أعتقد أن الإخلاص لفكرة الوحدة والاهتمام بإحياء ذكري أول وحدة عربية في التاريخ الحديث وهي الوحدة المصرية السورية التي انطلقت يوم22 فبراير عام1958 يتطلب معرفة أسباب انفراط عقدها بعد ثلاث سنوات وسبعة أشهر نتيجة لمؤامرة الانفصال في28 سبتمبر عام.1961 لقد انتكست الوحدة والأسباب التي أدت إلي ذلك كثيرة ومتعددة ولكن أهم وأخطر الأسباب يرجع إلي مزايدات رخيصة سرعان ما تحولت إلي تناحر بغيض بين بعض من نادوا بالفكرة وحملوا راياتها! و من المؤكد أن القوي المعادية للوحدة- إقليميا ودوليا- بذلت كل ما في وسعها لإفشال الوحدة المصرية السورية انطلاقا من استيعاب لخطورتها علي أهداف ومقاصد الكثيرين تجاه المنطقة... وذلك أمر مفهوم ولم يكن غائبا عن الذين تحمسوا للفكرة وخاطروا ببدء تجربتها ولكن المصيبة الكبري أن هذه القوي المعادية للوحدة لم تستطع أن تجهض المشروع الوحدوي بضربة غادرة من الخارج وإنما نجحت في النفاذ إلي الداخل واللعب علي وتر الصراعات التي كان بعضها معروفا وأغلبها مكتوما! والذين عاشوا هذه الفترة ووعوا حقائقها- وأنا واحد منهم- يدركون الآن لماذا بدا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يوم الانفصال في سبتمبر1961 حزينا ومهموما فقد شعر بأن الأمة العربية تلقت طعنة غادرة وبأيدي بعض أبنائها المحسوبين علي الوحدة! يومها كان عبد الناصر- وكانت مصر كلها معه- في حلم كبير من أجل انتصار التقدم علي التخلف وتغليب النزعة القومية علي الأنانية القطرية من أجل طموحات كبيرة ومشروعة وأهداف عظيمة وممكنة... ولكن كان هناك أيضا من يري الوحدة بمنظور حزبي وعقائدي ضيق يختصرها في سطور مكتوبة داخل كراسات حزبية تقليدية وجامدة! و مع ذلك ورغم الجراح وآلامها المبرحة التي نجمت عن طعنة الانفصال فإن القوي الوحدوية الأصيلة لم تفقد إيمانها بالفكرة ولم تتراجع عن واقعية الحلم- حتي اليوم- وإن كان الأمر بدا بحاجة إلي مراجعة صادقة لآليات ووسائل العمل الوحدوي وعدم التشبث بأي أطر دون سواها.. فالمهم من وجهة نظر هذه القوي الوحدوية الأصيلة أن يكون هناك تعاون وتكامل عربي يلغي أية احتمالات للشقاق والتناحر ويبقي علي الحلم والفكرة كهدف مرتجي إلي أن تتوافر الظروف الملائمة لإنجازه!.
خير الكلام: من القناعة تولد راحة النفس وصحوة الضمير! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله