحا، ولكن بعد أن كانت بعض وكالات الأنباء قد تناقلت الخبر، وبعد أن ارتفع سعر البترول الخام دولارا لكل برميل! وفى أبريل 2013 تمت قرصنة حساب «أسوشيتد برس» على تويتر ونشر خبر كاذب عن وقوع انفجارين فى البيت الأبيض وإصابة الرئيس الأمريكي. صحيح أن الحساب قد تمت استعادته بعد ذلك بدقائق، وصحيح أن الكثيرين لم يصدقوا الخبر لأن خبرا بهذه الخطورة لم يظهر فى أى قناة أو حساب آخر، إلا أن هذه الدقائق كانت كافية لأن يهبط أكبر مؤشرات البورصة الأمريكية 100 نقطة. هذه عينة صغيرة من أمثلة كثيرة لما يعرف الآن ب «الحرائق الرقمية» كما ذكرها تقرير المخاطر الصادر عن «منتدى الاقتصاد الدولي» فى 2013. والحريق الرقمى هو أى شائعة أو معلومة خاطئة تنتشر بسرعة كبيرة من خلال شبكات التواصل الاجتماعى يمكن أن يكون لها تأثير مدمر قبل أن يتم تصحيحها. ومما يزيد الأمور تعقيدا فى هذا السياق أن عصبية «القبيلة» التى تسيطر على هذه الشبكات تجعل بعض القبائل أقل استعدادا لتصديق التصحيحات الصادرة عن قبائل أخرى «معادية». وقد وضع التقرير هذه الحرائق ضمن قائمة المخاطر التى سيواجهها العالم فى السنوات العشر القادمة. ونظرا للأضرار السياسية والاقتصادية التى يمكن أن تسببها هذه الحرائق الرقمية، بدأت الحكومات حول العالم تدرس منذ فترة كيف يمكن تطبيق قوانين موجودة بالفعل للحد من أضرار هذه الحرائق أو اللجوء إلى صياغة قوانين جديدة «تنظم» حرية التعبير فى الفضاء الافتراضى للإنترنت عموما وشبكات التواصل الاجتماعى خصوصا حتى تقلل قدر الإمكان من هذه الخسائر. فمثلا أدانت محكمة بريطانية أحد الأشخاص على نكتة كتبها فى حسابه على تويتر هدد فيها بأنه سوف يقوم بتفجير أحد المطارات البريطانية بسبب خيبة الأمل التى أصابته بعد إلغاء رحلته. وبعد الاستئناف تم إلغاء الحكم. أما الصين فقد أصدرت قانونا فى سبتمبر عام 2013 يقضى بعقوبة كل من ينشر شائعات ومعلومات خاطئة بالحبس لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات مع حرمانه من حقوقه السياسية. وقد تسبب ذلك فى أن قل عدد موقعى مواقع التواصل الاجتماعى فى الصين بحوالى 7%، أى ما يزيد على 20 مليون زائر! لكن الوصول إلى قوانين تضع حدودا معقولة للحريات القانونية على مواقع التواصل الاجتماعى من الأمور الصعبة لسببين أساسيين: الأول أن هذه المواقع ظاهرة حديثة لم تتضح معالمها ولم تنضج معاييرها بعد. والسبب الثانى أنه حتى فى حالة الاتفاق على مجموعة من القوانين المنظمة، فأى سلطة ستقوم بوضع هذه القوانين موضع التنفيذ؟ فالخوف دائما من أن تتحول هذه القوانين إلى أسلحة قانونية فى أيدى الحكومات تستخدمها ضد معارضيها عند كل ضرورة! خاصة أن كثيرا من الدول كبيرها وصغيرها تفعل ما يفعله بعض مستخدمى الإنترنت من مواطنيها من نشر للشائعات وتضليل للرأى العام، وعلى نطاق أكبر وأكثر تأثيرا. ويرى التقرير أن المنظومة القانونية بمفردها لن تأتى بالنتائج المرجوة وأنه يلزمها أيضا منظومة أخلاقية تقوم على نضج مستخدم هذه المواقع وشعوره بالمسئولية الاجتماعية. والقائمون على التقرير استندوا فى هذا الاقتراح على ملاحظة مؤداها أن منحنى النضج الرقمى فى صعود لدى مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم وهذا واضح من تراجع عدد الرسائل من هذ النوع التى يتم إعادة إرسالها، وأن هناك ميلا لدى الكثير من المستخدمين إلى الانتظار والتدقيق قبل إعادة نشر بعض المعلومات- الشائعات التى قد تنتج عن نشرها أضرار بالغة لا يمكن محو آثارها .. اللهم إذا كان بعض مستخدمى هذه المواقع قد بيتوا النية على إحداث هذه الأضرار! لمزيد من مقالات د. خالد الغمرى