شغلتنا الأحداث المتلاحقة سواء في مصر أو سوريا عن إحياء الذكري الرابعة والخمسون لقيام أول وحدة عربية في التاريخ الحديث وهي الوحدة المصرية السورية التي انطلقت يوم22 فبراير1958 ولم تدم سوي ثلاث سنوات وسبعة أشهر حيث وقع الانفصال المشئوم في28 سبتمبر.1961 جاءت الذكري هذا العام امتدادا للشكل الباهت للذكري التي تراجع الاهتمام بها منذ سنوات تحت وطأة هجمات سياسية وإعلامية لتصوير فكرة الوحدة العربية وكأنها ضرب من الخيال السياسي, حيث هناك ما يشبه التعمد لتغييب الفكرة وتهميشها, رغم أنها لم تكن مطلوبة وضرورية بمثل ما هي مطلوبة وضرورية اليوم ولو كمجرد فكرة إطار لعمل ليس بالضرورة أن يكون استنساخا للماضي أو تحجرا عند وسائله وآلياته التي لم تقدر علي الصمود! جاءت ذكري الوحدة بينما المسار السياسي للمنطقة يبدو متجها بعيدا وبعيدا جدا عن مجرد التعلق بالحلم وتأجيله حتي تنضج الظروف المواتية لتحقيقه حيث المناخ العام والخطاب العام يريد أن يشطب الفكرة من العقل والوجدان العربي تماما... بل إن الحفاظ علي وحدة الكيانات القطرية من التفتت والانقسام ودرء أخطار التجزئة والانفصال صار اليوم هو قمة الحلم ومنتهي الأمل للعديد من الدول العربية! وهكذا تهيأت الفرصة لمن كانوا يعملون ضد الفكرة من أساسها ويسعون لوضع العقبات والمشاكل في طريقها- منذ سنوات بعيدة- أن يبدأوا رحلة الانقضاض الكامل عليها والإسراع بدفنها بعد التأكيد علي أن ما جري لم يكن حلما مشروعا قابلا للتحقيق وإنما كان مغامرة سلبية أضرت بأكثر مما أفادت ومزقت بأكثر مما وحدت! ولست هنا في معرض الدفاع عن الفكرة لأنها أكبر من أن توضع في قفص الاتهام ولكنني أريد أن أقول لبعض من يترحمون علي هذه الأيام السالفة أن المشكلة لم تكن في فكرة الوحدة وإنما كانت في بعض الذين ادعوا إيمانهم بها ثم طعنوها- بوعي أو دون وعي- عندما تصادم تطبيق الفكرة علي أرض الواقع مع طموحاتهم الفردية وأنانيتهم الذاتية ونرجسية الفكر الأحادي الذي يختصر الفكرة في مشروع محدود ورؤية محددة! ومن يقرأ بدقة مفردات الشعارات والهتافات التلقائية التي انطلقت علي ألسنة الملايين في أقطار الربيع العربي خلال الأشهر الأخيرة يجد أن جذور الوحدة مازالت قوية وأن الحلم العربي مازال مطروحا.. وأيضا مازال ممكنا! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: من التواضع تولد المحبة ويتعمق الاحترام! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله